|
(براعة التوظيف للمفردة) قراءة في هايكو( تجاعيد مدينة خربة ) للشاعر ستار جميل الجنابي .
عقيل الواجدي
الحوار المتمدن-العدد: 6700 - 2020 / 10 / 11 - 01:42
المحور:
الادب والفن
(براعة التوظيف للمفردة) قراءة في هايكو( تجاعيد مدينة خربة ) للشاعر ستار جميل الجنابي .
كلُّ ماخلا هذه اللحظةِ التي (انت ) فيها يُعَدُّ من رصيد الذاكرة ، فكل مايجيده الانسان وما يمتلك من تجاربٍ وخبراتٍ مرهون بالذاكرة المستفيقة غير المغيبة ، القادر على ايقاظها في لحظة تأمل ، المُقِيدُ لها بأغماضة عين ، حتى تجدها تتوهج، تضيء عوالمكَ التي تظنّ لِلَحْظَةٍ انها منطفئة ، ما الانسان الاّ مجموعة من الذكريات والاحداث المتراكمة عبر سِنيّ عمره ، وقيمتها مرتكز على قيمة الاستفادة منها ، فالفهم التراكمي وَعْي ، والتجارب بوصلة تحولُ بينك وبين التّيه . ولاشك ان الشاعر هو الاكثر ارتكازا على ذاكرته ، فالذكريات عالمه الذي يستفيق عليه وَيُمسي ، معبّأة روحه بعطر اللحظات ، يكاد يتنسّمها كأنما يعيشها اللحظة ، الشاعر وحده من غَدِهِ الامسُ بكلّ حنينه ، واحلامه هي الماضي الذي فقده . ولاينفرد بذلك شاعر عما سواه . تجاعيد مدينة خربة : مجموعة شعرية من جنس الهايكو للشاعر ( ستار جميل الجنابي ) بقصائدها المائة واربعة واربعين ، حظيتُ بفرصة قراءتها ، اطلت التأمل في مقاطعها حتى لاابخس جهد كاتبها ، فلا رأي من دون تأمل ، ولا ادراك من دون صبر ، وللاسف هذا مااجده في كثير من القراءات لبعض الاساتذة النقاد اما انه يكتفى من قراءة واحدة او يجتزئُها فيكتب الكل برأي واحد . افتتحها الشاعر باهداء انيق يحيلنا الى الغاية التي من اجلها كتب نصوصه ، الى من يدرك ان الكلمة اضاءة ، ووعي :
(قد تشتعلُ القناديلُ في لمسةِ كبريت لكن إشعال اللغة يحتاجُ إلى لمسة نبض وفطنة ذهن رجلٍ طاعنٍ أغراه الوطن فهام به فكان أن جنى لواعج الحزن وأرق الأحلام والمنى المؤجلة( . بمقدمة رصينة للشاعر ( محمد علي القيسي ) .
هي تجربتي الثانية في الكتابة عن نصوص الهايكو ، والاجمل مافيها اني كتبت عن شاعرين من بيئتين مختلفتين الى حد ما الاول من الناصرية ( الاستاذ طالب داخل فيصل ) والثاني ( الاستاذ ستار جميل الجنابي ) من مدينة الرمادي ، الذي تعددت مواضيع قصائده لكنها لم تنفلت عن حسه الانساني ، كان حاضرا في كل مقطع ، تستشعر رهافة حسه ، تجد ان الكتابة مَلَكَةٌ مترسخة في روحه لايحتاج الى كثير جُهْدٍ حتى يبهرك بمقاطع تدرك من خلالها ثقافته العالية ووعيه المكتنز تجربة ، قصائد قائمة على التكثيف بلغة سليمة يصل بك حد الامتاع . التوظيف الجميل للمفردة سمة لم تغادر كل مقاطع المجموعة ، فقد كان الشاعر دقيقا في انتقاء مفرداته بما يخدم النص ، بجمل مكثفة دون اطالة .
... من ثقب لآخر يشعر بالألم عازف الناي ... كما الضوء تحيطه هالة من الحزن قلبي ........ مثل غصن ترقص مع النسيم شمعة. ....... لقا ء أوّل على بعد صدفة يخف ق قلبي. ..... حق ل الورد يفو ح عطر ا صد ر بائع ة الورد. ...... اما السمة البارزة في مجموعته الشعرية فقد كان هناك صوتان لايمكن ان الاّ ان نقف عندهما وهما ( الذاكرة و الام ) ، صوتان يترجمان الكثير من شخصية الشاعر ، الشاعر الذي يؤنس حاضره بلحظات الحنين التي تأخذه الى عوالم لم تفقد طعمها واِن لفّها الفقد ، عوالم تأسره بالحنين واِن شرب النوى كأس نخبها ، الى الأم التي هي مساحة الجمال في الارواح ، صدق المشاعر التي لايكتنفها الزيف ، والمودة التي لايميتها ظمأ الفراق .
كان الشاعر من الامكانية الفنية الشعرية ماجعلنا نشاطره الاسى وهو يُرنّم الحزن كلمات تشي بمعق الآصرة التي اطرها بصور مختلفة لكنها جميعا كانت لوحة واحدة تمثل مشاعر الصدق التي تشظت في روح الشاعر فراح ينثها عبيرا يتنسمها كل محب . هي الزائرة التي لايحول حتى الموت دون زيارتها ، البراعة جلية والجمال أخّاذ . آخر الليل مضيئا يأتي صوت أمّي. ... بسما ع صوتها يرت د قلبي طفلا أمّي. ... جدا ر الغرفة تشع نور ا صور ة أمّي
.... رائح ة الأرض تفوح عطر ا قبر أمّي. ... كترنيمة قداس يدندن صو ت أمّي دللول. .... في ذاكرتي ما يزال صوتها يدور رحى أمي
اما الذكريات فقد كانت هاجسا لم يغادر ذهن الشاعر ، هي المحطات التي تؤرشف ذاتها وازمنتها بما يبقيها حاضرة غير عصية في استدراجها ورسم تفاصيلها بذائقة اللحظة ، الذكريات تجاربنا التي نتقن فك اسرار خيباتها وايقاد عتمتها بفهم التجربة بما يجعلها خطوة في مسيرة لاتنتهي ، وكان للذكريات نصيب في مجموعة الشاعر ، افصح عنها بمقاطع جميلة تنوعت صورها ودلالاتها .
آخر الليل ينتابني لحن حزين شريط ذكريات ... في عتم ة الليل تعو د بي لملاعب الصّبا ذكريات ... مع إشراقة الشمس فراشة تداعب النسيم ذكرياتي ... من نور عينيك تتهادى هالة الضّو ء ذكريات ...... ذاكرة يقظة فصول متعاقبة تتوهج شمس أبي ........ تجربة الكتابة بطريقة ( الهايكو ) بدأت تأخذ ملامحها العربية وتنسلخ عن مفهومها المستورد ، الشعراء الجادون بدأوا يضعون خطوات ذات اثر واضح في هذا الدرب ، ولاشك مع تواتر التجارب الناضجة ستكون هنالك ارض صلبة يستند عليها كل من يريد السعي في هذا المضمار دون الارتكاز على مفاهيم غريبة لاتنسجم وثقافتنا العربية . والشاعر ستار جميل الجنابي في مجموعته ( تجاعيد مدينة خربة ) احد التجارب التي امتلكت ناصية النضج وخطوة في التأصيل لجنس هايكوي عربي .
#عقيل_الواجدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(نقش الجمال بحنّاء الابداع ) قراءة في المجموعة الشعرية ( نقش
...
-
دراسة اسلوبية ( الجزء الأول ) في قصة ( لا ذاكرة للوطن ) للأد
...
-
لوحة متوالية الاوجاع والكاتب عقيل الواجدي.. للناقد الاستاذ و
...
-
لاذاكرة للوطن - النص المتوّج في مسابقة احمد بوزفور - قراءة ل
...
-
(( قراءة في نص شعري للشاعرة شمس احمد ))
-
دلالة القمر في قصيدة ( ياقمري ) للشاعرة المغربية ( سعاد الزا
...
-
الناقدة خلود البدري وقراءة في فلسفة الطين للشاعر عقيل فاخر ا
...
-
حينما يحزن الياسمين
-
انطلوجيا الحلم وموت الزمن في .. ( الوقت لا يكفي لبناء حلم اخ
...
-
نجاح داعوق وفاعلية التفاؤل في رسم نصوص انيقة
-
محطات سناريا الابداعية
-
وطن يخذلني كل مافيه
-
صرخة مهاجر
-
رابطة الشعر العربي في ذي قار من 1995 - 2001
-
وصاية الصحراء / قصة قصيرة
-
التلويح لن يعيد السفن المغادرة
-
مأدبة أبليس
-
شرايين ( حامد المسفر ) الرمادية
-
سنوات بلون اللُهاث / قصة قصيرة
-
الذي لم يصل ........ قصة قصيرة
المزيد.....
-
-المداح-.. طلاسم سحرية تفتح باب الجدل في مصر
-
من القصر الملكي إلى -نتفليكس-.. ميغان ماركل تكشف عن فصل جديد
...
-
الشيخ الحصري.. مسيرة حياة كرست لخدمة القرآن الكريم
-
إطلاق الكبسولة (مقطع مسلسل من رواية قناب
...
-
-زغرطي يا شيرين!-.. حسام حبيب يعترف لرامز جلال: -أنا اللي دم
...
-
مكسيم خليل يروي كيف اتهمه نظام الأسد بتهريب السلاح
-
الإخبارية السورية تكشف تفاصيل خطيرة حول التطورات الدموية في
...
-
عــرض مسلسل ليلى الحلقة 24 مترجمة قصة عشق
-
نبض بغداد.. إعادة تأهيل أيقونة العاصمة العراقية شارع الرشيد
...
-
فنانة شابة في علاقة حب مع نور خالد النبوي؟ .. يا ترى مين ضيف
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|