أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد يحيى عبيد - الإعلان الدستوري السوري، خطوات إلى الوراء















المزيد.....


الإعلان الدستوري السوري، خطوات إلى الوراء


عماد يحيى عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 08:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الإعلان الدستوري السوري ، خطوات إلى الوراء.
يعتبر دستور (الماجنا كارتا أو الميثاق الأعظم) الذي صادق عليه الملك البريطاني (جون لاكلاند) عام 1215 أول دستور متعارف عليه في علم القانون الدستوري، لينتظر التاريخ أكثر من خمسمئة عام ليصدر بعده الدستور (البولندي عام 1791) كثاني دستور عالمي، وتتوالى بعدها الدساتير العالمية (النرويجي 1814) و(الهولندي 1815) والبلجيكي (1831) أما الدستور الأمريكي فقد صدر عام (1868) وهو أول دستور مكتوب مازال معمولا به حتى الآن وإن طرأت عليه بعض التعديلات.
مرّ على تاريخ سوريا أربعة عشر دستورا قبل أن يصدر الإعلان الدستوري الأخير بتاريخ 13 آذار 2025 وقعه رئيس الجمهورية المعين من قبل الفصائل التابعة لهيئة تحرير الشام التي كان يرأسها الرئيس أحمد الشرع نفسه، وقد تضمن هذا الإعلان على 54 مادة على أن يعمل به خلال المرحلة الانتقالية (كما سماها الإعلان) والبالغة خمس سنوات (مادة 52).
من العودة إلى مواد هذا الدستور نلحظ فيه تراجعا عن الدساتير السابقة وتناقضا بين مواده وصياغة مفتوحة التأويل لمواد أخرى.
*- حددت المادة (1) اسم سوريا بـ (الجمهورية العربية السورية) وهذه التسمية أثارت تحفظ المكونات القومية الأخرى والتيارات الليبرالية والعلمانية والمجتمع المدني التي كانت تطمح لتسمية (الجمهورية السورية) فقط، وإن كان المكون العربي هو الغالب، سيما أن السلطة سبق أن وقعت وثيقة تفاهم مع المكون الكردي الممثل بقوات سوريا الديمقراطية (قسد). كما أنها لم تحدد شكل الدولة (ديمقراطية أو دينية)، وكان يمكن القبول بكلمة (دولة) فقط لو أن مواد هذا الإعلان حققت شرط الدولة الحقيقية المبنية على المؤسسات والقوانين، لأن مؤسسة الرئاسة طغت على جميع المؤسسات (كما سنرى لاحقا) واستولت على الدولة. ومن يعد إلى ديباجة المقدمة لهذا الإعلان سيستنتج شكل الدولة وميلها الديني من خلال التوصية القائلة: (تنظيم شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية وفق مبادئ الحكم الرشيد) هذه التوصية كانت من مخرجات مؤتمر الحوار التي صيغت مسبقا ويتحمل وزرها أعضاء المؤتمر، فعبارة (الحكم الرشيد) خاصة بالدولة الدينية أو التي سماها (محمد عبدو – دولة مدنية ذات مرجعية دينية)
*- المادة (3) سارت في شقها الأول على نهج الدساتير السابقة حيث جعلت دين رئيس الدولة الإسلام، وهذا ما أثار أيضا حفيظة القوى الليبرالية والمكونات الدينية الأخرى، وحيث أن الإسلام هو دين الغالبية السورية، فقد كان بإمكان السلطة أن تلعب بذكاء على إغفال دين رئيس الدولة لأنه سيكون مسلما بقوة الواقع العقائدي الديني للأغلبية، خاصة أن المجتمع السوري لم يبلغ حالة من النضوج الاختياري ليتجاوز الرابط الديني.
*- وبنفس السياق لم تحدد المادة جنسية رئيس الدولة، بل اكتفت بانتمائه الديني، وكان من المتوجب أن تحدده بأن يكون سوريا بالولادة أو مضى على تجنيسه فترة بعيدة نسبيا لما قبل انطلاق الثورة السورية كي لا تكون ذريعة للذين جنستهم فصائل الثورة من غير السوريين.
*- وفي نفس المادة (3) نقرأ (والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع)، هنا يظهر التراجع عن الدساتير السابقة التي كانت تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع، وليست المصدر الرئيسي، واختيار كلمة (الفقه) يعيد للسلطة حالة الاستبداد في انتقاء ما يناسبها من الفقه رجوعا إلى أكثر من ألف وأربعمائة عام، غير مراعية تطور الزمن واختلاف ظروف الحياة، حتى أنها لم تحدد أن يكون الفقه هو المتفق عليه بأجماع الفقهاء، فيمكن أن تختار اجتهادا فقهيا متطرفا عما اتفقت عليه المذاهب الأربعة.
*- ونقرأ في نفس المادة (3) – (حرية الاعتقاد مصونة، وتحترم الدولة جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يُخلّ ذلك بالنظام العام)، هنا يظهر التناقض جليا في متن المادة نفسها، فالكثير من الفقه يرى بالمكونات الدينية الأخرى مواطنين من الدرجة الثانية، وأقرب مثال على ذلك ما فسرته وزارة التربية لعبارة النص القرأني من سورة الفاتحة – الآية السابعة (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) حين استندت إلى تفسير (ابن كثير) بأن (المغضوب عليهم هم اليهود) و(الضالين هم النصارى)، فهذه واحدة من الأمثلة وغيرها الكثير التي تدل على تناقض جلي في نفس المادة.
*- كما يظهر تناقض النص السابق مع نص المادة (10) التي تقول: (المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب) فكيف يتساوى المواطنون في الحقوق إن لم يكن من حق غير المسلم الترشح للرئاسة، وعليه أن يكون محكوما بما يقره الفقه الإسلامي ويشرّعه.
*- الصلاحيات الممنوحة لرئيس الدولة جعلت شخصية رئيس الدولة تتفوق على الدولة بالصلاحيات الواسعة شبه المطلقة التي منحها الإعلان الدستوري له، حيث نصت المادة (24) على: (يشكل رئيس الجمهورية لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب، تشرف اللجنة العليا على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتنتخب تلك الهيئات ثلثي أعضاء مجلس الشعب، يعين رئيس الجمهورية ثلث أعضاء مجلس الشعب لضمان التمثيل العادل والكفاءة) وعليه فإن مجلس الشعب بكامله خاضع للرئاسة كون اللجنة التي ننتخبه معينة من الرئيس وكذلك الثلث الباقي.
*- كذلك السلطة التنفيذية يرأسها الرئيس (مادة 31) وهو القائد الأعلى للمؤسسة العسكرية (مادة 32) ويعين الوزراء ويعفيهم مادة (35) كما منح الإعلان الرئيس تجاوز السلطة التشريعية بحقه بالاعتراض على القوانين التي يصدرها مجلس الشعب (مادة 39) وأعطاه حصرا حق العفو الخاص (مادة 40) وهذا الحق حساس في هذه المرحلة نظرا لتلوث الكثير من العناصر المحسوبة على السلطة بجرائم الدم. ونجد في المادة (41) حق الرئيس في إعلان حالة الطوارئ بعد موافقة مجلس الأمن القومي واستشارة مجلس الشعب والمحكمة الدستورية العليا، ومن المعروف أن هذه المؤسسات الثلاث معينة من الرئيس، وبالتالي من الصعب أن تخالفه.
*- التناقض السافر في النصوص يتجلى في المادة (43) النّاصة على (السلطة القضائية مستقلة، ولا سلطان على القضاة إلا للقانون. يضمن المجلس الأعلى للقضاء حسن سير القضاء واحترام استقلاله.) وحيث أن قانون السلطة القضائية الذي لم يلغ يجعل رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس القضاء الأعلى، مما يعني أن السلطة القضائية تحت إشرافه وولايته وهذا ما يتناقض مع المادة (2) القاضية بفصل السلطات.
*- في المادة (44) نقرأ (تنشأ المحاكم وتحدد اختصاصاتها بقانون، ويُحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية.) وبعدها المادة (45) تقول: (يشرف مجلس القضاء الأعلى على القضاء العادي والعسكري.) فمن المعروف أن المحاكم العسكرية يصنفها بعض فقهاء القانون أنها محاكم استثنائية، وبالتالي فإن قانون العقوبات العسكري وأصول محاكماته أضحت قوانين استثنائية، فكيف يشرف عليها مجلس القضاء الأعلى، وكان لا بد قبل ذلك من تحديد المحاكم الاستثنائية والقوانين الاستثنائية لنعرف مدى شموليتها بهذا القانون.
*- الماد (47) تنص على (تتكون المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء يسميهم رئيس الجمهورية من ذوي النزاهة والكفاءة والخبرة.) وهذا مناقض لمبدأ استقلالية السلطة القضائية، سيما أن المحكمة الدستورية العليا هي أعلى سلطة في التراتبية القضائية.
*- أعود إلى أمر هام تغافل عنه الإعلان ومرره بشكل عائم لا يمكن قبضه حين حدد حقوق المرأة في المادة (21) (تحفظ الدولة المكانة الاجتماعية للمرأة، وتصون كرامتها ودورها داخل الأسرة والمجتمع، وتكفل حقها في التعليم والعمل. تكفل الدولة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة، وتحميها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف.) فهذه المادة أغفلت كلمة (المساواة) عن سابق قصد، لأن المساواة تفتح عليه أبواب شتى، تبدأ بالميراث وثم الشهادة وثم حق الجنسية لأولادها، وحق الترشح والانتخاب وتولي الأمور السيادية، فضلا عن أن هذه المادة تصبح معطلة إذا ما استعان الحكم بالفقه الإسلامي وما أكثر النصوص الفقهية الدينية التي تشل دور المرأة وتحجمها.
*- لعل قمة التغول الذي يمكن ممارسته في هذا الإعلان نص الفقرة الأخيرة من المادة (49) التي تقول: (تجرم الدولة تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.) فهذا النص يخشى أن يصبح ذريعة اتهام للسلطة المهيمنة على معظم الصلاحيات الدستورية والتنفيذية لاتهام كل مخالف بهذا الجرم، وهذا يذكر بالقانون (49) الذي صدر إبان الحقبة الأسدية بتجريم الانتساب إلى الإخوان المسلمين) " يا للصدفة المقصودة بين رقم المادة ورقم القانون" حين استخدم ذاك القانون لعقاب من تغضب عليه السلطة وتلفيق التهمة له في ظل حكم فاسد وعدالة رخيصة.
من خلال هذه القراءة نلاحظ أن هذا الإعلان الدستوري لم يقدم أي تطور يذكر عن الدساتير السابقة، بل تراجع عنها سواء في المرجعيات أو الصلاحيات أو الصياغة، وكرس حالة الحكم الشمولي، فاعتماده على الفقه الإسلامي كمصدر رئيس للتشريع سابقة رجعية وكأنها تتشابه جدا مع نص المادة (8) من الدستور السوري الدائم الصادر عام 1973 التي تنص على (حزب البعث قائد للدولة والمجتمع) فتلك المادة تفتح باب المرجعية الدينية اللامتناهي في اختيار ما يتوافق مع السلطة من فقه ديني إسلامي لشرعنة قوانينها وفقه، ويلاحظ أيضا أن حالة الدولة مهيمن عليها من السلطة الرئاسية، حيث أضحت معظم المؤسسات مسيطر عليها من شخص الرئيس، ومن خلال التناقضات التي أوردنا نلمس مدى الركاكة في الصياغة لمواد الدستور، والأهم من ذلك أن أمام الشعب السوري مدة خمس سنوات تحت ظل هذا الإعلان ونصوصه.



#عماد_يحيى_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية وشرعنة الديكتاتورية
- العرب خيمة وسوق
- بين مدينة إفلاطون وإمارة ميكافيللي


المزيد.....




- بكت بحرقة.. جيسي عبدو تنشر كواليس صفعة قاسية تلقتها في مسلسل ...
- روسيا للناتو.. قوات بأوكرانيا إعلان حرب
- ترحيل طبيبة لبنانية من أمريكا رغم حيازتها لتأشيرة والسبب: حض ...
- سيدة الموائد في رمضان.. هكذا تُصنع بقلاوة غازي عنتاب الشهيرة ...
- البنتاغون: الولايات المتحدة ستستخدم القوة المميتة الساحقة في ...
- مقتل طفل سوري استدرجه جاره إلى داخل منزله وذبحه بسكين في لبن ...
- مصر.. خلاف طالبات يتحول لكارثة داخل مدرسة لغات بالجيزة
- البيت الأبيض: نحن أقرب من السلام في أوكرانيا مما كان في أي و ...
- موقف وزير الداخلية الفرنسية إزاء الجزائر: -معازلة لليمين الم ...
- خبراء أمميون: الإجراءات الأميركية بحق طلاب مناهضين لإسرائيل ...


المزيد.....

- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد يحيى عبيد - الإعلان الدستوري السوري، خطوات إلى الوراء