أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سعد خير الله - ومضة ضوء -يهود مصر: لا عدالة دون اعتراف-















المزيد.....

ومضة ضوء -يهود مصر: لا عدالة دون اعتراف-


محمد سعد خير الله
محمد سعد خيرالله عضو رابطة القلم السويدية

(Mohaemd Saad Khiralla)


الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 04:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تنويه قبل القراءة، النسخة العربية من مقالي المنشور اليوم باللغة الإنجليزية في صحيفة يسرائيل هيوم أنشره هنا ولا ينشر في مكان آخر .


إن 60 مليار دولار كتعويضات واعتذار رسمي ضروري من شأنهما أن يجعلا من مصر بلداً أفضل، يستحق حقًا كل أبنائه، بكل تنوعهم.

في مقال سابق، وصفتُ، مدعومًا بالأدلة، كيف أن اليهود المصريين، أكثر من أي مجتمع آخر في مصر، هم في جوهرهم مؤسسو الاقتصاد الحديث للبلاد؛ اقتصاد أصبح الأكثر تقدمًا في العالم خارج الغرب واليابان. إضافةً إلى ذلك، لعب هذا المجتمع دورًا استثنائيًا في النهضة الثقافية المصرية في القرن العشرين، عصرًا ذهبيًا من الابتكار والازدهار الاجتماعي. وقد ذكرتُ بعض المؤسسات الرئيسية التي أسسوها، وسلّطتُ الضوء على شخصيات بارزة كانت جزءًا لا يتجزأ من نهضة ذلك العصر.

وليس من المبالغة أن نقول إن تحقيق العدالة لهذا المجتمع، الذي عانى من التطهير العرقي المنهجي، يتطلب كتابًا كاملاً.

لقد أدركت الحركات السياسية الناشئة والمتنافسة، والدكتاتورية الناشئة التي وصلت إلى السلطة عبر انقلاب عسكري، في ذلك الوقت أن وجود 80 ألف يهودي مصري، وإن أغلب هؤلاء المهنيين ذوي المهارات العالية، شكلوا تهديدًا لمشروعها الأيديولوجي: التعريب أو أسلمة المجتمع الذي كان حتى منتصف القرن العشرين قد طور هوية متنوعة ثقافياً ودينيًا، إلى درجة تضاهي أكثر المجتمعات الغربية تقدماً في فترة ما بعد الحرب.

في هذا السياق، لم يرَ النظام سوى خيار واحد: تشديد قبضته بالإقصاء الشامل، الذي اتخذ شكل الطرد القسري، ومصادرة الممتلكات، وتأميم الشركات، وسحب الجنسية، والاعتقالات الجماعية والتعذيب، والترحيل، إلى جانب حظر شامل للعودة (بدون رجاء). وهذا يُشكل بوضوح وبشكل لا لبس فيه عملية تطهير عرقي ممنهجة.

زعمت الحكومات المتعاقبة أن هذه السياسات مجرد "إصلاحات اقتصادية" أو "ضرورات أمنية وطنية"، لكن الواقع القانوني والأخلاقي مختلف تمامًا. هل يجوز لدولة مصادرة ممتلكات مواطنيها وطردهم لمجرد انتمائهم الديني؟ يرد القانون الدولي برفض قاطع وقاطع. تُشكل هذه الانتهاكات خرقًا جسيمًا للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وكما هو الحال في حالات تاريخية مماثلة، تستلزم تعويضًا عادلًا وشاملًا.

دروس من أوروبا... ومسؤولية تاريخية

التاريخ حافل بأمثلة أُجبرت فيها الدول على الاعتراف بجرائمها وتعويض ضحاياها. دفعت ألمانيا عشرات المليارات من الدولارات للناجين من الهولوكوست وذريتهم، وكذلك لإسرائيل، مُعترفةً بمسؤوليتها التاريخية. ولا تزال بولندا، حتى يومنا هذا، تواجه ضغوطًا دولية لإعادة الممتلكات اليهودية التي صودرت خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها أو تعويضها.

هل تختلف الحالة المصرية؟ حتى لو هُجِّر اليهود المصريون بدلًا من إبادتهم، كما حدث في أوروبا، فإن الالتزام القانوني والأخلاقي بتعويضهم يبقى كما هو.

إن الاعتذار لليهود المصريين وتعويضهم ليس مجرد قضية مالية؛ بل هو خطوة أولى حاسمة في الاعتراف بالظلم الفادح وكسر الإرث الطويل من الإنكار الذي لا تزال الدولة المصرية تدعمه، وهو أمر ضروري لجعل مصر بلداً أفضل لجميع مواطنيها.

قصص إنسانية... وجروح تنتظر الاعتراف بها للشفاء

وراء الأرقام والقرارات السياسية تكمن مآسي شخصية عميقة أو مراسم حداد وطنية مصغرة.

قصة راشيل شاؤول، الفتاة المراهقة التي طُردت مع عائلتها من الإسكندرية عام 1957 خلال 72 ساعة فقط، هي من تلك اللحظات المؤلمة للغاية. على رصيف القطار، ودعت جدتها التي لم يُمنح لها إذن المغادرة. وبينما كان القطار ينطلق، لوّحت قائلة: "لن أراكِ مجددًا". وبالفعل، لم تَرَها أبدًا.

يوسف كوهين، ابن صناعي من القاهرة، انقلبت حياته رأسًا على عقب، من العيش في فيلا فاخرة إلى الاختباء في قبو الكنيس بعد مصادرة ممتلكات العائلة وسجن والده بتهم ملفقة. غادروا مصر بجوازات سفر مؤقتة مختومة بعبارة "غير صالحة للعودة".

كانت سارة مزراحي تحلم بأن تصبح مُعلمة. لكنها خضعت لاستجواب وحشي في قسم شرطة قصر النيل لمجرد تحدثها باللغة العبرية. استُجوبت تحت ضوء أصفر قاسٍ، وهُددت بالاغتصاب، وأُجبرت على توقيع تعهد بعدم مغادرة القاهرة. غادرت في النهاية بمساعدة أقاربها في فرنسا، لكن دون أي شهادات أو وثائق أو أموال. (وقعت هذه الحادثة في أواخر عام 1956. المصدر: المؤتمر اليهودي العالمي، اللاجئون اليهود من الأراضي العربية، تقرير أرشيفي، 2006).

شهادات من السجن... عُذِّبت من أجل هويتها

في واحدة من أكثر المجازر إيلامًا، قُتل ليون كاسترو، وهو يهودي من سكان حارة اليهود بالقاهرة، مع زوجته وطفليه في قصفٍ بتاريخ 19 يونيو/حزيران 1948. كان الانفجار عنيفًا لدرجة أن منزلهم دُمر بالكامل، وسط صراخ وبكاء الجيران. ومع ذلك، لم يُعتقل أحد، ولم يُفتح أي تحقيق، ولم تُنصف العدالة قط، في مثالٍ مُرعب على أرواحٍ زُهقت لمجرد دينها.

في شهادته، يروي يوسف كوهين سنوات قضاها في السجون المصرية أواخر الستينيات. احتُجز في زنزانة صغيرة بلا نوافذ، محرومًا من النوم، ومُهددًا بالقتل مرارًا وتكرارًا لمجرد حديثه. لم تكن قضيته استثناءً، بل كانت القاعدة.

ألكسندر ظفاري، يهودي من الإسكندرية، اعتقلت الشرطة بتهمة "الانتماء إلى منظمات يهودية". وتعرض لتعذيب وحشي: ضرب على أطرافه، وتهديد مستمر، وإذلال نفسي متكرر. لم تُوجه إليه أي تهمة قط، ولم يُحاكم قط.

كانت إيلين كوهين في الخامسة عشرة من عمرها فقط عندما أُلقي القبض عليها مع والدتها بتهمة تخزين أسلحة، رغم أنها لم تلمس سلاحًا قط في حياتها. تعرضت لإيذاء جسدي ونفسي، وهُددت مرارًا بالإعدام. لم تنسَ ما حدث، حتى بعد هجرتها إلى كندا.

إسحاق جبرائيل، تاجر من وسط القاهرة، اعتُقل بعد حرب 1967 واحتُجز في سجن قصر النيل، حيث كان يتعرض للضرب يوميًا والإهانة المستمرة. أُطلق سراحه بعد شهرين، وفرّ من مصر مع عائلته، ولم يعد قط.

في الواقع، اعتقلت السلطات المصرية جميع الرجال اليهود تقريبًا الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و65 عامًا. رُحِّلوا إلى سجن أبو زعبل سيئ السمعة، ثم إلى سجن طرة، حيث تعرض بعضهم للتعذيب لأكثر من ثلاث سنوات قبل أن يُطردوا على متن طائرات، مُفلسين، ويُجبروا على النفي ليبدأوا حياتهم من الصفر. (المصدر: رامي منجوبي، أطول عشر دقائق في حياتي، جيروزالم بوست، 4 يناير/كانون الثاني 2007).

التعويضات حق لا يسقط بالتقادم

وعندما يتعلق الأمر بتقدير التعويضات المستحقة عن الممتلكات والشركات والمؤسسات والأموال المصادرة من يهود مصر، فإن الحد الأدنى للقيمة التقديرية يبلغ 60 مليار دولار.

هذه الديون لا تسقط بالتقادم. ومرة ​​أخرى، تتجاوز أهمية التعويضات قيمتها المالية بكثير. فهي تتعلق باستعادة الكرامة، والاعتراف بالظلم، وتحقيق حد أدنى من العدالة التاريخية لضحايا جريمة أُخفيت عمدًا لعقود.

وهذه الأرقام ليست عشوائية؛ بل تستند إلى تقييمات الممتلكات المصادرة، والحسابات المصرفية المجمدة، والأسهم التي تم التنازل عنها قسراً.

وأعاد اليهود المصريون بناء حياتهم في أماكن أخرى، حيث ازدهرت في البلدان التي رحبت بهم، مثل إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما.

عندما أتحدث عن حق اليهود المصريين في التعويض والاعتذار، فأنا لا أدافع عن قضية هامشية، بل أفعل ذلك نيابةً عن جميع المصريين. المساءلة ضرورية لمعالجة هذا الخطأ التاريخي المشين، وهي الخطوة الأولى نحو بناء مصر أفضل، مصر تليق بكل أبنائها، بكل تنوعهم.



#محمد_سعد_خير_الله (هاشتاغ)       Mohaemd_Saad_Khiralla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (1)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ومضة ضوء: عنوان المقال:اليهود في مصر، قبل تطهيرهم العرقي
- ومضة ضوء -أحمد الشرع: ظل إلهي على الأرض أم رئيس؟-
- ومضة ضوء: لماذا لا يمكن الثقة بالجيش المصري كشريك للسلام؟
- ومضة ضوء - خطواتي العشر لإنقاذ مصر من مصير كارثي -
- ومضة ضوء : عار على المسارح الأوروبية فتح أبوابها لأحد أكبر ا ...
- ومضة ضوء : تجنب الأخطاء الماضية: سبع قضايا رئيسية بشأن النهج ...
- ومضة ضوء - غزة تسرق الاهتمام من السودان -
- ومضة ضوء - عن رائعة سامي البدري الكولونيل في شأنه الجانبي/ م ...
- ومضة ضوء يا مصري إعرف عدوك الأساسي الجيش أم السيسي؟؟
- ومضة ضوء -داعش يطل برأسه من مصر -
- -ومضة ضوء - الخطأ المستمر للعالم العربي
- -ومضة ضوء -دعوة السيسي للسلام تتعارض مع سياسات مصر في غزة.
- ومضة ضوء -مسألة حماس ومصر -
- -ومضة ضوء - لماذا تريد جمهورية العساكر كسر هشام قاسم، الحر ف ...
- -ومضة ضوء - عندما يتحول شعب باكمله إلى رهائن لا مواطنون إنه ...
- -ومضة ضوء - عن تأكيد على موقف سابق خاص بدعوة سيسي لحوار إلا ...
- ما الذي حدث ما بين الواقعتين واقعة رفح الأولى في رمضان 2012 ...
- -ومضة ضوء - وكلمتين لسيسي مندوب جمهورية العساكر عن كيفية تدم ...
- -ومضة ضوء - عن مصر واستغاثة أخيرة قبل الانفجار المدوي.
- Egypt-ACry Before a Resounding Fall


المزيد.....




- جينيفر لوبيز تخطف الأنظار في جدة وتستعد لجولة عالمية.. الأبر ...
- -انتحار شاب- من فوق جسر في العراق.. ما حقيقة الفيديو؟
- ألمانيا: مسيرات الفصح تدعو لعالم خال من الحروب والسلاح النوو ...
- بار: نتنياهو طلب توصية لتأجيل محاكمته
- كنائس فلسطين تنعى البابا فرانسيس
- نواب يطالبون بحل -جبهة العمل الإسلامي-
- مراسل RT: غارات أمريكية على جزيرة كمران بمحافظة الحديدة
- بوتين: استئناف القتال بعد هدنة عيد الفصح
- أجراس كنائس أوروبا تقرع حدادا على البابا
- ماكرون يصل إلى مايوت لتقديم خطة -إعادة إعمار- الأرخبيل المدم ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سعد خير الله - ومضة ضوء -يهود مصر: لا عدالة دون اعتراف-