أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد كريم الساعدي - التفكيك أو البحث في المختلف














المزيد.....


التفكيك أو البحث في المختلف


محمد كريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 7316 - 2022 / 7 / 21 - 20:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتمركز فلسفة التفكيك في بحثها عن المختلف بين الظاهر والمخفي (الدال والمدلول) كعلامة اسس لها (اللوغوس) في الفكر الغربي ،إذ إنَّ المشتغلين سعوا في آليات التفكيك الى إظهار المخفي والكشف عن النوايا القابعة خلف المتمظهر الذي سوق الى الذهنيات البشرية بوصفه من المسلمات التي تحمل الحلول والعوامل السليمة والبدائل المناسبة لإنقاذ إنسان الحضارات الأخرى ، لذلك عمل فيلسوف التفكيك الفرنسي (جاك دريدا) في الخفر داخل الخطاب الغربي لكون هذا الخطاب الذي دعا الى فكرة التفوق وأسس لها في فكره المتعالي ، إذ عمل (دريدا) على اظهار المتناقض المتغلغل داخل هذا الفكر الذي يحمل دلالات متناقضة مع ظاهره المادي ، وهذا الفعل المختلف يؤيد ما قام به الفيلسوف الالماني ( مارتن هيدغر) في تقويضه لمفاهيم العقل والفكر المثالي الغربي ، والتي دعا فيها (هيدغر) الى رفع تلال اللغو التاريخية الكثيفة والتنقيب عن محجر الوجود المصيري أو أصل الأصول ، فهو يعمل على أزاحة تاريخ الميتافيزيقا لوصل المصير بفجر الضمير .أما تفكيك (دريدا) فهو يبغي تحطيم الفكر الغربي والإبقاء على انقاضه ،لأنَّه يكمل النقيض الذي يعرف البديل ، كما فعل الفيلسوف الفرنسي (ميشيل فوكو) في بحثه في الخطاب الغربي أيضاً من خلال ما اسماه (حفريات المعرفة) وكل هؤلاء الفلاسفة ومن حذا حذوهم بحثوا في الارث الميتافيزيقي والمثالي (للوغوس) الغربي ، على الرغم من اختلاف المفاهيم لكن الهدف واحد ، فـ(هيدغر) في تقويضه ، و(دريدا) في تفكيكه ، و(فوكو) في حفرياته ، كانت تصب في نقد هذا الفكر والكشف عن الاختلاف بين الدوال والمدلولات ، من أجل بناء أسس جديدة للعلامة تختلف في الفهم والتعامل مع دلالاته.
في هذا المجال نركز على مفهوم واحد من هذه المفاهيم الثلاثة وهو (التفكيك) ، الذي يسعى من خلاله (دريدا) لتفكيك الدلالات التاريخية والفلسفية والأخلاقية التي جعلت من البناء الفكري والمعرفي الغربي يصل الى ما وصل اليه من هيمنة معلنة في الساحة الثقافية العالمية ، فالبحث في التاريخ والفلسفة والفكر جاء من أجل جمع أكبر تراث معرفي، ومحاولة تفكيكه للخروج بآليات تظهر آلية الكشف السليمة وتدعمها بحجج ،واستدلالات منطقية في هذا الجانب ،وكيفية البناء والتأسيس المعرفي لهذه الحضارة المترامية الاطراف ،وما انتجته من دلالات أخلاقية مختلفة كلياً عن الآخر ،وكذلك عن الأهداف المعلنة لهذه الحضارة ، لذلك عمل (دريدا) على إيجاد فكر جديد في التعامل يقوم على تفكيك أهم مسلَمات الحضارة الغربية ، من خلال القراءات التفكيكية للنصوص (أفلاطون) و(روسو) و(هيغل) و(هوسرل) و(سوسور) و(فرويد) و(مارسيل موس) وغيرهم . كما أنه لا يترك مجالاً معرفياً أو فنياً إلا ويحاول أن يبث فيه روح التناقض بين المقدمات والنتائج أو بين المصدر المفترض والفروع المنبثقة منه.
إنَّ مشروع (دريدا) التفكيكي قام على مفهوم الكتابة التي أعدها هي المركز وليس الكلام أو القول الذي ينسبه الى الميتافيزيقيا ، وهنا أراد الانتقال من التمركز حول (اللوغوس) الغربي، ونواياه غير المعلنة الى الكتابة التي عدها ثابتة ، وهو يعتقد بأن الكتابة هي ليست فقط ما يدون على الورق أو ما ينتج من فكر في داخل المؤلفات ، بل يعتقد أن كل عمل إبداعي ،هو كتابة مثل الأدب والفن الذي يضم أصنافاً مختلفةً من الأجناس الأدبية وغيرها مثل فنون الأداء ، أي أن (دريدا) حاول أن يعطي تعريفاً جديداً للكتابة قائلا : إنها النقش(In-script-ion ) عموماً، سواء كان ذلك حرفيا ام غير حرفي حتى وأن كان ما تم توزيعه في الفراغ غريبا عن نظام الصوت ، بهذا المعنى يمكن ان نعد التصوير السينمائي والرقص والبالية والموسيقى والنحت وجميعها كتابة.
إنَّ مرتكزات التفكيك عند (دريدا) تقوم على ثلاثة مفاهيم ، هي الأساس في تقويض المعنى الكامن خلف (اللوغوس) وميتافيزيقيته ، وهذه المفاهيم هي :
1. الاختلاف : وهو ما يشير الى فعلين هما: (ان يختلف)،أي غير متشابهة ،و(أن يرجئ) ويؤجل . وفي سياق هذين الفعلين تكون للعلامة سياق جديد تعمل عليه ، أي تكون وظيفتها مزدوجة بين الفعلين ، وليس بين الدال والمدلول ، بل من خلال الأختلاف والتأجيل .
2. الأثر : أي أن العلامة هي أثر ثقافي ونفسي وروحي ، وليس مادي أو محسوس أو مرئي أو بايلوجي .
3. الكتابة: التي تعني النقش وتعني البنية التي يسكنها الأثر وهي تعمل مع التعبيرات الكتابية وغير الكتابية.
إنَّ هذه المفاهيم الثلاثة التي أراد من خلالها (دريدا) معرفة آليات تفكيك مفاهيم كامنة خلف الإطار المادي ، سعى الى تأكيد مصطلح الاختلاف بين المقدمات والنتائج ، وكذلك بحث الاختلاف بين الدوال والمدلولات من خلال البحث في ماديتها وتعاليمها الكامنة في الفكر الفلسفي والثقافي الذي يشكل النواة الأساسية والمهمة للبناء المعرفي في الفكر الغربي القائم أصلاً على ثنائيات نقضها (دريدا) وأعدها ازدواجيات ، وبما إنَّه ركز على الكتابة في مفهومها الجديد جعل يبحث في داخلها بوصفها نسيج مركب من إشارات وتعبيرات ودلالات متداخلة تستدعي التفكيك والعزل لفحص بنيتها وجذورها المتضاربة فالإزدواجيات : مركز /هامش ، مسيطِر/مسيطَر، مادة/فكر .. هي ثنائيات أسطورية تتجاوز حلقات الاختلاف التي تنقض حلقة التطابق أو التماهي . فبينما كانت حلقة المطابقة تزعم وجود (مركز) (لوغوس ، حضور، نظام ، كوجيتو...) يقصي(الهامش) (الخرافة ، الجنون، اللاشعور، الغياب، التبعثر...) ، فأنه بجعل الهامش(مركزاً) سيرتد المركز الى (هامش) فهو مركز ولا مركز ، لأنه هامش وهو هامش ولا هامش لأنه مركز. وبذلك عمل (دريدا) في تأسيس مفهوم جديد للدلالات لأنها اثرٌ داخل الكتابة ذاتها.



#محمد_كريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرتكزات الفكرية في تأصيل ظاهرة التشويه لشخصية الرسول محمد ...
- الفنان والوعي بالانتماء الجمالي
- جماليات النظام الصارم في نسبه وغائية الجمال الأخلاقي
- ما قبل السقراطية وجمالية التناسب الهارموني ونسبية الوجود الج ...
- الوعي والمعنى وتشكل الموجودات
- الوعي والهوية الجمالية
- الفنان ومخيال المدوّن في التجربة الجمالية الإغريقية
- الفنان والمنطلق الجمالي
- الغائية التاريخية والتمركز حول الذات
- مفهوم الهوية
- الفن وتدوين التاريخ
- الخطابات النقيضة والهيمنة الثقافية
- الوعي والتاريخ والرؤية في المصطلح
- النفايات الرقمية ، هل تحذف من انظمة الشركات الرقمية؟
- معادلة السيد والعبد ، هل تنطبق على واقعنا ؟
- الاتصال الرقمي والفجوات الرقمية
- المسرح وآفاق الاحتجاج
- فيلسوفان غربيان والتصورات الفكرية للآخر
- أرسطو وفلسفة الفعل الدرامي
- التاريخ وإشكالية التجربة المدوّنة


المزيد.....




- روبيو يؤكد لنتنياهو: دعم إسرائيل من أولويات إدارة ترامب
- ترامب يامر بإرسال 1500 عسكري إلى حدود الولايات المتحدة مع ال ...
- تونس.. الكشف عن تفاصيل واقعة إحراق شاب لوالدته في منطقة قليب ...
- ترامب يوقع مرسوما يقضي بتصنيف حركة أنصار الله اليمنية كـ-منظ ...
- مدير الاستخبارات الخارجية الروسية يتوقع ألا يكون عام 2025 ها ...
- فوائد غير متوقعة للتفاح
- الصين والبرازيل تتفقان على تعزيز الحوار بشأن تسوية الأزمة ال ...
- مظاهرة في لوس أنجلوس ضد سياسة ترامب المناهضة للهجرة
- بن غفير: اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس استسلام وإهانة وإذلال ...
- وسائل إعلام: ترامب سيعيد إدراج الحوثيين على قائمة التنظيمات ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد كريم الساعدي - التفكيك أو البحث في المختلف