أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة اللحية .














المزيد.....


مقامة اللحية .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8223 - 2025 / 1 / 15 - 10:25
المحور: الادب والفن
    


مقامة اللحية : (( أغايةُ الدِّينِ أن تُحْفوا شواربكم/ يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ)) .

كان الرفاق الشيوعيون ومن ثم البعثيون يعتنون بتربية شواربهم , علامة على انتمائاتهم ودرجاتهم الحزبية , وحين تولى الأسلاميون الحكم بفضل من وهبهم أياه , وعندما تكاثرت الأحزاب والتيارات ألأسلامية , بدأنا نلمس علامات تدل على انصارهم بأمتلاكهم ذقون و لحايا مختلفة الكثافة , كل منها يدل على حزب معين , وبدأوا يتبوأون مراكز السلطة ولا يشترط إن يكون صاحبهم عبقريًا في الاقتصاد أوالهندسة أو جاهلًا بشؤون السياسة , المهم أن يكون الذقن واللحية مرآة الشخصية وسمة النضال .

بدأت هذه الأحزاب تثقف بالدعوة إلى العودة إلى (( القيم الأصلية )) والمظهر الحسن , معتبرة أن الذقن رمز للحكمة والوقار , وفعلا رأينا انهم شكلوا حكوماتهم من الأعضاء الأكثر ذقنًا , بدءًا من رئيس الوزراء الى بقية التشكيلة , وبالنسبة للشعب وخصوصا المتسلقين منهم فقد تحولت الذقون من مجرد شعر ينبت على الوجه إلى رمز اجتماعي وسياسي , كان الوزراء يتفاخرون بطول ذقونهم , ويُقاس نضالهم السياسي المتخيل بأشكال هذه اللحايا والذقون .

مع مرور الوقت , بدأت المشاكل تتراكم في ظل حكومة ذوي الذقون , وبدأ الشعب يدرك تدريجيًا أن الذقن لا تعني شيئًا حقيقيًا من حيث الكفاءة أو الحكمة , وراح المواطن يتسائل هل الذقن حقًا هو ما يحدد من يستحق الحكم ؟ ماذا عن النساء ؟ ماذا عن الرجال الذين لا تنمو ذقونهم بسهولة ؟ وماذا عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي أهملتها الحكومة لانشغالها بالعناية بذقونها ؟ وهل ان فشلُ النظام في معالجة القضايا الحقيقية يعود فقط إلى غياب الذقن المناسبة ؟ هكذا شاهدنا البلاد تنهار ببطء , والاقتصاد في ركود , وتوقفت العلوم , والناس يعيشون في خوف دائم , مع ذلك , ظل حكم الذقون قائماً , وازداد جنون النظام حتى أصبح العالم بأسره يسخر من بلاد حيث الذقون فيها أسمى من العقول .

أدّت اللحية دوراً مهماً في العقيدة الدينية , فالفراعنة كانوا يضعون لحى مزيّفة من المعدن للتشبه بالإله أوزوريس الذي كان ملتحياً , وذلك لأنّهم كانوا يحلقون كامل شعر وجوههم , وذلك تبعاً لعادات النظافة لديهم , ومن عادات العرب في الجاهلية عند الصلح أن يمسكوا لحى بعضهم البعض دليلاً على الصلح , كما حصل في صلح الديبية حين كان عروة بن مسعود الثقفي , يمسح بيده على لحية الرسول , ثم اني وجدت ان ابن طباطبا يحذر من حلق اللحية ويقول : (( يا من يزيل خلقة الرحمان عمّا خلقت , هل لك عذر عنده إذا الوحوش حشرت , في لحية إن سئلت بأي ذنب نُتفت )) , وربما يعود موقف ابن طباطبا إلى حديث الرسول : (( الشعر الحسن من كسوة الله , فأكرموه )) , أو لقسم زوجة الرسول عائشة باللحى : (( لا والذي زيّن الرجال باللحى )) .

اختلف الفقهاء في حكم إعفاء اللحية على قولين اثنين : الأول , وجوب إعفائها , وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة , والثاني استحباب إعفائها , وهو ما ذهب إليه بعض متأخري الشافعية , وهذا ابن المعتز يمتدح غلاماً ظهرت لحيته ويقوي من عزم عاشقه الذي بدأ يخاف الملامة : (( لعمرك ما أزرتْ بيوسف لحية/ ولكنه قد زاد حسناً وأضعِفا , ولا تعتذر من حبهِ في التحائه/ فما يحسن الدينار إلا مشنّفا )) , ومن شعر الشريف الرضي في اللحية (( رَأَت شَعَراتٍ في عِذارِيَ طَلقَةً/ كَما اِفتَرَ طِفلُ الرَوضِ عَن أَوَّلِ الوَسمي , فَقُلتُ لَها ما الشَعرُ سالَ بِعارِضي/ وَلَكِنَّهُ نَبتُ السِيادَةِ وَالحِلمِ )) , أما أبو تمام فهو يصف كيف تبدل حال غلام أمرد , مَلِك قلوب العشاق , إلى حال النسيان وحتى الموت بعدما ظهرت لحيته ((ومتّ حيّاً بلحية طلعت/ عليك قد كنت قبلها ملكا , إذا رأيت الغلام قد طلعت/ بخده شعره فقد هلكا )) , ويتابع في ذلك تلميذه البحتري : ((لكل شيء حسن آفة/ وآفة المرد في خروج اللحى )).

كانت جماعة العصور الوسطى قد نحت نفس المنحى حيث ألقى توماس جوينج في القرن التاسع عشر, عدّة محاضرات عن أهمية اللحى , بعدما رأى ما حدث للحى البريطانية الكثة والقوية من ضعف نتيجة الحلاقة , وجمع هذه المحاضرات في كتاب اسماه )) فلسفة اللحى The Philosophy of beards (( قال توماس : (( إنّنا ثديّات فروية الوجه , وإنّ الطبيعة تعلم ماذا تفعل , وإنّه لمن المستحيل أن تنظر إلى لوحات لأشخاص ملتحين دون أن تشعر بما يمتلكونه من الكرامة والمهابة والوقار والاستقلال والحيوية والكمال , وعلى النقيض من ذلك , فإنّ مظهر الرجل نظيف الوجه حليق الذقن يجعله يشعر بالعري المبتذل الزائف )) .

اما لو تطلعنا لوضع تقدير موقف لآفاق المستقبل , فسنجد ان الحكومات الأسلامية ستتوسع في سلطاتها , وستصدر قوانين مثل تصنيف المواطنين حسب كثافة ذقونهم , وستننشئ سجل وطني للذقون يُعرف باسم ( قلم اللحايا ) أسوة بقلم العشائر السابق , حيث تُمنح درجات لكل مواطن وفقًا لطول ذقنه و كثافتها ولمعانها , وسيصبح الذقن معيارًا وحيدًا للتوظيف والتعليم والزواج , وسيتم وضع أولئك الذين لا يستطيعون تنمية ذقونهم لأسباب جينية أو طبية في خانة (( المواطنين القاصرين )) .

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الغناء بالهمس .
- مقامة القهوة والحب .
- مقامة دمشق .
- مقامة نجمة الصبح .
- مقامة الأنكار .
- مقامة لغة العشاق .
- مقامة الصليب .
- مقامة الغصن المكسور .
- مقامة أرتقوا فالقاع مزدحم .
- مقامة العادات الشرقية .
- مقامة الثمن الباهظ .
- مقامة التوبة .
- مقامة ولادة .
- مقامة 2025 .
- مقامة محطة الأستراحة .
- مقامة الصبر .
- مقامة الحب بالمجان .
- مقامة تأثير الفراشة .
- مقامة هلوسات التحليل
- مقامة الكريسمس .


المزيد.....




- واسط على موعد مع فعاليات مهرجانها السينمائي الدولي العاشر بم ...
- بعد نجاح فيلم -الدشاش- جماهيريا.. هل نجح محمد سعد في استعادة ...
- الدين مادة أساسية بمدارس مصر.. ما وجه الاعتراض؟
- بعد ساعتين بالظبط هتشوف العظمة”.. مسلسل عثمان 178 الحلقة الج ...
- المترجم جنغيز عبد الواحد ”فرض رسوم لخدمة الترجمة قد يؤدي إلى ...
- الأدب السوري مترجمًا.. كيف شوّهت -سياسات الهوية- السردية الس ...
- أحزاب تيدو تريد من المولودين في الخارج دفع رسوم الترجمة بأنف ...
- تركي آل الشيخ يعلن عن حدث مهم بتاريخ صناعة السينما في السعود ...
- دار الأنام اللبنانية تصدر كتاباً جديداً للدكتور زهير ياسين ش ...
- مصر.. حارس مصري يرتكب جريمة مروعة في معهد للسينما


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة اللحية .