جلنار صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1924 - 2007 / 5 / 23 - 04:06
المحور:
الادب والفن
كان يجلس في الظلام وحده مفتوح العينين مثل ذئب جائع .. معتدلا في فراشه يضع يديه تحت رأسه يحملق فيها بينما يشير شعر رأسه المتشابك إلى قتامه الأفكار التي تدور تحته ..
لم يعد ينام منذ إن تفجر بركان جنونها الأخير تطالبه إن يبتعد عن جسدها إلى الأبد ورغم انه فعل إلا انه لم يصدق إن بإمكانها إن تنام بهذا العمق بعيدا عنه
صارت تراوده فكرة أنها حين تغمض عينيها وتختطف النوم أو يختطفها تغادر أسوار المكان والزمان الذي يحتله.. فوجهها المتشنج يتحول حين تنام إلى وجه هادئ يخلو من تعابير الهم والغضب الذي يرتسم فوقه طيلة يومها, بينما يغرق هو في غضبه لأنه لا يستطيع إن يعرف إلى أين تذهب في سكونها هذا
حاول إن يتصور أنها تفكر فيه أو ربما تراه وهو يحرس نومها العميق لكنه لم يكن متأكدا أو لعله اقرب إلى التيقن من أنها تحلق بعيدا عنه . ولأنه لايستطيع إن يقتحم عليها حلمها ليرى ما ترى , كاد إن يصاب بالجنون
في الصباح كانت عيناها تبدوان أكثر رعبا من عينيه في جوف الليل بينما تظل ساكتة تنظر من خلال النافذة نحو السماء برأس لا يبدو إن فيه فكرة واحدة.. بينما يستمر شعوره بعدم الارتياح لأنه لايستطيع إن يمد يده داخل رأسها ليفتش زوايا عقلها عن بقايا حلم الأمس ..
سهاده الليلي صار مرهقا لأنه أصبح يحمل أفكارا لاتصل به إلى نتيجة ترضيه .. فكر إن يوقظها ويسألها مباشرة أين تذهب إثناء نومها وبماذا كانت تفكر لكن مجرد السؤال قد يدل على جنونه , أو يثير جنونها النائم .. فكر إن يبدأ الحديث معها في أي موضوع أخر فربما يجرها الكلام الى الأعترفت بحقيقة أحلامها , لكنها رفضت إن تتكلم وأصرت على إن تعود إلى نومها , وفشلت كل محاولاته الهادئة لجرها نحو الحديث عما يشغل رأسها أو تشعر به فصار متاكدا أنها لأتفكر فيه أو تراه في أحلامها ..
لم يكن من السهل إن يستسلم ويتركها تغادر الأسوار وتفعل ما تفعل.. ومن يدري مالذي كانت تفعله هناك ..سيطرت عليه بشدة فكرة منعها من النوم , أضاء المكان وشغّل كل جهاز يمكنه إن يصدر ضجيجا يشق السكون العميق, وبقي ساكنا ينتظر إن تفتح عينيها, لكنها لم تفعل رغم تعابير وجهها التي تدل على أنها كانت مستيقظة ,وإنها تجاهد كي لأتفتح عينيها ..
زحف نحوها وراح يهزها بشدة, وبنبرة يعلوها غضب واضح, طلب إليها إن تستيقظ وتحدثه بأي حديث يقضم ساعات الليل الطويلة. لكنها رفضت وأصرت إن رأسها فارغ تماما .. راح يحدثها عما يسميه دائما ( ذكريات الماضي الجميلة ) لكن كلامه جعل ملامح وجهها أكثر تصلبا , ورغم إن شكلها كان مثيرا للرعب إلا انه لم يكن ليتأثر بمنظرها هذا مادام يضمن له عدم استغراقها في النوم خلال هذه الليلة وما بعدها, ولم يعد مهما له حتى لو إن الليل انقضى بالصراخ المجنون والعويل ..
تبدأ ليال السهر بالصمت المشحون بالتوتر وانزعاجها من الضوء الذي يدخل عينيها رغما عنها فتشعر بالحرقة من ملامح وجهه الشاحب وكلامه التائه بين سؤال يرد عليه بسؤال اخر ,وحوار عقيم يبدأه ويرفض إن ينتهي حتى يتفجر صمتها عن جنون مطبق لايعرف معنى حواره البارد, القاتل لآخر خلايا الذاكرة في عقلها, بينما يرفض عقلة المستيقظ, بعد فوات الأوان, إن يدرك أنها لم تعد تريد أكثر من إغفاءة لاترى فيها ظله الزاحف فوق رقبتها, ولا يد( حبه )المزروعة جدارنا وقضبانا وأشواك تطوق أحلامها بالخوف من الغرق والانزلاق والضياع ...
ذات ليلة وبعد ان فقد صبرة فقفز من مكانه وراح يدور حول نفسه يهذي بعبارات لامعنى لها يرتفع معها صوته أحيانا رافضا كل فهم وكأنه يريد إن يرجع الكلمات إلى فمها أو يلغيها من ذاكرتها لكن استحالة الأمر جعلته يفسر لها مشاعرها على طريقته ,كمخرج ,كي يقنعها, أو يفرض عليها القبول والتسليم ,بان ماتشعر به هي ليس إلا غضب عابر ورفض لابد إن ينتهي مثل كل مرة بقبول وخضوع , ولهذا سيتركها تنام هذه الليلة وحين تستيقظ في الغد ستنسى كل عبارة نطقت بها في هذا الجو المشحون بالتعب والتوتر ..
وفي الليلة الثانية اقترب منها بهدوء ومد يده بخفه وامسك بطرف ثوبها المنسدل بنعومة فوق جسدها وراح يسحبه نحوه قليلا .. استدارت برأسها نحوه ونظرت إليه بعيون مخيفة محمرة.. سحب يده بسرعة ووضعها على إذنيه لأنه تصور أنها ستصرخ مثل كل مرة لكنها لم تفعل .. مد يده مرة أخرى وراح يتلمس جسدها محاولا الوصول إلى أعماق أفكارها ..
(ما المهم في منعه من احتلال جسدها مرة أخرى بعد تلك السنوات؟, وهل يستطيع إن يدّعي, حتى مع نفسه, انه لم يدرك ولو لمرة واحدة سر ذلك الغياب والتلاشي الذي ينتزعها جسدا بلا روح من بين يديه.. لكنه الصمت الذي يمنح اللعبة استمراريتها ويصبغ التجرّع اللا مستساغ بصبغة التضحية النبيلة والواجب المقدس وتوصد بعده كل المنافذ لطريق آخر) ..هكذا فكر ياسها او جنونها ثم .. استدارت نحوه بجسدها المتعب وسحبته نحوها بهدوء وكأنها تقرأ أفكاره أو تغوص في أعماق الظلام الذي يسكن رأسه.. تركته يفتش جسدها ويدخل يده في رأسها يبحث في زوايا عقلها يبعثر الأشياء القليلة الموجودة فيه ويقلّب الفراغ الممتد داخله بشراسة وحين صارت يده تمسك بذلك الجزء الذي يجعلها تحلق بعيدا كل ليلة انفتحت عينيها برعب وألم ظاهر بينما راحت شفتاها تتمتم بلعنات خفية حتى انتزع ذلك الجزء بوحشية تامة لم تجبرها إن تطلق صرخة واحدة
لم تمضي سوى دقائق قليلة بعدها حين كان يستلقي بعيدا بهدوء تام بوجه يخلو من كل تعبير غائب عن الوجود أو محلقا في عالمها البعيد , كانت تجلس هي مفتوحة العينين تحدق في ذلك الظلام الحالك , بينما يشير شعر رأسها المتشابك إلى قتامه الأفكار التي تدور تحته ..
#جلنار_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟