|
الحقوق التضامنية: الجيل الثالث من حقوق الإنسان
كامل امين هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 8313 - 2025 / 4 / 15 - 10:21
المحور:
حقوق الانسان
بدأت ملامح منظومة حقوق الإنسان الحديثة بالتبلور عقب الحرب العالمية الثانية، مع تأسيس منظمة الأمم المتحدة، استجابةً لتحديات تلك المرحلة. وقد ركزت هذه المنظومة على مجموعة من الحقوق الأساسية، شملت الحقوق المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية. وقد تُوج هذا المسار بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، بوصفه الحد الأدنى من التوافق بين الدول، ومثّل الركيزة الأولى لهذه المنظومة، في وقت لم يكن الصراع بين القطبين الاشتراكي والرأسمالي قد بلغ ذروته بعد.
لاحقاً، ومع تصاعد التوتر بين المعسكرين في سياق الحرب الباردة، سعت الأمم المتحدة إلى تحويل المبادئ العامة في الإعلان العالمي إلى اتفاقيات ملزمة. وقد أُقر في عام 1966 عهدان دوليان أساسيان: - العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يعكس أولوية المعسكر الرأسمالي في التركيز على حرية الفرد وحقوقه السياسية. - العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي يجسّد رؤية المعسكر الاشتراكي في التشديد على العدالة الاجتماعية وحقوق الجماعة.
يشكل هذان العهدان ما يُعرف بالجيل الأول والجيل الثاني من حقوق الإنسان، وقد أصبحت لهما آليات تعاهدية وتعاقدية تُلزم الدول الأطراف. وقد انضم العراق إليهما سنة 1971، ودخلا حيز النفاذ عام 1976.
لكن مع بداية ثمانينيات القرن الماضي، دخل العالم في مرحلة جديدة من التحولات والتحديات. فقد تصاعدت حدة التوتر الدولي، واشتد سباق التسلح وتوسعت الصناعات الثقيلة دون قيود بيئية، ما أدى إلى آثار كارثية طالت الدول النامية والفقيرة على وجه الخصوص. اندلعت حروب إقليمية ونزاعات أهلية، وتفاقمت أزمات الفقر والمجاعة، وارتفعت نسب التلوث البيئي بصورة مقلقة.
في هذا السياق، برزت الحاجة إلى جيل جديد من الحقوق، يأخذ في الاعتبار الطابع الكوكبي والشمولي للمخاطر. ومن هذا المنطلق، انعقد مؤتمر نيروبي في كينيا عام 1982 – وهي إحدى مقرات الأمم المتحدة – برعاية المنظمة الدولية. وقد ركّز المؤتمر على ثلاثة مفاهيم أساسية تندرج ضمن الحقوق الحديثة: - الحق في بيئة نظيفة - الحق في التنمية المستدامة - الحق في السلم الأهلي
هذه الحقوق لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تضامن دولي وشراكة فعالة بين الحكومات والمجتمع المدني والأفراد، بخلاف الحقوق التقليدية التي كانت مسؤولية الحكومات فقط. ولهذا السبب، أُطلق عليها اسم الحقوق التضامنية.
وقد بدأت بعض المنظمات غير الحكومية، التي نشطت في مجال حماية البيئة، في التحول إلى قوى سياسية مؤثرة، كما في تجربة "الخضر" في أوروبا الذين فازوا بمقاعد برلمانية وشكلوا حكومات في بعض البلدان. كذلك، شهدت السنوات اللاحقة إدراج الحقوق التضامنية في العديد من المعاهدات الدولية، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما أصبحت جزءاً من خطط وبرامج المؤسسات الأممية والإقليمية والحكومات الوطنية.
إضافات معاصرة: الحقوق التضامنية في زمن الأزمات
شهد العقد الأخير تطورات زادت من أهمية الحقوق التضامنية، أبرزها:
1. جائحة كوفيد-19 (2020–2022) التي كشفت عن هشاشة النظم الصحية والاجتماعية، وأكدت أهمية التضامن العالمي في مواجهة التهديدات الوبائية. 2. تغير المناخ وتفاقم آثاره، حيث بات يُعتبر تهديداً مباشراً للأمن الغذائي والسكاني والبيئي، ما يجعل "العدالة المناخية" امتداداً جوهرياً للحقوق التضامنية. 3. الحروب والنزاعات الحديثة، مثل الحرب في أوكرانيا، والنزاع في غزة، وتصاعد أزمات اللاجئين، ما يضع الحق في السلم الأهلي في صدارة الأولويات الحقوقية. 4. الثورة الرقمية، حيث يُطرح "الحق في الوصول إلى الإنترنت والمعلومات" كأحد حقوق الجيل الثالث، كونه أساسًا للمشاركة والعدالة والتنمية في العصر الرقمي. 5. أهداف التنمية المستدامة 2030 (SDGs)، التي تبنتها الأمم المتحدة كإطار شامل يدمج بين مختلف أنواع الحقوق، ويعكس فلسفة الجيل الثالث.
خاتمة:
الحقوق التضامنية تمثل تطورًا نوعيًا في فكر حقوق الإنسان، إذ تعكس وعياً متزايداً بأن كرامة الإنسان وسلامه وازدهاره لا يمكن ضمانها في عالم تعصف به الأزمات إلا من خلال التضامن والشراكة العادلة. هي حقوق لا تتعلق بالفرد وحده، بل بمصير البشرية جمعاء، وهي بهذا المعنى ليست فقط جيلًا ثالثًا من الحقوق، بل تجسيدًا حيًا لأفق إنساني جديد.
#كامل_امين_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسطين.. الاحتلال يصعد عدوانه على طولكرم: اقتحامات واعتقالات
...
-
الأمم المتحدة ستراجع تأثير وكالة الأونروا في غزة وأماكن أخرى
...
-
الأمم المتحدة تؤكد عدم نيتها تغيير ولاية -الأونروا-
-
لماذا أطلقت الأمم المتحدة -تقييما استراتيجيا- للأونروا؟
-
فقدت زوجي وجنيني وطفلتي ترقد بين الحياة والموت
-
رحلوا جميعًا… وبقيت وحدي: شهادة نجاة من تحت الركام وخسارة لا
...
-
-رايتس ووتش- تحث الإمارات على رفع معارضين من قائمة الإرهاب
-
برنامج الأغذية العالمي يوقف مساعداته لمئات الآلاف في إثيوبيا
...
-
حماس تكشف عن الدوافع الحقيقية للمعتقلين الـ16 في الأردن!
-
حماس تدعو للإفراج عن معتقلين أردنيين متهمين صنعوا مسيّرات وص
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|