في بعض سمات المشهد السياسي السوري الراهن.

نزار فجر بعريني

الحوار المتمدن-العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 11:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

من أجل تعزيز ما نقوم به من جهد سياسي ومدني وإنساني وطني في هذه المرحلة الإنتقالية ، من المفيد إدراك أبرز حقائق الصراع على سوريا، خاصّة حيثيات وعوامل سياق هجوم "رد العدوان" الذي نجحت معاركه المتواصلة منذ٢٧ من نوفمبر في إسقاط سلطة الأسد اللاوطنية في الثامن من ديسمبر المجيد.
١ كان للشعب السوري الفضل الاوّل في إسقاط سلطة الأسد في الثامن من ديسمبر، بداية عبر إطلاق ثورة الحرية والكرامة (التغيير السياسي الديمقراطي) خلال العام ٢٠١١، وكان لتضحياته الجسام خلال مسارات الصراع اللاحقة بين ٢٠١٢ ٢٠١٩ الفضل الرئيسي في تفكيك مرتكزات النظام السوري.
٢ إنّ جهود إسقاط النظام السوري خلال تلك المراحل لم تقتصر على نضالات وتضحيات السوريين، رغم عظمتها، لكّنها تساوقت وتشابكت مع سياسات دول خارجية، أتى في مقدّمتها النظام الإيراني والإدارة الديمقراطية الأمريكية، وكان لميل موازين القوى لصالح كفّة القوى الخارجية العامل الرئيسي في عدم نجاح نضالات وتضحيات السوريين في تحقيق أهداف ثورة الحريّة والكرامة عبر مسار انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي، وقد تكاملت الإرادات والجهود الدولية في دفع الصراع السياسي على مسارات الخَيار العسكري الميليشياوي، وفّرت نتائجه ظروف تدخّل عسكري مباشر بعد ٢٠١٤ اخذت حروبها ونشاطها الدبلوماسي مسارات تقاسم سوريا إلى حصص ومناطق نفوذ، بلورت خلال ٢٠١٩ سلطات أمر واقع ميليشاوية على حصص شركاء الخَيار العسكري الميليشياوي، أنظمة روسيا وإيران وتركيا وإدارة الولايات المتّحدة الديمقراطية ولانّ سلطة الأسد كانت شريكاً رئيسياً للولايات المتّحدة وسلطة النظام الإيراني في صيرورة هزيمة أهداف الثورة وتقاسم سوريا، فقد فرضت واشنطن، عبر توافقات سياسية بين أنظمة تركيا وروسيا وإيران، وتنسيق مع "إسرائيل، بقاء سلطة الأسد، وأتاحت بعد مطلع ٢٠٢٠ خطوات وإجراءات إعادة تأهيل تلك السلطة الميليشاوية اللاوطنية، على الحصّة الإيرانية، (في تزامن مع جهود تأهيل سلطة قسد على الحصّة الأمريكية)، كممثّل لحكومة "شرعية"، رغم إجماع السوريين على افتقادها إلى الحد الأدنى من شروط الشرعية السورية، وضرورة إسقاطها، وقد باتت السلطتين صبيحة هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ أبرز حقائق خارطة سوريا "الجديدة" .
٣ عندما توصّلت المفاوضات القاسية بين الولايات المتّحدة و حكومة نتنياهو الإرهابية إلى صفقة قيام هدنة مؤقّتة في الحرب الإسرائيلية المدمّرة على حزب الله في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي، كانت قد أدّت حروب حكومة اليمين الإسرائيلية ضد مرتكزات السيطرة الإيرانية إلى تغيير الوقائع العسكرية التي وفّرت شروط استقرار سلطة الأسد حتى تاريخ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
فقد أدّت "انتصارات" جيش العدو الإسرائيلي المهاجم إلى فرض مصالح وسياسات إسرائيل على إدارة بايدن الديمقراطية، كما وجّبت قيام تنسيق استراتيجي مع إدارة ترامب القادمة حول ضرورة تفكيك آليات السيطرة الإيرانية في سوريا، و قد كشفت جهود عربية وإقليمية ( تركية وإماراتية، سعودية، بالدرجة الأولى) تجاه الأسد شخصيّا استحالة فصل خيوط سلطته عن شبكة السيطرة الإيرانية.
٤ ليس خارج السياق العام، نفهم دوافع حصول تنسيق إقليمي ودولي، بقيادة الولايات المتّحدة، ومشاركة الجميع، دون استثناء الأسد شخصيّا، لترتيب شروط صفقة إسقاط سلطته!
هي أهمّ عوامل السياق وحيثيات إطلاق هجوم ردّالعدوان بقيادة "هيئة تحرير الشام" ومشاركة بعض الفصائل التي تنسّق معها، وقد كشفت مسارات المعارك وصولا إلى دمشق عوامل جديدة. (أكّد الوزير بلينكن انّ الولايات المتّحدة كانت على اتصال مباشر مع "هيئة تحرير الشام"، وأطراف أخرى).
أ‌- أظهر استبعاد فصائل "الجيش الوطني" المرتبطة بحكومة الإئتلاف المؤقتة و تحكم منطقة السيطرة التركية عن المشاركة في معارك إسقاط سلطة الأسد في إطار " قيادة العمليات العسكرية " ، مصلحة وإرادة أمريكية في " تحجيم " الدور التركي في صناعة النظام السوري الجديد.
ب- كشف استغلال حكومة الحرب الإسرائيلية اليمينية لآليات إسقاط سلطة الأسد، وما سعت إليه لإحتلال المزيد من الأرض، وتدمير مرتكزات الجيش السوري الوطنية، الدور الإسرائيلي الدائم في تحديد طبيعة السلطة والنظام السوري.
٥حقيقة انّ الولايات المتّحدة هي القوّة الدولية التي اختارت لدوافع مصالحها الخاصّة "هيئة تحرير الشام" دون غيرها من سلطات الأمر الواقع الميليشياوية للقيام بمهمّة إسقاط سلطة الأسد في لحظة تاريخية نوعية بات عندها تحقيق هذا الهدف المركزي في ثورة الشعب السوري أملا وطنيا لغالبية السوريين، وما نتج عنه من إعطاء قيادة الهيئة اليد العليا في قيادة و تمثيل ثورة الشعب السوري العظيمة، توجّب على جميع السوريين الذي يؤمنون، ولهم مصلحة مشتركة، بقيام سوريا، دولة المواطنة المتساوية، الموحّدة والديمقراطية، طرح تساؤلات جوهرية، و إيجاد مقاربات موضوعية.
أ- ما هي طبيعة المصالح والسياسات الاستراتيجية في سوريا والإقليم التي تتطلّع تلك الدولة العظمى لتحقيقها في سياقات بناء نظام سياسي سوري جديد، على أنقاض النظام السابق، وبقايا سلطته؟
ب‌- أين تتقاطع أو تتعارض مصالح وسياسات الولايات المتحدّة- الإدارة الجمهورية-مع تطلّعات وآمال وحق السوريين في بناء مؤسسات دولة موحّدة، تقوم على قاعدة دستورية وحقوقية، تضمن عمليا وقانونيا العدالة للجميع، وحقوق المواطنة المتساوية، ولا تصنّف السوريين على أيّة أسس دون الوطنية – قومية او أثنية أو دينية او عشائرية...!!
ت‌- أين تتقاطع أو تتساوق جهود واشنطن لتحديد شكل وطبيعة النظام السوري القادم مع مصالح وجهود تركيا وإسرائيل؟
ث‌- كيف تسطيع القوى الوطنية السورية تجيير شبكة تقاطع المصالح وتناقض السياسات بما يتوافق مع مصلحة السوريين المشتركة في بناء نظام ديمقراطي، يمثّل ويضمن مصالح جميع السوريين دون إقصاء؟
٦على صعيد ما تروّجه وسائل الإعلام الأمريكي، ثمّة ما "يبشّر بالخير"، ويعطي السوريين آمالا كبيرة بإمكانية بناء مؤسسات دولة وطنية ؛ وهذا جيّد، ومن مصلحتنا أخذه بعين الاعتبار القصوى نظرا لدور واشنطن المحوري في رسم مستقبل العملية السياسية، وتحديد طبيعة النظام السوري، دون أن نتجاهل إمكانية الخداع والتضليل، وقد كانت السمة الرئيسية لسياسات ووسائل إعلام الإدارات الديمقراطية تجاه السوريين منذ ربيع ٢٠١١! (١).
لنتابع بعضا مما تقوله وسائل الإعلام الأمريكية حول نشاط الإدارة الديمقراطية المرتبط مباشرة بجهود بناء النظام السوري الجديد :
أ-في البيان الصادر في الرابع عشر من ديسمبر الجاري عن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة الاتصال العربية بشأن سوريا ( البحرين وفرنسا وألمانيا وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبحضور المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا الذي يزور دمشق اليوم ) حول اجتماع العقبة، ثمّة تأكيد واضح
بضرورة توفير "الدعم الكامل للشعب السوري في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه لبناء مستقبل أكثر أملا وأمنا وسلاما". كما أعرب المشاركون عن التزامهم بأن تكون
"العملية السياسية الانتقالية بقيادة وملكية سورية وإنتاج حكومة شاملة وغير طائفية وتمثيلية ويتم تشكيلها من خلال عملية شفافة"، " وأكّدوا الدعم الكامل لوحدة سوريا وسلامة أراضيها وسيادتها"،
وشددوا على" احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة والأقليات، والحفاظ على مؤسسات الدولة التي تخدم مصالح الشعب السوري وتقديم الخدمات الحيوية له، ليعيش في وئام مع جيرانه"، وطالبوا الجميع باحترام سيادة سوريا وكذلك وحدة وسلامة أراضيها وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة." (٢)
ب-
"تحدّث وزير الخارجية أنتوني ج. بلينكن مع نظيره البريطاني ديفيد لامي، وشدد الوزير بلينكن على دعم الولايات المتحدة لحكومة سورية تمثيلية وخاضعة للمساءلة يختارها الشعب السوري. "( وزارة الخارجية الأمريكية
مكتب المتحدث الرسمي).
ت- مما قاله الوزير أنتوني بلينكن في مؤتمره الصحفي الذي اعقب لقاء "العقبة":
" قبل أقل من أسبوع، فر بشار الأسد من سوريا، منهيا أكثر من خمسة عقود من الدكتاتورية..... اتفقت الولايات المتحدة وشركاؤنا في المنطقة على مجموعة من المبادئ المشتركة لتوجيه دعمنا لسوريا وشعبها في المستقبل. لدى أمريكا وشركائنا مصلحة مهمة في مساعدة الشعب السوري على رسم هذا المسار الجديد.... رسالتنا إلى الشعب السوري هي:
نريد لهم النجاح، ونحن على استعداد لمساعدتهم على مواجهة التحدّيات و وبناء الدولة الشاملة وغير الطائفية والمسالمة وذات السيادة التي يريدها."
" لقد اتفقنا على ما يلي:
" إنّ العملية الانتقالية يجب أن يقودها ويمتلكها السوريون، وأن تسفر عن حكومة شاملة وتمثيلية؛ وينبغي احترام حقوق جميع السوريين – بما في ذلك الأقليات والنساء ...
ختاما،
أعتقد أنّه في قدرتنا على طرح التساؤلات الواقعية وإعطاء الإجابات الموضوعية، نبني ثقافة سياسية متجددة ، تساعدنا على إدراك طبيعة الشروط التاريخية الراهنة ،

وممارسة السياسة كفن الممكن، وآليات العمل الوطني التشاركي، وذلك في ضوء فهمنا لمآلات السلطة الراهنة، وسقف العملية السياسية الجديدة، في ظل عوامل السياق الخارجية، الإقليمية والأمريكية، ورؤية طبيعة السلطة الخاصة..
بغض النظر عن مشاعرنا ورغباتنا.
دون ذلك، لن نخرج من دوائر الفشل السابقة !

(١)-
هي ملامح عامة، لاينبغي أن تمنعنا من البحث في التفاصيل حول طبيعة تناقض ومصالح القوى الخارجية الأكثر تأثيرا في تحديد مآلات الصراع السياسي الراهن على شكل وجوهر النظام السوري- الولايات المتحدّة وإسرائيل وتركيا- وقد كشفت مسارات ومآلات الصراع منذ ٢٠١١ تناقضات رئيسية، وكانت سياسات ومصالح تركيا هي الأقرب لمصالح السوريين المشتركة في دمقرطة النظام و الحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة والجغرافيا.
إضافة إلى ذلك، من الموضوعية، وبما يعزز وعينا السياسي، إدراك حقيقة أنّ درجة فاعلية النشاط السياسي والدبلوماسي الذي تقوم بها حكومات أوروبا والإقليم – والامم المتّحدة- تجاه قضية السوريين المركزية الراهنة – طبيعة النظام السوري القادم -ترتبط بمدى تساوقها او عدمه مع سياسات واشنطن، ولن تستطيع تجاوز "السقف الأمريكي"!
(٢)-
هي نفس لغة تدبيج القرار ٢٢٥٤!
بين جهود معارضة لإعادة طرح القرار ٢٢٥٤، ودعوة السيد أحمد الشرع "لإعادة النظر فيه"،
ما ينبغي علينا إدراكه أنّ مجلس الأمن هو مجرد "أداة" بيد الولايات المتّحدة، ولا تصنع قراراته السياسات الواقعية أو تشكّل غطاء شرعيا لها، إلّا عند تساوقها وتوافقها مع سياسات الولايات المتحدة الواقعية.. وقد تكون قراراته شكلية "ملغومة" حتى عندما تعمل واشنطن على تدبيجها و تبنيها !
هي حكاية القرار ٢٢٥٤ نفسه، وقد تمّ تدبيجه من قبل واشنطن في " مجموعة العمل الدولية" ، وأُصدر قراره في ديسمبر بموافقة ال ١٥.. ولم ينفّذ منه حرفا واحدا... لأنّ جهود وسياسات ومصالح واشنطن الواقعية كانت في اتجاه متناقض - قيادة حروب تقاسم سوريا، وفقا لرؤية مركز "RAND" التابع للبنتاغون .
-----------------------------------------------

#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات