|
سؤالٌ مُفخَّخ … في امتحان!
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 7499 - 2023 / 1 / 22 - 12:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
fatma_naoot@hotmail.com
أولا: التعبير:- “اكتُبْ برقيةً إلى عمِّك تُهنئه بسلامة الوصول من أداء فريضة الحج.” “إجباري". ورد هذا السؤالُ في امتحان الفصل الدراسي الأول للصف السادس الابتدائي لعام 2022/2023. وضجّت صفحاتُ فيس بوك استنكارًا لهذا السؤال الطائفي الذي لم يراعِ وجود تلاميذ مسيحيين من بين الممتحنين. والحقيقة أن السؤال في تقديري ينطوي على حزمة من الإشكاليات و"الفِخاخ" غير التربوية يجب التوقّف عندها. وعزاؤنا أن مثل تلك اللمحات الطائفية في منظومة التعليم، هي آخر بقايا التعليم القديم التي سوف تختفي بإذن الله مع دخول أبنائنا العام القادم الصفَّ السادس الابتدائي في مناهج التعليم الجديدة الجميلة المثقفة، التي بدأت منذ خمس سنوات في جمهوريتا الجديدة، والتي وضع ملامحها د. "طارق شوقي" وزير التعليم السابق، ويحمل مِشعلها الآن د. “رضا حجازي" وزير التعليم الحالي. من بين تلك الإشكاليات والفخاخ التي توقّفتُ عندها في السؤال السابق، ما يلي: ١ إشكاليةٌ طائفية. إذ أن واضعَ السؤال لم يحترم مبدأ "التعددية"، وأهدر مبدأ "المواطَنة" الذي هو نهج "الجمهورية الجديدة" والدولة المدنية التي تظلّلنا اليوم دون تمييز. إذ تغافل واضعُ السؤال عن وجود طلاب مسيحيين من بين الممتحنين. ورغم أنه امتحان "مادة لغة عربية"، وليس مادة دين أو مقارنة أديان، إلا أن واضعَ الامتحان وضع سؤالا من شأنه أن يؤجج "المُختلفات" بين العقائد، بدلا من أن يُكرّس "المشتركات" بين الأديان وهي كثيرة وغنيّة، وهذا ما يجب أن نؤكد عليه: "أن ما يجمعنا أكثرُ وأغنى مما يفرقنا”. وفضح هذا التوجّهَ إصرارُه أن يجعل هذا السؤال "إجباريًّا" وليس اختياريًّا. وكان بوسع السؤال أن يطلب من الطالب كتابة برقية تهنئة بفوز العمّ بجائزة الدولة في العلوم أو الآداب، أو لاكتشافه دواءً جديدًا لمرض عضال، أو ابتكاره اختراعًا يفيد البشرية، أو رجوعه سالمًا إلى أرض الوطن بعد معركة شريفة من أجل الوطن، أو مئات الموضوعات الأُخر المُستلَّة من نسيج مِظلّة الإنسانية الواسعة، بعيدًا عن العنصريات الضيقة التي تثيرُ المرارةَ في النفس والشعور بالتمييز والفرز الطائفي. ٢ إشكالية تمييزية. واضعُ هذا السؤال الطائفي يمنح الطالبَ المسلمَ درجاتٍ مسبقًا لن ينالها زميلُه الطالبُ المسيحيُّ. فالطالبُ المسلمُ سيكون قادرًا على التعبير على نحو أبلغ وأجمل وأكمل من الطالب المسيحي؛ لأن حصيلته المعرفية من واقع الخبرة والمشاهدات تتيح له الدراية بطقوس الحجّ إلى بيت الله الحرام وأدبيات الاحتفال به، على عكس زميله المسيحيّ الذي سوف يكتب من خلال القليل مما يتسقّط في ذاكرته من خبرات الجيران والأفلام، فتكون قدرته التعبيرية ضعيفة وغير واقعية ومجرد حشو لغوي ركيك. ٣ إشكالية تفخيخية. لأن الطالبَ المسيحيَّ من السهل أن يصوغَ كلماتِه من لدن معجمه الفطري اليومي المعتاد عليه مثل: (مبروك نعمة الرب عليك. أو حمدًا للرب على سلامة الوصول ... الخ)، وبالتأكيد قد ينسى كتابة "عليه الصلاة والسلام " بعد كلمة "النبي" كما اعتدنا نحن المسلمين أن نفعل؛ فيقعُ في المحظور وتثور حفيظةُ المصحح (الذي قد لا يقلُّ طائفية وتعصبًا عن واضع الامتحان)، وقد يعاقبه بالرسوب أو بحذف درجات قد استحقها في مجمل الامتحان. ٤ إشكالية أخلاقية. فالسيدُ واضعُ هذا السؤال يحضُّ الطالبَ المسيحي على النفاق. فكلما كان الطالبُ المسيحيُّ منافقًا وكتب وأسهب وجامل وداهن فيما لا يعرف ولا يعتقد، زادت حصيلتُه من الدرجات. ولو افترضنا أن طالبًا مسيحيًّا صادقًا أمينًا قد كتب: "إن عمي مسيحييٌّ، فكيف له أن يؤدي فريضة الحج إلى الحجاز؟!"، ألن يرسُبَ هذا الطالبُ عقابًا على صدقه وعدم نفاقه؟! ٥ إشكالية تكسير الإبداع. لو افترضنا أن طالبًا مسيحيًّا موهوبًا قد فكّر "خارج الصندوق" وسمح لخياله بالجموح و"ركب حصان خياله"، كما كتب عمّنا الشاعر الكبير "سيد حجاب" في أغنيته الجميلة التي غنّاها الفنان "محمود عبد العزيز" في فيلم "الكيت كات" للمخرج العبقري "داود عبد السيد" عن قصة "مالك الحزين" للعظيم "إبراهيم أصلان"، فكتب هذا الطالبُ ذو الخيال الجامح موضوع التعبير عن عمه "بطرس" الذي عاد من أداء الحج إلى "كنيسة القيامة" في "القدس الشريف"؛ مُستغلا أن السؤال لم يحدد مكان الحج، بل كتب "فريضة الحج" دون تخصيص. تُرى ما موقف هذا الطالب المبدع من الدرجات والتصحيح؟ بل ما موقفه أصلا من النجاح والرسوب؟! أترك لكم تخيّل مصير إبداع هذا الطالب الذكي؟! يا دولة المواطنة، يا دستور بلادنا، يا وزير التعليم، يا الله العادل العدلُ، نلوذ بكم من فِخاخِ الأسئلة. “الدينُ لله، والوطنُ لمَن يحبَون الوطنَ، ويجمعون ولا يفرّقون.” ***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع عمر… أعيشُ طفولتي!
-
مَحو الأميّة المصرية في الجمهورية الجديدة
-
كلّنا واحد
-
نوال مصطفى… وسامُ الإنسانية من البحرين
-
حبيبتي 2022… رغم عذاباتكِ... أشكرك!
-
معلّمو الرهافة … المتوحّدون
-
إيه فيه أمل! عن الطفل شنودة
-
حينما الموسيقى … صوتُ السماء!
-
دولةُ الأوبرا تحتضنُ مليكتَها
-
اتهامات مفيد فوزي ... وهداياه
-
ذوو الهِمَم … أبناءُ الحياة
-
ياسين بيشوي … والأخلاقُ في اليابان
-
أخبرني الخيميائيُّ: عن طيف التوحُّد Autism
-
سرُّ إشراق السير مجدي يعقوب: PPHH
-
عيد ميلاد الرئيس … محرابٌ ومذبح
-
التنمُّرُ ... قاتلُ المستقبل
-
تجمَّلْ بالأخلاق
-
طنطا … تصدحُ شِعرًا … وتشدو مددًا
-
مصرُ الراهنةُ ... في عيون الأشقاء
-
ماذا صرتَ اليومَ يا جوناثان؟
المزيد.....
-
إسرائيل تحدد شروط دخول الفلسطينيين للصلاة في المسجد الأقصى خ
...
-
إسرائيل تحدد شروط دخول الفلسطينيين للصلاة في المسجد الأقصى خ
...
-
حرس الثورة: المقاومة تتجه للقضاء على غاصبي القدس وتحرير الدي
...
-
شيخ الأزهر يعلق على الحالة الصحية لبابا الفاتيكان
-
فوز التحالف المسيحي المحافظ في الانتخابات الألمانية، وفق تق
...
-
الفاتيكان: البابا فرانسيس لا يزال في حالة حرجة جدا
-
بيان: بابا الفاتيكان مرهق جدا ويعاني من بداية فشل كلوي
-
نتنياهو يحذر دمشق: على الإدارة الجديدة سحب قواتها من جنوب سو
...
-
يهود ألمانيا يعربون عن صدمتهم حيال النجاح الذي حققه -البديل-
...
-
الشعوب الإسلامية والعربية تعاهد باستكمال نهج الشهيد نصر الله
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|