أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - العلمانية الإنسانية: يوتوبيا زائفة أم أزمة وجودية؟














المزيد.....

العلمانية الإنسانية: يوتوبيا زائفة أم أزمة وجودية؟


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8298 - 2025 / 3 / 31 - 10:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د حمدي سيد محمد محمود
منذ صعودها كبديل للأنظمة الدينية، قدمت العلمانية الإنسانية نفسها باعتبارها الحامل الوحيد للقيم الأخلاقية والمعيارية في عصر الحداثة. فقدمت وعودًا براقة بتأسيس مجتمع عادل يقوم على العقل والعلم والتجربة البشرية، دون الحاجة إلى أي مرجعية متعالية. ومع ذلك، فإن هذا المشروع، رغم طموحاته النظرية، يواجه أزمات جوهرية تهدد استقراره وقدرته على الصمود أمام أسئلة المعنى والغاية والأخلاق. فهل يمكن للعلمانية الإنسانية أن تقدم بديلاً حقيقيًا للأنظمة القيمية المتجذرة في التاريخ الإنساني؟ أم أنها مجرد يوتوبيا زائفة تتهاوى أمام التحديات الفلسفية والواقعية؟

جوهر النقد: أزمة الأخلاق والمعنى

لطالما زعمت العلمانية الإنسانية قدرتها على تأسيس منظومة أخلاقية دون الحاجة إلى أي سلطة متعالية، لكن هذا الادعاء يفتقر إلى الأسس الصلبة. إذ إن غياب معيار موضوعي للأخلاق يؤدي إلى نسبية قيمية تجعل الخير والشر مسألة خاضعة للأهواء المجتمعية المتغيرة، مما يهدد استقرار المجتمعات على المدى البعيد. فبدلاً من توفير أرضية أخلاقية متماسكة، أدت العلمانية الإنسانية إلى تآكل القيم الراسخة وفتح الباب أمام العدمية.

أما على مستوى المعنى، فإن رفض العلمانية الإنسانية لأي غاية كونية يجعلها عاجزة عن تقديم إجابة مرضية لمن يبحث عن غاية تتجاوز الوجود المادي. إن تحميل الإنسان مسؤولية خلق معناه الخاص قد يبدو جذابًا من الناحية النظرية، لكنه في الواقع يترك الأفراد أمام فراغ وجودي عميق. وهذا ما يفسر الاضطرابات النفسية والتأملات العدمية التي باتت تهيمن على المجتمعات الحديثة، حيث يشعر الإنسان بأنه تائه في عالم بلا غاية أو هدف.

حدود العقل والعلمانية في تنظيم الحياة

الافتراض بأن العقل البشري قادر وحده على تقديم إجابات نهائية على الأسئلة الوجودية والأخلاقية هو نوع من الغطرسة الفكرية. إذ أثبتت التجربة البشرية أن العقل محدود ومعرض للخطأ، وأنه غير قادر على إدراك جميع أبعاد الواقع. كما أن الاقتصار على المنهج العقلاني في صياغة القيم يغفل الأبعاد الروحية والعاطفية التي تشكل جزءًا أساسيًا من التجربة الإنسانية.

أما على الصعيد العملي، فقد أثبتت التجربة أن العلمانية الإنسانية تواجه صعوبات هائلة في تحقيق العدالة والمساواة في مجتمعات متعددة القيم والمعتقدات. فبدلاً من إيجاد حلول متوازنة، غالبًا ما تميل إلى فرض رؤيتها على الجميع، مما يخلق صراعات اجتماعية عميقة. كما أن محاولة معالجة مشكلات الفقر والجريمة والعنف دون استلهام أي بعد روحي أو أخلاقي متعالٍ يجعل هذه الحلول قاصرة وسطحية، حيث تظل المعالجة سطحية تفتقر إلى الدوافع الأعمق للسلوك الإنساني.

الدين والعلمانية: صراع حتمي أم تعايش مستحيل؟

رغم ادعائها الحياد تجاه المعتقدات الدينية، إلا أن العلمانية الإنسانية تتعامل مع الدين غالبًا بصفته خصمًا ينبغي تهميشه. فبدلاً من تعزيز التنوع وقبول الاختلاف، تسعى في كثير من الأحيان إلى فرض رؤيتها المادية على المجتمعات، مما يؤدي إلى احتكاكات مستمرة مع المعتقدات الدينية التقليدية. وهذا يخلق تناقضًا داخليًا، حيث تتحول العلمانية من مبدأ يفترض الحياد إلى أيديولوجيا متحيزة ضد الدين، مما يهدد السلم الاجتماعي ويؤدي إلى استقطابات حادة.

إن العلمانية الإنسانية، رغم شعاراتها البراقة، لم تنجح في تقديم بديل حقيقي قادر على تجاوز الأزمات الفلسفية والأخلاقية التي تواجهها البشرية. فغياب المرجعية المتعالية لم يؤدِ إلا إلى مزيد من الضياع القيمي والعدمية الفكرية، مما يطرح تساؤلات جدية حول جدوى هذا المشروع. فهل يمكن لمجتمع يقوم فقط على العقل والتجربة أن يستمر دون أن ينهار تحت وطأة أزماته الأخلاقية والوجودية؟ أم أن البشرية ستدرك في نهاية المطاف أن القيم الراسخة والمعاني العميقة لا يمكن أن تستند فقط إلى منطق مادي بحت؟ إن هذه التساؤلات تبقى مفتوحة، لكنها تعكس الحاجة الملحة إلى إعادة التفكير في الأسس التي يقوم عليها المشروع العلماني الإنساني قبل أن يتحول إلى أزمة فكرية عميقة لا يمكن تداركها.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (1)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حماس بين التصنيفات الدولية: جدلية المقاومة والإرهاب في ميزان ...
- الحرية بين وهم الحداثة وسلطة الخوارزميات: من التنوير إلى الا ...
- حفلة شاي بوسطن: شرارة الثورة الأمريكية وتغير موازين التاريخ
- ما بعد سايكس بيكو: تحرير الأمة من سجون الجغرافيا والتاريخ
- مستقبل الديمقراطية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب الثانية: بين ...
- صناعة المعرفة في العالم العربي: بين تحديات الحاضر وآفاق المس ...
- جدلية الدين والعلم والسياسة: صراع القوى أم تكامل المسارات؟
- الفلسفة المشائية: من أرسطو إلى ابن رشد - مسار العقل والاستدل ...
- من الاستبداد إلى الإبداع: تحديات الانتقال من الدولة الديكتات ...
- تقديس الوطن: توظيف الخطاب الديني في هندسة الهوية القومية وصن ...
- فلسفة الجمال في مرآة الحداثة: تأملات في الفن والوجود
- جوديث بتلر وتفكيك وهم الهوية: الجندر بين الأداء والسلطة
- الطاو تي تشينغ: حكمة الوجود الخفي ومسار الطبيعة الذي لا يُقا ...
- جدل الدولة في الفلسفة السياسية: من فرض النظام إلى تحقيق العد ...
- العدل الإلهي بين التنزيه والمسؤولية: قراءة معتزلية في قوله ت ...
- الدين بين العقل والنقد: رحلة الفلسفة الأوروبية من التفكيك إل ...
- فلسفة اللذة بين العقل والرغبة: جدلية السعادة والمعاناة في ال ...
- حدود العلم وأفق الوعي: فيزياء الكون بين الإدراك والواقع
- الوعي في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: جدلية الإدراك ...
- حرب الثلاثين عامًا (1618-1648): الصراع بين الكاثوليك والبروت ...


المزيد.....




- -وول ستريت جورنال- تكشف هوية أقرب مستشار لنائب الرئيس الأمري ...
- في لحظة تاريخية مؤثرة.. عشرات الآلاف يلقون النظرة الأخيرة عل ...
- إيران تبدي استعدادها لمفاوضات نوويّة مع الترويكا الأوروبية.. ...
- لأول مرة في تاريخها - منظمة التحرير الفلسطينية تستحدث منصب ن ...
- نتنياهو: مستعدون لمواجهة إيران لوحدنا
- أوروبا.. توزيع التهم بين موسكو وواشنطن
- عراقجي يدعو لندن وباريس وبرلين للتفاوض
- شويغو: مجلس الأمن الروسي يعد مقترحات لتعديل استراتيجية الأمن ...
- الجزائر.. الحكم بالسجن 5 سنوات ضد المدير العام السابق للتشري ...
- الجثة الثامنة.. تجدد المخاوف من قاتل متسلسل في أمريكا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - العلمانية الإنسانية: يوتوبيا زائفة أم أزمة وجودية؟