أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض محتوى العقل لدى أبو بكر الرازي















المزيد.....


نقض محتوى العقل لدى أبو بكر الرازي


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 6915 - 2021 / 6 / 1 - 09:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من يذكر العالم والطبيب والفيلسوف أبو بكر الرازي ، لابد أن يذكر أربعة أمور هي : الأول المناظرة التاريخية الشهيرة التي جرت مابينه ومابين المتكلم الإسماعيلي أبو حاتم الرازي حول هل العقل شرط كاف بذاته وأكيد بقدرته لعدم الحاجة إلى النبوة . والثاني التطابق الكبير مابين إطروحات الفيلسوف الكوردي إبن الراوندي ومابين إطروحات أبو بكر الرازي في نقد وإنتقاد النبوة والدين . والثالث إمكانية العقل في تقرير فهم وإدراك الإنسان لمجمل الإشكاليات التي تحيط به ، إنطولوجية كانت أم حكمية ، وقدرة العقل في حل تلك القضايا التي تحدد مقومات تجربة الإنسان وحياته الجماعية . الرابع لماذا أقر أبو بكر الرازي بوجود إله للكون في حين إنتقد النبوة ، وماهو الفيصل الدقيق في هذه المفارقة ، وهل أستخدم العقل في الجزئية الأولى ، أي في وجود الإله ، كما أستخدمه في الجزئية الثانية ، أي إنتقاد النبوة .
المقدمة الأولى : ينطلق أبو بكر الرازي ، في نسقه الفكري ، من مقدمة أولية تكمن في المقاربة والمقارنة وكذلك المفارقة والمباعدة مابين محتوى العقل ومضمون القضية ، مابين العقل نفسه ، كما هو ، كما يمكن أن يكون ، ومابين القضية في خاصيتها ، في أبعادها ومقوماتها . فالعقل ، لديه ، ليست وسيلة وأداة إنما جوهر ومعيار مستقل ، جوهر يختص بموضوعاته في عملية الإدراك ، وعملية التقييم ، وعملية الحكم ، كإنه يصادق على نتائج قضاياه بالإيجاب أو بالسلب عبر حيادية موضوعية . وأما القضايا فهي كل قضية مستقلة بحدودها ، فهذه القضية هي ، وتلك قضية أخرى مغايرة . ومن هنا تحديداٌ ، من الضروري أن نذكر النقاط الثلاثة التالية : الأولى إنه يبحث عن القضية بمفردها ويربطها بسياقها العام ، لكنه لايخلط ، في الحكم عليها ، مابينها بمفردها ومابين سياقها الكلي والعام ، فوجود الإله شيء وقضية النبوة شيء آخر ، نفي صدور النبوة عن الإله شيء ، ووجود الإله شيء آخر . الثانية إنه يستقل بعقله إستقلال القضية النسبي عن سياقها العام ، إستقلال المعيار النسبي عن المعنى ، إستقلال الشرط النسبي عن نتائج التجربة ، أي إنه لايخضع عقله لأي إعتبار لاقبلي ولابعدي ولاحيني . الثالثة إن وحدة العقل هي شرط وجوده وشرط أحكامه ، وهي شرط معياريته ، وهي شرط إستقلاليته النسبية .
المقدمة الثانية : إن من الإشكاليات التي أشكلت موضوعاتها هي معضلة القدم في الفلسفة والأديان والمعتقدات ، والقديم تعريفاٌ من ليس له أول ولا آخر ، هو أزلي في أوله وأبدي في آخره ، سرمدي وسردمي ، وكلها مفردات تنتمي أصالة إلى اللغة الكورية . والخلق هو مايقابل القدم ، هو له أول وله آخر تعريفاٌ . وهناك من إعتقد إن الإله هو وحده القديم وهو الذي خلق الكون والعالم ، وهناك من إعتقد بوجود إلهين سرمديين يتصارعان حول الحق والباطل ، الخير والشر . وهناك من يعتقد بقدم المادة والحركة والزمن . وأبو بكر الرازي يعتقد بقدم ماسمي بالقدماء الخمسة : قدم الإله ، قدم الهيولى المادة ، قدم الخلاء المكان ، قدم الزمن الزمان ، قدم النفس الروح . وأود هنا أن أذكر ثلاثة خصائص لما هو قديم : فهو مطلق في وجوده ، مستقل في حدوده ، مكتف في ذاته . والمطلق لايمكن إلا أن يكون واحداٌ، يملك الوجود في واحديته ، لذلك ، ومن بين أسباب أخرى ، تبنى العرفانييون الإشراقيون مذهب وحدة الوجود .
المقدمة الثالثة : يؤكد أبو بكر الرازي إن إذا كان معيار العلوم الطبيعية البشرية هو التجربة ، فإن معيار عالم الأفكار والفلسفة هو العقل ، ذلك العقل الذي وهبنا إياه الإله لنتدبر به ونفتكر به ، وبه نتحمل المسؤولية ، فهو المرجع الأساسي والوحيد والأصيل في كل شيء ، في كافة المواضيع ، ويختزل موقفه من محتوى العقل في الآتي : بالعقل أدركنا جميع مايرفعنا ويحسن ويطيب به عيشنا ، وبه أدركنا الأمور الغامضة البعيدة الخفية المستورة ، وإذا كان هذا مقداره ومحله فحقيق بنا ألا نحط من رتبته ولا ننزل من درجته ولانجعله وهو الحاكم محكوماٌ عليه وهو المتبوع تابعاٌ ، بل نرجع بالأمور إليه ونعتبرها به ونعتمد فيها عليه ونمضي على إمضائه ونقفها على إيقافه . وهكذا من الضروري أن نذكر ، هنا ، أربعة نقاط جوهرية ، مع علمنا وإدراكنا إن معظم مادونه أبو بكر الرازي قد أعدم ، النقطة الأولى إن قضية وجود الإله بالنسبة إليه قضية محسومة جدلاٌ ، لا نقاش ولامراء فيها . الثانية إن الإله هو الذي وهبنا العقل ومنحنا سلطة التفكر به والتدبر به . الثالثة إن العقل هو الجهة الوحيدة المخولة للتدبر والتفكر في كل شيء بما فيه النبوة ، بما فيه الديانات ، في كل شيء إلا في الوجود الإلهي . الرابعة إن العقل هو واحد لدى جميع البشر وإن إختلفت المعارف الطبيعية لديهم ، وإن أثرت في آرائهم وأفكارهم ماتوارثوه من أسلافهم وماتعاودوه منهم .
المقدمة الرابعة : إلى ذلك وبناءاٌ على المقدمة الثالثة ، إنتقد أبو بكر الرازي موضوعاٌ في غاية الأهمية وعظيم الإشكال ، وهو تأويل النص القرآني ، النص الإلهي ، وأكد على مسيلمة قاعدية : إن الإله ، في حال وجوده ، لايرسل نصاٌ ، في حال إرساله له ، إلا إذا كان واضحاٌ وصريحاٌ في أصوله ، وفي مبناه ، وفي معناه ، وفي حدوده . أي إن الإله لايمكن أن يرسل نصاٌ غامضاٌ ، نصاٌ يحتاج إلى تأويل . وهنا لامناص من أن نذكر أربعة نقاط نوضح ، نحن ، من خلالها حقيقة موقف أبو بكر الرازي من العلاقة مابين النص الإلهي المفترض ومسألة التأويل : الأولى إن وجد نص يحتاج إلى تأويل حقيقي فأعلم جيداٌ إن هذا النص لايمت إلى الإله نفسه . الثانية إن النص الإلهي ، لايمكن أن يكون نصاٌ إلهياٌ ، إلا إذا كان في وضوح الشمس لإنه ليس نصاٌ ، كنص معزول ، إنما هو نص للتطبيق وللممارسة من جهة ، ومن جهة هو نص إيماني عقائدي ، فإذا أتصف بالغموض فقد العلاقة الإلهية المتوخاة مابين الإله نفسه ومابين الإتسان . الثالثة إن وجد نص يحتاج إلى تأويل ، فإن صاحب التأويل يصبح هو إلهاٌ ، هو المشرع الإلهي ، هو النائب الإلهي . الرابعة إن التأويل لايمكن ان يكون إلا ناقصاٌ قي خصوصيته لإن المعرفة البشرية هي ناقصة بطبيعتها ، ولايمكن أن يصدر الكامل من الناقص في الإلهيات وفي هكذا تشريعات . وسنعالج هذا الموضوع في الحلقة القادمة ، نقض مفهوم التأويل في النص الإلهي .
المقدمة الخامسة : إلى ذلك وبناءاٌ على المقدمة الثانية ، إنتقد أبو بكر الرازي موضوع النبوة والديانات معاٌ ، وأعتبرهما شأناٌ بشرياٌ صرفاٌ ، وصاغ مسوغاته في مؤلفه ، مخاريق الأنبياء ، أي رعونة الأنبياء ومخاتلتهم وحماقاتهم ، على الشكل التالي . في المسوغ الأول أكد ابو بكر الرازي إن العقل قادر بمفرده على معرفة الإله وأسباب الأشياء دون الحاجة إلى النبوة ، دون الحاجة إلى وسيط . والنبوة بمعناها المتعارف عليه تطعن في هذه الخاصية ، تطعن في هذه الأهلية ، ولهذا فإذا إلتزمنا بالنبوة سلبنا عن العقل طبيعته ، وهذا لايمكن الإقرار به . في المسوغ الثاني يؤكد أبو بكر الرازي إذا سلمنا جدلاٌ إن الإله هو الذي بعث الأنبياء والرسل من خلال مفهوم النبوة ، لدل ذلك إنه قد أوجد أمرين بقصد نفس الوظيفة ، أي أوجد فينا العقل لمعرفة الإله ، وكذلك أرسل الأنبياء لمعرفة الإله ، وهذا تناقض لايمكن القبول به ، فالإله منزه عن مثل هذه التناقضات . في المسوغ الثالث يؤكد أبو بكر الرازي إذا سلمنا جدلاٌ إن الإله هو الذي بعث الأنبياء ، لدل ذلك على إن عقلنا قاصر عن معرفة الإله ، وقاصر بنفس الدرجة عن معرفة أسباب العلاقات ، وإذا عجز العقل عن إدراك هكذا حيثيات لعجز أيضاٌ عن إدراك معنى النبوة ولعجز كذلك عن إدراك موضوع الألوهية ، فإخبار الإله لنا إنه موجود من خلال النبوة وإن له أحكام وشرائع لايخلق لدينا محتواها الحقيقي إذا ما أستقل العقل مسبقاٌ بخاصية إدراك يسمح له بمعرفة الإله . في المسوغ الرابع يؤكد أبو بكر الرازي إن الإله لايمكن أن يرسل نبياٌ ، شخصاٌ من الأشخاص ، لإنه بهذه الطريقة يفضله على الآخرين ، أي يفضل مخلوقاٌ على مخلوقاته ، ويفضل بالتالي قبيلة على أخرى ، وملة على الملل الأخرى . ولايمكن أن نعلل ذلك بوجود سمات معينة لدى هذا الشخص لإن الإله نفسه مسؤول عنها ، وهو صاحبها ، ولايجوز لنا القول إن وجود هذه السمات والصفات والخصائص مستقله في وجودها عن الوجود الإلهي ، لذلك فإن التفاضل مابين البشر أمر ممتنع على مفهوم الإله ، وإلا ماهو مبرر التفاضل !! . في المسوغ الخامس يؤكد أبو بكر الرازي إن الإله لايمكن أن يرسل نصاٌ إلهياٌ مليئاٌ بالتناقض في المبنى والمعنى ، أو نصوصاٌ متناقضة مع نصوص أخرى في ديانة ثانية ، فحتى مفهوم الإله في الديانات الإبراهيمية الثلاثة ، الإسلام والمسيحية واليهودية ، يتناقض من دين لدين آخر ، فكيف يمكن أن نقر بذلك . في المسوغ السادس في موضوع إعجاز وبلاغة النص الإلهي يؤكد أبو بكر الرازي إن ثمة نصوص بشرية أبلغ وأقوى وأدق مما هي عليه النصوص الإلهية . في المسوغ السابع إن موضوع الأخلاق الذي يزعم معتقدو النبوة إن أصولها مقيدة على مايخبرنا به الأنبياء والرسل ، يؤكد أبو بكر الرازي إن العقل يستطيع أن يدرك أصول ومعالم الأخلاق ولايحتاج من هذه الزاوية أن يعلمنا الأنبياء بحقيقتها لإنها بطبيعتها تتماهي مع الحقيقة البشرية ، فموضوع الأخلاق هو أساس العلاقات مابين البشر ، وأساس تلك العلاقات هو العقل . في المسوغ الثامن إن موضوع النبوة وأفكار الأنبياء يخلق في مابين البشر روح العداوة والبغضاء ، ويفضي إلى حروب لاتناسب الطبيعية السلمية للإله ، ولا حتى الطبيعة المفروضة على الديانات في مسألة الأخوة والتآخي .
المقدمة السادسة : في مؤلفه ، أعلام النبوة الرد على الملحد أبي بكر الرازي ، يرد أبو حاتم الرازي على حجة أبو بكر الرازي إن العقل قادر لوحده وبمفرده على معرفة الإله دون الحاجة إلى وسيط كالنبوة : إن البشر متفاوتون في أهلية العقل ، وكذلك متفاوتون في أساس المعرفة ، ومنهم من لايملك أي معيار للجدل العقلاني ولا للمعرفة الضرورية في تأصيل الأفكار ، لذلك ، وإن وجد العقل كمنحة ربانية ، فإن البشر يحتاجون إلى النبوة ، ويحتاجون إلى الإنبياء . علاوة على ماذكر يحتاج البشر إلى الأنبياء على صعيدين متكاملين . على الصعيد الأول ثمت أخبار إلهية خارجة عن حدود العقل ، فلابد من نبي يخبرنا بأحقيتها ، بشرعيتها . على الصعيد الثاني ثمت فروض على الإنسان كقيمة عبادية ، كموضوع للممارسة ، فكيف يمكن للعقل أن يستخلصها دون أن يخبره أحد بذلك . فيرد أبو بكر الرازي على ماقدمه أبو حاتم الرازي : إن العقل ليس متفاوتاٌ مابين البشر ، بل هو واحد مابين الجميع ، فلايتفارق عقل هذا عن عقل ذاك ، إنما الذي يترآى لنا بسببه تفارق مستوى الحكم لدى هذا وذاك هو أساس المعرفة وقوتها لدى هذا وذاك . وأما بالنسبة للأخبار الإلهية وكذلك للفروض الربانية ، يرد أبو بكر الرازي إن هذه حجة ليست ضده إنما هي محسوبة على أبو حاتم الرازي نفسه ، فالأخبار الإلهية مليئة بالتناقض فيما بينها سواء في الديانة الواحدة ، سواء في مابين الديانات ، وفيما يخص الفروض فإنها متفاوته فيمابينها من دين لآخر وهذا يدل على إن الأنبياء هم الذين مكروا في ذلك . ومن ثم يستطرد أبو حاتم الرازي منافحاٌ عن النبوة والأنبياء : إن إعتقاد معظم البشر بالنبوة والأنبياء لدليل على صحة ومصداقية وجودهم . فيرد أبو بكر الرازي إن هذه الحجة مردودة لإن إعتقاد معظم البشر بالأنبياء مرده إلى عوامل أربعة : التوارث البشري ، سيطرة المعتقد ، الجهل والخوف من المجهول ، سطوة رجال الدين وأكاذيبهم .
إلى هذا ونكتفي ، ونرد على مفهوم العقل لدى أبو بكر الرازي بالآتي :
أولاٌ : لاشك إن أبو بكر الرازي قد أبدع إبداعاٌ في إنكار النبوة والأنبياء ، وأبدع إبداعاٌ إن مثل هكذا قضايا هي من مخاتلات وخداع وحماقات البشر ، فالإله لايمكن أن يرسل الأنبياء سيما وإن لدينا عقلاٌ يمكنه بمفرده ولوحده إدراك تلك القضايا الإلهية المفترضة . لكن تصور الموضوع من هذا الجانب شيء وتصوره من جانب آخر شيء مختلف : ففي الجانب الأول إن أبو بكر الرازي ، في الحقيقة ، عندما يرفض وينكر النبوة والأنبياء ، هو لايرفضها على أسس إن العقل يرفض ذلك من حيث إن العلاقة هي مابين النبوة والعقل ، إنما هو ينكر النبوة لإنه يعتقد إن الإله لايمكن أن يرتكب هكذا مغالطات ، أي هو يؤمن ، بالأصل ، بوجود الإله ثم يعالج قضية النبوة مقارنة بالموضوع الإلهي ، أي لو أسقطنا موضوع الوجود الإلهي من زاوية الإيمان به ، وقلنا لأبي بكر الرازي : ماهو موقفك من النبوة بمعزل عن الوجود الإلهي لأرتبك كثيراٌ لإنه لم يعالج قضية النبوة من حيث هي قضية إنما عالجها من حيث الوجود الإلهي ، والفرق قاتل . وفي الجانب الثاني كيف يمكن أن نرى العلاقة مابين الإله من جهة ومابين الأنبياء من جهة ثانية ، أي هل ينبغي علينا ، وفي مرحلة الأنبياء ، أن ننطلق من الأنبياء ، أي الأشخاص الذين أدعوا النبوة ، ثم إلى الإله المفترض ، أم ننطلق من الوجود الإلهي ثم إلى الأنبياء المفترضين . في الأصل ، وإذا ماتجاوزنا ما هو متعلق بالخوف والجهل في البدايات ، فإن ثمت أشخاص أدعوا النبوة وإن هناك إله ، وإن هذا الإله قد أجتباهم لهذه المهمة العقائدية الوجودية التاريخية ، أي كان السؤال الجوهري هل الأنبياء كانوا صادقين في زعمهم وليس هل كان الإله صادقاٌ في إرسال الأنبياء ، والمفارقة عظيمة . وفي الجانب الثالث في الأصل العام وبمعزل عن الجانبين السابقين لدينا ثلاثة فروض : الفرض الأول إن هناك إله ثم إن هناك أنبياء ، والفرض الثاني إن هناك أنبياء ثم هناك إله ، والفرض الثالث إن لاهنا ولاهناك ، أي لا إله ولا نبي . ففي الفرض الأول يصدق ماذهب إليه أبو بكر الرازي إن الإله لايمكن أن يرسل الأنبياء ، ولايمكن أن يرتكب هكذا مغالطة ، ونحن نأيده في كل ماذهب إليه بخصوص هذه الجزئية . وفي الفرض الثاني إن زعم الأنبياء لادليل عليه ، فلادليل على نبوتهم ولادليل على إله يرسلهم كأنبياء . أضف إلى ذلك ثم تناقضات قاتلة عديدة تدل على كذب نبوتهم وعلى كذب إنتساب تلك النصوص إلى إله غائب غير موجود . وفي الفرض الثالث وفي الأصل لا إله ولانبي .
ثانياٌ : بناءاٌ على ما ورد في أولاٌ ، أي إن لا إله ولانبي ، وبناءاٌ على مصداقية الجزئية التي ذهب إليها أبو بكر الرازي ، إن العقل شرط كاف وواف في معرفة الإله ، فلاموجب أن يبعث الإله الأنبياء ، والإله لم يبعث أي نبي ، نستنتج مايلي : الإستنتاج الأول إن العقل ( المادة المدركة الواعية ، الدماغ ، الوعي الدماغي ) منتوج ، منتوج في الطبيعة ، مكون في هذا العالم ، ينتمي بطبيعته وبنيته إلى خواصه ضمن خواص الطبيعة ، وهذا مايفسر هذا الكم الهائل العظيم والمتعدد جداٌ من الكائنات سواء في أنواعها ، سواء في فصائلها ، سواء في المفارقات اللامنتهية مابين تلك الكائنات في نفس النوع أو في نفس الفصيل . الإستنتاج الثاني إن العقل ، المادة المدركة الواعية ، لايتمتع بأي مبادىء أولية ماقبلية سوى تلك التي يخزنها في ذاته ، وسوى تلك المعرفة التي تجعله يدرك ويتصرف ويحلل على أساسها ، فلامبدأ ينزل من السماء ، ولامبدأ يتحكم بصورة مسبقة ، ولامبدأ يسيطر بشكل أزلي . الإستنتاج الثالث إن العقل ، المادة المدركة الواعية ، هو ليس جهازاٌ يتصرف بصورة آلية ، هو ليس جهازاٌ يصدر أحكامه وكأنها مفروضة ، إنما هو وعي يتجدد ، يتطور ، لذلك هناك ، العقل البدائي ، العقل الوحشي ، العقل الإسطوري الديني الإلهي ، وربما عقل جديد يتكون . والمهم إن كل عقل يخزن معرفته ومبادئه كما هي ولايستطيع أن يخرق تلك المبادىء إلا من خلال التكوين الفردي الخاص به . الإستنتاج الرابع إن العقل ، المادة المدركة الواعية ، ليس شرط المعرفة ، أي ليس هو من يحدد موضوعات المعرفة ولا تفسيرها و لامبادئها ، إنما ، وإذا حددنا المعرفة بشروط الظواهر ، أي الفينومنيولوجيا ، فإن تلك الظواهر هي التي تفرض على العقل أن يبحث في إتجاه معين .
ثالثاٌ : في العلاقة مابين العقل وتلك القدماء الخمسة حسب أبو بكر الرازي ، الإله ، النفس ، الهيولى ، الخلاء ، الزمان ، ينبغي أن نلاحظ إن العقل هنا نظري بحت يتصرف خارج حدود التجربة ، خارج حدود المعرفة البشرية ، ولايمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا إحتوى العقل على مبادىء أولية سابقة ، على ماهو بالضرورة يقين تام ، يقين تام في ذاته ، يقين ليس بحاجة إلى تحليل أو تأويل أو حتى تفسير ، يقين في مرتبة المسلمات الأولية ( الأكسيوم ) . إن هذا التصور يشكل جملة إشكاليات تتضمن الكثير من التناقضات : الإشكالية الأولى كيف أدرك أبو بكر الرازي إن هناك خمسة قدماء ، هل هو يدرك ماهو الإله ، هل هو يدرك ماهو الزمان ، هل يدرك ماهو الخلاء ، هل يدرك ماهي الهيولى ، هل يدرك ماهي النفس ، وماهي تلك المعايير التي سمحت له أن يتأكد من قدمها !! . الإشكالية الثانية إن كل ما هو قديم ، ، أي ماكان أسمه أو خصائصه أو نوعية وجوده ، لابد أن ينتمي إلى واحدية مطلقة ، أن يكون ، في جوهره ، وحدة واحدية ، أي إن الزمان والإله والخلاء والنفس والمادة ، إن صدقت فرضية أبي بكر الرازي ، هي جوهر واحد ، هي وحدة بالمطلق ، فلا الإله بمفرده موجود ، ولا زمان بمفرده موجود ، ولا الخلاء ولا النفس ولا الهيولى . الإشكالية الثالثة إن كل ماهو قديم ، أي ما كان أسمه أو خصائصه أو نوعية وجوده ، لابد أن يكون له ذاتاٌ واحدة تحمل أسماٌ واحداٌ ، فالقديم هو القديم أسماٌ وخصائصاٌ ونوعاٌ ، أي إن الإله والخلاء والزمان والمادة والنفس هي شيء له أسم واحد ، فماهو هذا الأسم يا أبا بكر الرازي . الإشكالية الرابعة وهي تختزل الإشكاليات الثلاثة السابقة في إطار العلاقة مابين الإله ومابين العقل : إن الإله لم يعد إلهاٌ ، إنه إلهاٌ لايملك سلطة الإلوهية ، إله لم يخلق الكون ، ولم يخلق العالم ، إله ليس إلهاٌ ، إله لا إله . الإشكالية الخامسة إذا صدقت فرضية وجود القدماء الخامسة ، وإعتماداٌ على الإشكاليات السابقة ، فإن الزمان هو زمان لأي جهة ، وماهو موضوعه . والخلاء لماذا يكون خلاءاٌ ، وخلاءاٌ لأي سبب . والمادة لمن تكون مادة ، لما تكون مادة ، وماهي موضوعها . والنفس لمن تكون نفساٌ ، وماهي الجهة التي فرضت عليهاٌ أن تكون نفساٌ . وفي الحقيقة ، وضمن فرضية القدماء الخمسة ، إعتمد أبو بكر الرازي على تعابير ومصطلحات أرضية وقذف بها إلى فضاء خارجي لاقيمة لها ولا معنى ولا مفهوم .
رابعاٌ : في العلاقة مابين العقل والتجربة ، والمفارقة مابين معيارين ، معيار العلوم الطبيعية هو التجربة ، ومعيار عالم الأفكار والفلسفة هو العقل : وكإن العقل عقلان ، عقل يختص بتلك القدماء الخمسة ، وعقل يختص بالتجربة ، وهذا متهافت ومدحوض من الجوانب التالية : الجانب الأول لايوجد أي معيار لموضوع الأفكار والفلسفة ، ولايوجد أي ضابط حقيقي يضبط حركة التحليل العقلي النظري الصرف ، وكل ماقيل حول المسلمات الأولية ، وموضوع مبدأ عدم التناقض ، هو تصور سخيف وتافه ، لإن هذه المبادىء ، في حال وجودها وهي غير موجودة بالمطلق ، لاتحرك موضوع المعرفة ، إنما الذي يحركه هو الحقيقية الفيزيائية الفعلية للعلاقات ، لذلك فإن التجربة هي التي تملك معيارها المعرفي بالضرورة ، وبصورة أكيدة . الجانب الثاني ضمن فرضية إن العقل ليست منحة من الإله ، وهي فرضية صادقة بالمطلق ، فإن العقل ، المادة المدركة الواعية ، وبالتالي محتواه ، هو : من جهة نشأ نشوءاٌ ، تكون تكويناٌ ، إئتلف إئتلافاٌ . ومن جهة وليد الواقع والوقائعية والتجربة . ومن جهة يخزن ماهو بسيط ثم ماهو تراكمي ثم ماهو قادر به على عملية الإدراك . ومن جهة يقارن ويقابل سواء مابين الأشياء نفسها سواء مابين مخزونه وماهو جديد ، من ثم يقبل بهذا أو يلغي ويقصي ذاك . ومن جهة أدرك إنه يدرك ، أدرك إدراكه ، أدركه محتواه بمحتواه ، وحينما أدرك محتواه بمحتواه أصبح وعياٌ منفصلاٌ عن ، وعياٌ مستقلاٌ ، وعياٌ في ذاته .
خامساٌ : إذا صدقت فرضية وجود القدماء الخمسة ، فهذا يعني إن القدماء الأربعة الهيولى والزمان والمكان والمادة هي مستقلة عن الوجود الإلهي على الصعيد الإنطولوجي وعلى صعيد المعنى وعلى صعيد المفهوم ، أي إن الإله أصبح مفردة فارغة ، كلمة لامعنى لها ، دالاٌ بدون دوال وبدون مدلولات دالاٌ لا دال ، لإنه لو كان إلهاٌ حقيقياٌ لما كانت القدماء الأربعة قديمة مثله وخارجة عنه . وإعتماداٌ على ما سبق كيف يمكن لهذا الإله الشكلي الصوري أن يزرع فينا العقل ، إن يكون هو مصدر هذا العقل . وطالما ، وعلى فرضية صحة وجود القدماء الخمسة ، إن تلك القدماء هي خارج إرادة الإله ، فماهي الحجة المنطقية ألا يكون عقلنا هو أيضاٌ خارج حدود وقدرة الإله . وإلى اللقاء في الحلقة الثانية عشر بعد المائة .



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (6)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض مفهوم النص لدى نصر حامد أبو زيد
- نقض مفهوم السببية لدى الغزالي
- نقض وحدة الوجود الشخصية لدى كمال الحيدري
- النص الإلهي لايحرم الخمر
- نقض المنظومة الفكرية لدى جون لوك
- نقض النظرة الإيمانية لدى بيركلي
- نقض مفهوم الجدل لدى محمد شحرور
- نقض مفهوم الحق لدى محمد شحرور
- نقض نظرية المعرفة لدى أفلاطون
- نقض قدم النص الإلهي لدى أحمد بن حنبل
- نقض نظرية المعرفة لدى إبن تيمية
- نقض اللاتعارض مابين العقل والنقل لدى إبن تيمية
- نقض الكمال الإلهي لدى ديكارت
- نقض إشكالية الناسخ والمنسوخ في النص الإلهي
- نقض مفهوم الخلود لدى ابن رشد
- نقض مفهوم العالم لدى أبن رشد
- نقض مفهوم دين البشرية لدى أوغست كونت
- نقض مفهوم الروح لدى محمد شحرور
- نفض فكرة الوجود لدى محمد سعيد رمضان البوطي
- نقض إفهوم الإسطورة لدى كلود ليفي شتراوس


المزيد.....




- جنود إسرائيليون يكشفون عن تدمير ممنهج للممتلكات الفلسطينية ل ...
- أزمة الرسوم الجمركية الأمريكية: ارتفاع البورصات الآسيوية وال ...
- الدفاع الروسية: قوات كييف استهدفت بنى الطاقة 11 مرة في 24 س ...
- إيران تلوّح بتعليق التعاون مع الوكالة الذرية إذا استمرت الته ...
- أثر أوكراني في محاولة اغتيال ترامب
- لحظة اصطدام قطار بشاحنة في ماساتشوستس
- العالم يترنح بين عجيزة ترامب وقلبه!
- نادي السيارات الألماني: السيارات الكهربائية أقل عرضة للأعطال ...
- الإفراج عن أسير فلسطيني اعتقل طفلا وخرج شابا بجرم لم يرتكبه ...
- كيف أعطت المحكمة ضربة قوية لنتنياهو؟


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض محتوى العقل لدى أبو بكر الرازي