ابو يوسف الغريب
كاتب وشاعر
(Zuhair Al Shaibani)
الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 07:53
المحور:
الادب والفن
حوار مع الدولة… في غرفة انتظار
(الدفتر السادس)
دخلتُ إلى المؤسسة التي تشبه ثكنةً قديمة
كلّ النوافذ مغلقة
وكلّ الكراسي مصفوفة كجنود تعبوا من الحرب
لكنّهم ما زالوا يؤدّون التحية.
أخذت رقماً من آلة الصبر
رقمي: صفر
الرقم الذي لا يُنادَى عليه أبداً
لكنّه مكتوب… للزينة.
جلستُ في الصف الثالث،
بجانب رجلٍ يحمل في عينه غيمة،
وامرأة تضع الوطن في كيس قماش وتهمس له:
“اصبر شوي، كلشي بيمشي بإذن الله”.
حين نادتني الدولة باسمي…
قمتُ كأنّي وُلدتُ للتو
اقتربتُ من النافذة
كان الزجاج بيننا كحاجز زجاجي في زيارة سجن.
قالت لي الموظّفة بنبرةٍ محفوظة:
“شو مشكلتك؟”
قلت:
“مشكلتي أني أحلم.
مشكلتي أني ما زلت أطلب الحقيقة من مكتب الشكاوى.
مشكلتي أني أكتب على دفاتر أولادي
أن الشمس تشرق من الحريّة،
لا من نشرة الأخبار.”
قالت لي:
“هذه ليست مشكلة، هذه… حساسية وطنية.
سنحوّلك إلى قسم التكيّف والتطبيع.
هل تريد شكوى مكتوبة أم شفوية؟”
قلت:
“لا أريد شكوى… أريد حديثاً
أريد أن أعرف لماذا صارت اللغة عسكريّة
ولماذا إذا قلتُ ‘أنا موجوع’
أُسحب من طابور الخبز إلى طابور المحاكمة.”
أخرجت ملفي من الدرج
ملفّي كان ثقيلاً
مليئاً بأوراق منسية
قصائد غير منشورة،
طلبات هجرة غير مكتملة،
وصورة لي وأنا أضحك…
منذ زمن لم أعد أعرفه.
فتّشتْ الملف وقالت:
“ما عندك سوابق، بس عندك نوايا.”
فجأة، صمتت النافذة.
انطفأ الضوء.
توقّف الطابور.
وارتفعت موسيقى خفيفة
من جهاز تنبيه داخلي.
خرج رجلٌ بربطة عنق عليها علم الدولة
وقال:
“عزيزي المواطن،
انتهى الدوام.
ارجع غدًا…
أو بعد الانتخابات.”
خرجت من المؤسسة
ورائي ظلّي
وأمامي لافتة كتب عليها:
“نعتذر… الدولة الآن في وضعية الطيران”
رفعت يدي كأنني أودّع مطارًا
لكن لا أحد سافر…
ولا أحد عاد.
#ابو_يوسف_الغريب (هاشتاغ)
Zuhair_Al_Shaibani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟