أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري ( 9 )















المزيد.....


الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري ( 9 )


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 7711 - 2023 / 8 / 22 - 11:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الجنوب ( 9 )
الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري
الجزء الثالث من : الجنوب والدولة القومية
( آ)
تشير معتقدات السومريين الشائعة في كتاباتهم الشعرية والخرافية ومنها اسطورة : " هبوط انانا الى العالم السفلي " الى ايمان السومريون بوجود آلهة كلية القدرة : ذات قدرات سحرية عجيبة ، مثل قدرة اعادة الحياة الى الموتى : وهذا ما فعلته الإلهة " انانا" في الاسطورة المسماة باسمها ، وبعثت حبيبها " تموزي " حياً . كما وتشير قصائد الزواج المقدس التي اعاد كتابتها شعراء اليهود بطريقة لا تقل روعة عن روعة صياغة الشاعر السومري : في سِفْر نشيد الانشاد التوراتي ، وهي اقدم قصائد الغزل في التاريخ : ( كما يقول العالم صومائيل نوح كريمر في كتابه : عن السومريين أو في كتابه : الواح سومر ) الى الاتحاد بين الزوجين عبر تبادل قواهما وحلولهما كلٌ في الآخر . حلول قوة الاله في قوة الزوجة الإلهة الذي يؤدي الى انبعاث الخصب في الطبيعة . لكن هذه القدرة في الحلول تتطلب من الآلهة الانتقال الى مكان الفعل : وفي هذا يختلف اللاهوت السومري عن اللاهوت الديني اللاحق الذي يتحدث عن قدرة الآلهة التي يجسدها فعل الكلمة : كن ، من غير حاجة الخالق الى الانتقال الى مكان الفعل . ان قوة آلهة سومر وقدراتهم : تنتقل مع الآلهة حيث ينتقلون . ولا توجد قوّة اخرى مسيطرة في السماء والارض غير قوتهم : كما قننت ذلك ملحمة الخلق : ولا يمكن لأي قوة ان توجد وتتخلق على ارض المدينة : بمعزل عن قوة الاله الحامي للمدينة . فلا بد لقوته من التسرب اليها . وقد تسربت قوة الاله حامي المدينة : الى مؤسسات الدولة العسكرية والامنية اثناء تطبيق شريعته التي اوحى بها الى ملك المدينة . وتسربت الى جيوش المدينة في حروبها الخارجية لحماية اراضي المدينة المشاع من اطماع دويلات المدن المجاورة . وما التكتيكات والمناورات التي استخدمتها الجيوش في المعارك وقادتها الى النصر : الّا افكاراً اوحى بها الاله الى الملك : نائبه في الارض وقائد جيوشه . فما قامت به هذه الجيوش من حركات في حالتي الهجوم والدفاع : كانت تنفيذاً لاوامر اله المدينة ، وليست تنفيذاً لاوامر الملك ، وقد اثنى القرآن على هذا المعنى بالقول في الآية : 17 من سورة الانفال : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميتَ اذ رميت ولكن الله رمى ) . وهذا ما جعل الملك يتمتع على مدى آلاف السنوات وحتى نهاية العصور الوسطى : بمزيّة انه غير مسؤول عن افعاله وقراراته واوامره ، وانه لا يخطأ ، وان ذاته المقدسة فوق النقد . لقد منح اللاهوت السومري الملك : ما سيسميه تاريخ اوربا في عصور الكنيسة الكاثوليكية " حقوق الملوك الالهية " ، وتقابلها في التاريخ الاسلامي : حق الخليفة على رعيته المُسمى " طاعة أُولي الامر " في الفقه الاسلامي ، و حقه في ان يجعل الحكم وراثياً عندما يتغلب بالسيف على اعدائه : في خاتمة حرب اهلية دموية . لأن الله هو الذي تدخل في تعيين الخليفة ، كما قررت ذاك فتاوى الفقهاء بمختلف مللهم ونحلهم ومذاهبهم : ( الخلافة قميص قمصنيه الله = البسني اياه الله . عثمان بن عفان ) …
( ب )
لقد حجبت دولة المدينة السومرية اوامر الملك وقراراته وراء حجاب سميك من السرية ، وصنع له الشعراء - الكهان في ما كتبوه من ملاحم واساطير : قناعاً دينياً لاخفاء عملية تحويل الملكيات الشاسعة : من اراضٍ مشاعية الى ملكيات خاصة لهم وللملك ، ولكي تنطلي الحيلة على الناس : سجلوها في سجلات المعابد الرسمية على الرُقُم الطينية باسم المعبد ( بيت الله ) ، ولكنهم كانوا هم المتصرفين الفعليين بها . فدولة - المدينة السومرية تشكلت بقناع ديني لاخفاء مصالح الفئات الحاكمة ، واخفاء العنف البشري الذي تمارسه تحت غطاء من " اوامر الاله " ، لحمل الجموع الغفيرة على العمل لصالح الكهنة والملك وجنرالات الجيش . وحين ننزع القناع الديني عن كل ما ادعت دويلة المدينة السومرية انها ؛ " اوامر الاله حامي المدينة الواجبة التنفيذ " ، تتكشف الدولة عن بنية من المؤسسات العسكرية والامنية ؛ انتجتها حاجة الملك وحاجة كهنته ( وهم اوائل الاقطاع في التاريخ الى جانب قوّاد الجيش ) لقهر الناس ، وحملهم على الايمان بان ارض المشاع هي : ارض الله ، وان واجبهم الديني يفرض عليهم : تجفيفها واصلاحها وزراعتها وحملها الى مخازن حبوبه ...
( ج )
فدولة المدينة السومرية في بنيتها النهائية : استراتيجية عنف منظم ابتدعتها اقلية طبقية لا تقل عبقريتها في ميدان السياسة وقيادة القطيع : عن عبقريات مكتشفي الزراعة والكتابة ، ومنتجي الحرف اليدوية : كالفأس والعجلة والمنجل والمسحاة ، وترويض الثيران والحمير على جر المحراث ، وتدريب الجسد البشري على اكتساب مهارات القتال ، واستخدام الرماح والسيوف وكل ما له علاقة بالقتل عن بُعْد . وقد اثبتت الاحداث بان عنف الدولة السومرية قد قلّ الى حد كبير : حين انطلت على العوام ( القطيع البشري ) الخدعة ، وآمنوا ؛ بان السهول الشاسعة خلقها الله الذي يريد من البشر الصالحين اصلاحها ( اعمار الارض ) وتلك كانت اكبر خدعة سياسية تعرض لها عوام الناس : اذ انصاعوا الى العمل في اصلاح الاراضي الشاسعة وزراعتها ، وهم يعتقدون بانهم ينفذون ارادة اله المدينة ، وليس ارادة الملك والكهنة . لقد انطلت عليهم لعبة الملاحم والاساطير : على انها كتبهم الدينية المقدسة ، كما ستنطلي على اليهود لاحقاً القصص الدينية التي روتها التوراة على انها منزلة من الاله : يهوه ، وليست منقولة عن خرافات وملاحم واساطير الديانة السومرية وقصائد شعراؤها العظام ، وهكذا سقط الناس - مع نشوء الدولة - في عمى الوان سياسي ، ولم يعودوا يميزون بين الحاكم الفعلي الذي هو الملك - الكاهن ، وبين الحاكم المجازي ( اله المدينة ) الذي اخترعه خيال الكهان وموهبة الشعراء : لتبرير دموية الملك في حروبه الداخلية والخارجية من اجل الاستيلاء على الارض …
( د )
ورد وصف قوة الاله في ملحمة الخلْق اثناء قيام الاله مردوخ بسلسلة من الافعال الاعجازية لدحر اعدائه : قوة قادرة على الابداع والخلق والايجاد ، وقد خاضت هذه القدرة حروباً قضى فيها مردوخ على الشر وعناصر الفوضى فاستقر النظام . فالنظام الكوني لم يكن ليولد لولا ما قام به الاله : مردوخ من معجزات ، هزم بها : عناصر الفوضى والشر وفرض عليها طاعة النظام . فهدف الاله الكبير : يتمثل بالوصول الى النظام ، لكن النظام لا يستتب كما اوحت بذلك : ملحمة الخلق : من غير طاعة ما قرره كبير الآلهة : مردوخ من نظام . فالنظام في الدين السومري هو الطاعة : والطاعة هي النظام الذي فرضه الاله مردوخ بالقوة في الكون ، وفرضه الملك حمورابي بالقوة علًى الارض عبر تطبيق الشريعة . ان الطاعة في الديانة الرافيدينية القديمة : هي العلاقة الصحيحة الوحيدة التي تربط السماء بالارض ، وتربط بين الشعب والملك ، وهي جوهر الكون الحقيقي ، لانها ضرورية لديمومة النظام : الذي سيزول من الكون والحياة بزوال طاعة الاله في السماء ، وطاعة الملك نائبه في الارض ...
( هـ )
يصبح الملك خارق القوة ، ما ان يبدأ بتطبيق الشريعة التي ( اوحى بها الاله مردوخ ) : اذ تنتقل اليه صفات الاله الخارقة اثناء تطبيق الشريعة : حين تقوم مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية بتنفيذ اوامره وقراراته ، فيكون انتقال القوة وتسربها من الاله الى الملك هو " المسكوت عنه " أَو " غير المصرح به " في تجربة بناء دولة المدينة السومرية : اذ ما زالت دولة المدينة السومرية التي وجدت مع فجر السلالات قبل آلاف السنين ، وما زالت نسخها الارضية التي تتولد من بعضها البعض البعض في الشرق الاوسط : تحكم باسم الاله : فواجهة الدولة مطرزة بشعارات : دولة الله ، شريعة الله ، كتائب الله ، احباب الله ، احزاب الله .. وعملياً تشير هذه الشعارات الى القوى الحقيقية على الارض وداخل الدولة ( الدولة العميقة ) التي تقاسمت ملكية الارض المشاع : وظلت هذه القوى هي المدافعة الفعلية عن قوانين الشريعة لانها منحت شرعية سماوية لملكيتهم للارض ولما تحوي باطن الارض من خيّرات …
( و )
وبهذا الانتقال حلَّ اللاهوت في الناسوت على عكس نظرية التصوف او العرفان او الغنوص التي يسعى فيها الكائن البشري للحلول باللاهوت بعد مقامات واحوال ومكابدات متعددة . وشريعة حمورابي الشهيرة تتصدرها صورة : يتسلم فيها الملك حمورابي الشرائع من الاله : مردوخ ، كبير آلهة ملحمة الخلق البابلية . وهي صورة او نحت ذو دلالة عظيمة على حلول اللاهوت في الناسوت وتحول قدرات الملك : من قدرات بشرية متواضعة الى قدرات الهية خارقة : وكان الملك الفرنسي ينطلق من هذا المعنى ( الحق ) حين صرخ : " انا الدولة " ، لقد كان يشعر بانه يمتلك حقوقاً مقدسة . وصلاحيات مطلقة ، وان لا حق لاحد في مشاركته بالقرار . لقد اصبحت صيحة الملك ( انا الدولة ) : منظومة فكرية تتفرع منها وتدور حولها ؛ جميع المفاهيم السياسية لدولة الحضارة الزراعية ، لا فرق في ذلك بين شرق وغرب ، لقد اصبح الملك جزءً من ادارة حياة الناس لا يمكن فصله او ابعاده عنها : لأن الاغلبية من الناس تنظر الى الحياة بدون الملك وصلاحياته المطلقة : حياة غير شرعية ، مزيفة من غير ملك : ممثل الاله في الارض وصلاحياته المطلقة : لا يحق لاحد الاعتراض عليه او حتى توجيه السؤال اليه . ستطيح مفاهيم الحضارة الصناعية الجديدة بجميع مفاهيم الحضارة الزراعية السياسية : فان لم تقم بثورة عنيفة وتعدمه على الطريقة الفرنسية ، وتغير النظام السياسي الى جمهوري ، فانها ستجرده من جميع صلاحياته التي كان يقول بانها سماوية ، وتحوله الى رمز ، مجرد رمز ، وتمنحه زاوية في متحف التاريخ : يستطيع ان يثبت بها انه ما زال مستمراً في الوجود ، ولكن ليس في ادارة الشؤون العامة واتخاذ قرار توجيهها …



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اركض بلا تعب في برية افكاري
- الجنوب واله المدينة والشريعة ( 8 )
- الجنوب والدولة القومية ( 7 )
- لقد امر السلطان العثماني : اردوغان بهذا ، فماذا انتم فاعلون
- الجنوب ( 6 ) / الجنوب ومفهوم الدولة الحديثة
- الجنوب / 5 ، الجنوب والفعل الحضاري
- الجنوب ( 4 ) الجنوب والسوق - الى حقي الرفاعي
- الجنوب / 3 : السوق والهويات
- الجنوب ( 2 ) الى : حقي الرفاعي
- الجنوب ( 1 ) الى الصديق حقي الرفاعي
- هل يوجد مجتمع سياسي حديث في العراق ؟ الجزء الرابع
- سلم رواتب شعبين لا شعب واحد
- اوهام الاغلبية ، الجزء الثالث من مقالنا عن : قيادة مقتدى الص ...
- الجزء الثاني من : في قيادة مقتدى الصدر
- عن تجربة مقتدى الصدر في القيادة
- قوات العم السريع السودانية والحشد الشعبي العراقي
- في سياسة رئيس مجلس الوزراء العراقي
- عيد العمال العالمي
- واهداني الكاتب احمد الفارابي هدية العيد
- هل كانت امريكا هي التي تثير التناقضات الطائفية بين السعودية ...


المزيد.....




- تبون يعتذر عن المشاركة في قمة القاهرة بشأن غزة
- شروط دمشق الجديدة.. هل تغير مستقبل الوجود العسكري الروسي في ...
- للعام السادس على التوالي.. مطبخ خيري في صنعاء يطعم الصائمين ...
- الشرع يشكل لجنة لصياغة إعلان دستوري للمرحلة الانتقالية
- الجيش الروسي يدمر محطة -ستارلينك- في خاركوف (فيديو)
- والتز: نحن لسنا نرى أوكرانيا عضوا في حلف -الناتو-
- مصر تطلب دعما -غير نقدي- من الاتحاد الأوروبي
- إصابة 3 أشخاص في إطلاق نار بمركز تسوق في ضواحي موسكو (فيديو) ...
- وزير سعودي يكشف رأيه بما يمسى -الديانة الإبراهيمية- (فيديو) ...
- روبيو: لقد تم إخطار الأوكرانيين مرارا بضرورة إحلال السلام أو ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري ( 9 )