أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ناجي - جريمة كل الجرائم














المزيد.....


جريمة كل الجرائم


محمد ناجي
(Muhammed Naji)


الحوار المتمدن-العدد: 7834 - 2023 / 12 / 23 - 18:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة : محمد ناجي

لم يكن هناك أي شخص آخر يتمتع بأهمية بالنسبة لـ(اتفاقية الإبادة الجماعية) مثل المحامي (رافائيل ليمكين) . هذا ما تحدثت به وكتبته السويدية (إليزابيث أسبرينك) عن الرجل الذي أعطى جريمة الإبادة الجماعية اسماً .

كيف يكون قتل شخص واحد جريمة بينما قتل الكثيرين ليس كذلك ؟

يبدو وكأنه سؤال طفل - وهذا صحيح ، كان الطفل صبياً اسمه (رافائيل ليمكين) ! نشأ في مزرعة بولندية بالقرب من الحدود مع بيلاروسيا وأصبح محامياً . أصبحت السويدية إحدى اللغات الاثنتي عشرة التي تكلم بها . هل سمعت عنه ؟ لا . أعتقد ذلك .

لقد طرح رافائيل ليمكين مرّة هذا السؤال ، ثم لم يفارقه أبداً ، بل لازمه طيلة حياته حتى أصيب بنوبة قلبية ومات ، منهكاً وفقيراً ، في محطة للحافلات في نيويورك ، عن عمر يناهز 59 عاماً . لكنه أنجز قبل ذلك شيئاً لم يفعله أي شخص آخر قبله ، لقد صاغ جريمة لم تكن موجودة من قبل ، وأعطى للجريمة اسماً ، وجعل الأمم المتحدة تتبنى اتفاقية تمنع دول العالم من السماح بارتكاب جريمة : الإبادة الجماعية .

هل كان رافائيل ليمكين يعلم أنه يجب علينا أن نتذكره ؟ هل كان رافائيل ليمكين يعلم أنه سيُنسى ؟

ذكريات طفولته تفوح منها رائحة الغابة والخيول المتعرقة والعشب المقصوص حديثاً ، فقبل مائة عام ، لم يكن مسموحاً لليهود البولنديين بامتلاك الأراضي أو العمل كمزارعين ، لكن عائلته كانت توفر كل شهر ما يكفي من المال لرشوة رئيس الشرطة للسماح لهم بالعمل في مزرعتهم .

احتضن الطفل رافائيل أشجار البتولا ، وركب الخيول بدون سرج ، وشعر بارتباط عميق بجميع الكائنات الحية . هذا الشعور الذي تعجز الكلمات عن وصفه رافقه في اللغة والتفكير والقانون . أعطته والدته كتباً ليقرأها في وقت مبكر ، وكان أحدها يدور حول كيف قتل الإمبراطور الروماني نيرون المسيحيين الأوائل . شعر رافائيل ليمكين بالغضب ، فلم تكن جريمتهم أكثر من إيمانهم وانتمائهم الجماعي . منذ ذلك الحين شعر بأهمية حماية الأبرياء ، كما كتب في سيرته الذاتية .

عندما كان في العشرين من عمره طالبا يدرس الحقوق في برلين ، تأثر بشدة بمحاكمة شاب متهم بقتل (طلعت بك) . كان ذلك الشاب قد فقد عائلته في جريمة القتل الجماعي للشعب الأرمني على يد الأتراك ، وأطلق النار على السياسي الذي كان يقف وراء الجريمة . وبينما أدين الشاب بقتل (طلعت بك) - شخصاً واحداً - فإن (طلعت بك) نفسه لم يُحاكم قط بتهمة قتل 1.3 مليون شخص . بالنسبة لرافائيل ليمكين ، أكدت المحاكمة مدى عدم المعقولية وغير الأخلاقية أن يمر قتل العديد من الأفراد دون عقاب بينما يعاقب من قتل شخص واحد .

عندما احتل النازيون بولندا عام 1939 ، كان رافائيل ليمكين محامياً ناجحاً في وارسو ، ولكن بسبب يهوديته اضطر إلى الفرار ، وكان عليه أن يتنكر ويكذب ويتنقل ويجوع ويختبئ . في النهاية ، ساعده أحد معارفه ، هو وزير العدل السويدي السابق كارل شليتر ، الذي دعا ليمكين إلى ستوكهولم ، حيث تعلم اللغة السويدية بسرعة وألقى محاضرات في القانون في جامعة ستوكهولم . كما قرأ كل ما يتعلق بالاضطهاد النازي لليهود ، وفكر في الجريمة التي تعرض لها الأرمن ، وقرر مع نفسه أن يحدد تسميتها . بعد بضع سنوات في ستوكهولم ، انتقل رافائيل ليمكين إلى الولايات المتحدة . لقد قام الآن بتعريف الجريمة ووصفها بالإبادة الجماعية ، وبدأ العمل على الاعتراف بها من قبل دول العالم .

بعد الحرب ، علم بما حدث لعائلته في القرية البولندية الصغيرة . وحدته في العالم ، ومعرفته المؤلمة بأن والدته وأبيه وجزء كبير من عائلته قُتلوا في تريبلينكا ، تجمعت لديه في قوة دافعة واحدة نحو : وقف الشر في العالم . لذلك استقال من عمله في واشنطن وانتقل إلى مسكن قذر في شارع 102 في مانهاتن .

كانت الأمم المتحدة مؤسسة جديدة ، وتمكن ليمكين من شق طريقه داخلها . بمفرده ، بدأ في التفاعل مع كل شخص يلتقي به ويعتقد أن بإمكانه ممارسة أي تأثير على هذه المسألة . كان يتواصل مع دولة تلو الأخرى ، ويبحث عن مراسل تلو الآخر . وسرعان ما بدأ الصحفيون يبتعدون عنه عندما يرونه في أروقة الأمم المتحدة .

لم يكن غبياً ، لقد فهم أن هَوَسه كان يزعج النظام العام . وأخيرا قدم نفسه بالكلمات : "هنا طاعون ليمكين".

لكنه تلقى الدعم ، وخاصة من منظمات السلام النسائية التي دعمته في النضال من أجل الاعتراف بالجريمة . وفي النهاية ، تم تكليفه من قبل الأمم المتحدة بصياغة مسودة اتفاقية . وفي عام 1948 ، تم التوصل إلى اتفاقية الإبادة الجماعية . وقد أصبحت الجريمة الآن معترف بها دوليا ، ووقعت عليها غالبية دول العالم ووعدت بمنع حدوثها . النصر كلمة ، اليأس والوحدة والفقر هي الآخرى كلمات صحيحة ، على قدم المساواة .

رافائيل ليمكين أشار إلى أنه من السهل تنفيذ الإبادة الجماعية ، لأن لا أحد يريد أن يصدق أن ذلك يمكن أن يحدث ، إلا بعد فوات الأوان . لكنه كان يعلم أن الإبادة الجماعية قد حدثت ، ولهذا السبب على وجه التحديد يمكن أن تحدث مرة أخرى . تسمى الإبادة الجماعية اليوم بـجريمة كل الجرائم ، وأعظمها على الإطلاق . حين جلس ليمكين في غرفته القذرة في مانهاتن لتقديم ملف اتفاقية الإبادة الجماعية ، لم يكن لديه أي فكرة أنه سيتم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام ست مرات لكنه لم يحصل عليها أبداً . ولم يكن لديه أي فكرة أنه سيسقط منهارا في محطة للحافلات ، مريضاً بالإرهاق . حضر سبعة أشخاص جنازته . لا شيء من هذا كان يعلم به ، لكنه كان يعلم أنه إذا تم استخدام الجريمة التي خلقها - وهي إن قتل العديد من الأشخاص صادماً بنفس القوة حين يُقتل شخص واحد - فإن العالم سيكون مكاناً أفضل . وقّع ليمكين سيرته الذاتية بحزن : "فوق كل شيء تحلّق روح جميلة تحب الإنسانية ولذلك فهي وحيدة" .

الكاتبة : إليزابيث أسبرينك



#محمد_ناجي (هاشتاغ)       Muhammed_Naji#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة مع العوار ... كلب ابن الكلب !
- -سنكون معا حتى القبر-
- وقفة مع العوار … السقوط المدوّي !
- سامعين الصوت... !
- إمبريالية بوتين -المناهضة للاستعمار- تتماشى مع التاريخ الاست ...
- توقع فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإيطالية
- - رجال أقوياء : من موسوليني حتى الوقت الحاضر-
- وقفة مع العوار ... 14 تموز الباب المشرعة للعنف والدكتاتورية ...
- موقف حزب اليسار السويدي من عضوية الناتو
- انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو سيغير البنية الأمنية لشمال ...
- العضوية في الناتو لن تجعل السويد أو العالم أكثر أمنا
- عودة الفرع للأصل ... قضي الأمر الذي فيه تستفتيان !
- مقترحات أوكرانيا في مفاوضات اسطنبول
- لا للحرب … *
- (عقلية خندق العشيرة) … وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر !
- بيان الاشتراكي الروسي أليكسي سخنين وجبهة اليسار الروسي يدين ...
- آنا ستاروبينيتس : بهذا النص أحرق الجسور إلى وطني
- كذبة (إسقاط النازية في أوكرانيا) كمبرر للحرب !
- وقفة مع العوار ... خرق الدستور بالعُرف المقدس !
- تمنيات بالعام الجديد 2022


المزيد.....




- إيلون ماسك يعلن تعرض منصة إكس لهجوم سيبراني ويلمح إلى وقوف د ...
- الرئيس الفرنسي يدعم مولدافيا في وجه -التدخل الروسي- وينبه أو ...
- فضيحة جديدة تلاحق السياسي المصري أيمن نور
- تاكر كارلسون: الولايات المتحدة دمرت أوكرانيا بسبب الرغبة في ...
- الأمن السوري يجلي المدنيين من القرداحة إلى مناطق آمنة (فيديو ...
- صفارات الإنذار وانفجارات في مختلف أنحاء أوكرانيا
- نائب أوروبي: ماكرون يعتقد أنه نابليون بونابرت ويقود العالم إ ...
- من هو الملياردير -رجل ترامب- الذي سيدير غزة في اليوم التالي ...
- خروج غريب لرئيس الوزراء الكندي ترودو من البرلمان (صورة)
- ما أبرز الصور والمقاطع المضللة التي رافقت أحداث الساحل السور ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ناجي - جريمة كل الجرائم