|
الملاحظات على الإعلان الدستوري
ثائر أبوصالح
الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 16:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل الولوج في مواد الإعلان الدستوري، أود أن اتطرق لبعض النقاط التي اعتبرها مفصلية في طريقة فهم المرحلة الحالية، التي تمر بها سوريا، وهو مجرد رأي قد يقبله البعض وقد يرفضه البعض الأخر، وهذا حق طبيعي لكل انسان، فالخلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية، ويثري النقاش، فالمرحلة معقدة ومتداخلة، وعلينا التدقيق والتمحيص في تفاصيلها حتى نستطيع أن نكّون فكرة عامة عما يجري، وفي هذا السياق أود أن اؤكد ما يلي:
اولاً؛ لقد نجح النظام البائد على مدار 14 عاماً من الصراع المسلح في سوريا، في تفكيك النسيج الاجتماعي السوري، وحول هذا الشعب الى اثنيات وطوائف ينخرها التطرف ونفي الآخر، ولذلك تسعى دول إقليمية مثل إسرائيل وإيران الى استغلال هذا الوضع من أجل تأجيج الصراع الاثني والمذهبي وصولاً الى تقسيم سوريا، أو على الأقل ابقائها دولة ضعيفة متناحرة لا تشكل خطراً على مشاريع هذه الدول في المنطقة.
ثانياً؛ هناك توافق دولي وعربي على إعطاء الرئيس أحمد الشرع قيادة المرحلة الانتقالية، وذلك لقناعتهم أنه الوحيد القادر على ضبط المجموعات المسلحة التي دخلت سوريا بعد سقوط النظام، وأن أي محاولة لاستبعاد الشرع ستجر البلاد لحرب طائفية لا تحمد عقباها، والدليل على ذلك، الرعاية الأمريكية للاتفاق الذي وقع بين مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع، إضافة الى أحداث الساحل السوري التي أظهرت بشكل واضح هشاشة النسيج الاجتماعي السوري وإمكانية التحول بشكل سريع الى صراع طائفي يقضي على البشر والشجر والحجر.
ثالثاً: اعتقد انه على كل مكونات الشعب السوري أن تعي هذه الحقائق وتبتعد عن أي أجندات خارجية قد توصل البلاد لحرب طائفية، وبدلاً عن ذلك عليها قبول الدولة السورية الجديدة، ورفض النظام الجديد وذلك من خلال النضال الديمقراطي المتاح ضده، ومن خلال بناء جبهة ديمقراطية عريضة عابرة للإثنيات والطوائف والتي ستؤسس لبناء الدولة الديمقراطية المدنية. ومن هذا المنطلق يجب نقاش كل ما يصدر عن الحكم الجديد وتفنيده، ومحاولة تغييره والابتعاد عن الرفض القاطع والعناد للدولة الذي لا طائل منه، وفي هذا السياق والفهم نقرأ ونناقش الإعلان الدستوري، فمن البديهي ألا نتعامل مع أي نص كان بمبدأ الأسود والأبيض، فعادة؛ في كل نص، سواءً كان قانونياً او سياسياً أو اجتماعياً أو فكرياً، نجد فيه نقاطاً إيجابية يمكن البناء عليها، وبالمقابل نجد أيضاً نقاطاً سلبية يمكن نقاشها ونقدها وطرح البديل، فبدون طرح البديل الممكن، يصبح النقاش عبثياً، ويتحول الى نقد من اجل النقد وليس من أجل الإصلاح.
- المادة الأولى من الإعلان الدستوري تحدد اسم الدولة بالجمهورية العربية السورية، وهذا استثناء واضح لكل المكونات غير العربية والتي تشكل على الأقل 15% من الشعب السوري. فالدول الحديثة هي دول مواطنة وليست دول قوميات، والذي يجمع كل مكونات الشعب السوري هي الجغرافيا السورية التي تعطي الجنسية لكل القاطنين ضمن حدودها الجغرافية، ولذلك تصبح الجمهورية السورية اسم جامع للسوريين ولا تلغي قومية أحد، أما الجمهورية العربية السورية فهو اسم مفرق ويلغي الآخرين. ولذلك يجب اعتماد تسمية الجمهورية السورية كما ورد في دستور 1950.
- المادة الثانية تقول " تؤسس الدولة لإقامة نظام سياسي يرتكز على مبدأ فصل السلطات ويضمن الحرية والكرامة للمواطن"، واضح أن هذا النص هو محاولة فاشلة للالتفاف على ذكر: أن الجمهورية السورية هي جمهورية مدنية ديمقراطية، لأن فصل السلطات هو ركيزة النظام الديمقراطي ويقوم على مبدأ التوازن والكبح. ومن يضمن حرية وكرامة المواطن هي دولة المواطنة. فلماذا هذا التهرب من تسمية الأمور بمسمياتها؟
- المادة الثالثة حددت دين رئيس الدولة بالإسلام والفقه الإسلامي المصدر الرئيس للتشريع، وذلك قبل أن يحدد من يحق له أن يرشح نفسه لهذا المنصب. اليس من المفروض أن نحدد على سبيل المثال: "ان كل مواطن سوري من ابويين سوريين بلغ من العمر أربعين عاماً على سبيل المثال ويتمتع بصحة عقلية ونفسية سليمة وغير محكوم بجرم شائن يستطيع أن يترشح لهذا المنصب". فهل يكفي ان تكون مسلماً حتى تستطيع ان تترشح لهذا المنصب؟ فهل يحق للشيشاني أو الأفغاني كونهما مسلمين أن يترشحا لهذا المنصب حتى لو حصلا بطريقة ما على الجنسية السورية؟ فلهذا يجب التحديد على ان يكون المرشح ابناً لأبويين سوريين عاشا في سوريا لفترة يحددها الدستور!
السؤال الثاني ماذا نعني بالإسلام؟ فهل الشيعة والعلويون والدروز والإسماعيليون يعتبرون مسلمين ويحق لهم الترشح، فإذا كان الجواب بالإيجاب فنكون قد استثنينا المسيحيين والأشوريين وباقي المكونات غير المسلمة من هذ المنصب وهذا يتناقض على الأقل مع البند العاشر في نفس الإعلان الذي ينص على أن: " المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو النسب"، أما اذا كان الجواب بالنفي فهذا يعني ان الكردي السني يستطيع ان يترشح للرئاسة لأنه مسلم سني بينما الشيعي او العلوي او الدرزي او الإسماعيلي أو المسيحي العربي لا يستطيعون الترشح، وبالتالي هذا فيه ظلم للمكون العربي ويتناقض مع المادة الأولى التي حددت اسم الدولة على انها الجمهورية العربية السورية . ويتناقض بالطبع مع المادة العاشرة المذكورة سابقاً. أما الفقه الإسلامي يجب أن يحدد ما هو المقصود منه وبما يختلف عن الشريعة الإسلامية؟ ولا مانع، من وجهة نظري، أن يكون أحد مصادر التشريع.
- الحقيقة لا أعرف ما علاقة الإعلان الدستوري بالبند الأول والثاني من المادة الثامنة، حيث ورد بما معناه "ان الدولة تنسق مع الدول والجهات ذات الصلة لدعم عملية إعادة الإعمار، وتعمل على تذليل العقبات امام العودة الطوعية للاجئين والنازحين وجميع المهجرين قسراً". فهذه ابسط واجبات الدولة تجاه مواطنيها وليس بحاجة لنص دستوري.
- المادة التاسعة تقول: " الجيش مؤسسة وطنية محترفة مهمته حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامتها ووحدة أراضيها بما يتوافق مع سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان" وهذا النص الجميل يتناقض تماماً مع ما ذهب اليه الرئيس أحمد الشرع من خلال حل الفصائل وتوحيدها لتشكل جيشاً وطنياً لسوريا، في حين تم استبعاد الآلاف من الضباط الوطنيين أصحاب الخبرة، المنشقين عن جيش النظام، فقد تبت في احداث الساحل ان هذا الجيش ليس وطنياً ولا يستطيع أن يحمي المواطنين، وتبين ان الفصائلية هي الغالبة، ولذلك على الشعب السوري أن يناضل لإعادة صياغة جيش وطني يمثل كل السوريين.
- إن أحد السلبيات الأساسية في هذا الإعلان هو وضع صلاحيات لا محدودة بيد رئيس الجمهورية دون اية رقابة، كما ورد تحت عنوان السلطة التنفيذية ابتداءً من المادة 31 وحتى المادة 42، فبالإضافة الى كونه رئيس للجمهورية فهو أيضاً القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وهو الذي يعين ثلث أعضاء البرلمان، وهو الذي يعين قضاة المحكمة الدستورية، وهو رئيس الوزراء وله حق تعيينهم وعزلهم دون وجود الية رقابة او محاسبة من قبل السلطة التشريعية، مثل على الأقل حجب الثقة عن وزير أو إعطاء الثقة للوزارة أو حجب الثقة عنها. فبالرغم من وجود فصل شبه كامل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية كما ورد في النص، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا يستطيع الرئيس حل البرلمان، وهذا شيء ايجابي ولكن الجانب السلبي في الأمر أن البرلمان لا يستطيع اقالة الرئيس في حالات يجب ان تذكر مثل: إذا ارتكب الرئيس فعلاً مشيناً، او خرق الدستور، أو نتيجة مرض أقعده عن ممارسة منصبه.. يجب ان يكون هناك آلية محاسبة مضبوطة قانونياً لمحاسبة الرئيس في حالات معينة يحددها القانون. بالمقابل يجب أن يعطى البرلمان حق منح الثقة أو حجب الثقة عن أي وزير يعين من قبل الرئيس وفقاً للنظام الرئاسي بحال ثبت عليه تجاوزات قانونية او اختلاس او أي خرق آخر.
- المادة 47 في البند الثاني تعطي الحق لرئيس الجمهورية أن يسمي قضاة المحكمة الدستورية وهذا تغول من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، صحيح أن هناك دول تسير وفق هكذا نظام، ولكن في الحالة السورية التي مازالت في بداية بناء النظام الديمقراطي من الخطأ تبني هكذا توجه، خصوصاً أن هناك طريقة أفضل تتبعها بعض الدول؛ مثل إقامة لجنة لتعيين القضاة، تضم ممثلين عن السلطات الثلاث إضافة الى ممثلي المعارضة والجمهور ونقابة المحامين.
مع احترامي الشديد للجنة اعداد الإعلان الدستوري ولكني اعتقد أن ما قدموه لا يعكس مهنية عالية، في حين لا ينقص الشعب السوري مهنيين وأخصائيين قادرين على انجاز هذه المهمة، واعتقد ان هناك حاجة لتعديل هذا الإعلان وقد ورد في المادة 50: " يتم تعديل الإعلان الدستوري بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب بناء على اقتراح لرئيس الجمهورية"، يعني إذا كان الرئيس معني بالاستماع الى ملاحظات الشعب، يمكنه ادخال التعديلات المطلوبة. لهذا يجب ان يناضل الشعب السوري ويفرض على الرئيس القبول بالتعديلات.
#ثائر_أبوصالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية وأهم معوقاتها- النموذج السوري
-
بين النصر الأخلاقي والعسكري للثورة السورية
-
صراع الاستراتيجيات في الشرق اوسط
-
فاجعة مجدل شمس والدروس المستفادة
-
بين الحقيقة وظلالها
-
سر النفس البشرية
-
رحلة البحث عن الحقيقة
-
الوجود بين الوهم والحقيقة
-
الموقف السوري من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة
-
الطريق الى معرفة الله في الفكر التوحيدي
-
بين الهوية والانتماء
-
آفة التطرف
-
عناق الدب
-
ثورة جبل العرب في سوريا
-
من نحن؟
-
التداعيات المحتملة للتقارب السعودي الإيراني
-
مفهوم اللانهاية في الرياضيات وفكرة الألوهة
-
قراءة في المستجدات على الساحة السورية
-
قراءة سريعة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة
-
بين إدراك الألم وفلسفة المعاناة
المزيد.....
-
إعلام: السلطات الأمريكية رحّلت طبيبة بجامعة براون في ولاية ر
...
-
ويتكوف: الولايات المتحدة تجري مناقشات مع -الدول المعنية- في
...
-
سوريا تتهم حزب الله بخطف جنود سوريين قرب منطقة حدودية وقتلهم
...
-
سيمونيان تعلق على خطط إرسال قوات لحفظ السلام إلى أوكرانيا
-
النائبة العامة الإسرائيلية تؤكد لنتنياهو أنه لا يمكن إقالة ر
...
-
المعارضة الإسرائيلية تعتبر إقالة رئيس الشاباك مثابة -إعلان ح
...
-
نائب وزير الخارجية الروسي يوضح الهدف من الشائعات حول نشر قوا
...
-
الأسباب المحتملة لنزيف اللثة
-
فوائد وأضرار الأناناس
-
دمشق تتهم حزب الله بخطف جنود وقتلهم في لبنان والحزب ينفي
المزيد.....
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|