أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - تربية الطفل بين مصر وأمريكا















المزيد.....


تربية الطفل بين مصر وأمريكا


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 5960 - 2018 / 8 / 11 - 02:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تربية الطفل بين مصر وأمريكا
الحالة الأولى : ومن الحُبّ ما قتل :
1 ـ زوجة عاملة تعرف معنى العطاء والتفانى ، وزوجها خير من إستفاد من عطائها وتفانيها ، كان كسولا أنانيا ينتظر من زوجته أن تكون جارية له . وفعلت هذا حفاظا على بيتها . كانت تؤدى عملها الحكومى بنفس الاخلاص الذى تؤدى به عملها فى البيت . قبل الخروج للعمل ـ فى مدينتها الصغيرة ـ تكون قد جهزت الافطار لزوجها وأبنائها ، وأطعمت الطيور التى تربيها فوق السطح . وتعود لتواصل عملها فى شقتها وفى المطبخ والغسيل ..الخ . بينما زوجها يعود من عمله يجلس كسولا يشاهد التليفزيون ولا يملُّ من المناداة عليها لأى طلب بسيط حتى شربة ماء . خدمت زوجها وولديها بكل تفان وإخلاص ، وتخرج ولداها وسافرا للخارج ، وخرج زوجها على المعاش ، أصبح مريضا تحوطه الزوجة العاملة بإخلاصها .
2 ـ كل هذا والقصة عادية . الذى ليس عاديا هو حالة بنتها الوحيدة ، اصغر أولادها. كانت فى كسل أبيها وأنانيته . كانت الأم تشعر بسعادة بالغة وهى تحمل عنها كل شىء وتعمل لها كل شىء ، من الواجب المدرسى الى ترتيب ملابسها ودولابها . نشأت البنت معتادة على أن تعمل لها أمها كل شىء . لم تدخل المطبخ ولم تغسل ملابسها بنفسها ، ولا تعرف كيف تسوى فراش سريرها. أمها هى التى تفعل ذلك عنها . اكثر من هذا لو شعرت البنت أن أمها تعطى بعض الاهتمام لأقاربها تصطنع المرض حتى تستأثر بأمها . تخرجت البنت ، وتزوجت . بحالتها هذه لا يمكن أن يتحملها أى زوج ، لولا إن زوجها كان يعمل ورديتين ، يخرج صباحا ويعود منهكا منتصف الليل . وهى وجدت الحل فى أن تعيش مع أمها لتخدمها أمها كالعادة ، ثم تقوم بتوصيلها الى شقتها وتنظف شقتها ، وتتركها الى أن يأتى زوجها .
3 ـ إقتربت هذه الأم المعطاءة من الستين ، وأصبح زوجها قعيد البيت ، وأنجبت بنتها ولدا صار طفلا غاية فى الإزعاج . حوصرت الزوجة الأم بمرض زوجها وشكواه من بنته وصراخ وشقاوة ابنها ، وكسل بنتها ونومها ونهمها فى الأكل وعجزها عن خدمة نفسها وخدمة ورعاية ولدها . أخذ ابوها فى مرضه يصرخ فى ابنته المدللة ، وترد البنت بإصطناع الإغماء وزعم الاكتئاب . وأصبح التخلص منها ضرورة. أى لا بد أن تستقر فى شقتها وأن تمارس دورها كأم لابنها الصغير وزوجة لزوجها . أفهموها هذا بالحسنى فدخلت فى تمثيل الاكتئاب والاغماء . عرضوها على طبيب فقال ان عندها طفولة متأخرة ، ووصف لها أدوية أسهمت فى تفاقم حالتها . هذه التى يقول الطبيب أن عندها ( طفولة متاخرة ) بعد أن تقوم من النوم وتلتهم الطعام وترى أقاربها يساعدون أمها تنصب نفسها متحدثة تتحدث بطلاقة فى كل شىء من السياسة الى الرياضة ، بل حتى تُفتى فى حل مشكلات أقاربها . وحين ينصحها أحد بإصلاح حالها تسقط مغمى عليها قيسكت ، وتسكت أمها ويسكت أبوها.
4 ـ قيلت لى هذه المشكلة ، فقلت : ان البنت ضحية لتدليل أمها وأبيها ، واصبحت هناك ضحية أخرى هو هذا الطفل أيضا . وقلت إن الله جل وعلا جعل (فصال الطفل عن أمه ) عامين ، هما وقت الرضاعة، بعدها يتجول مبتعدا عن أمه يكتشف ما حوله. ولكن هذه الأم المتفانية لا تزال تحمل إبنتها على كتفها . وإذا أنزلتها الى الأرض تزعم الإغماء. لا يوجد إلا حلّ وحيد ، أن تنزلها عن كتفها ، ولا تأبه بها لو سقطت . على هذه البنت أن تستقل بنفسها أو أن يرغمها أبواها على الاستقلال بنفسها حتى تستمر حيّة وترعى إبنها. أبواها الآن فى الفصل الأخير من الحياة ، وبعد قليل سيموتان ويتركانها ، ولا يستطيع أحد تحملها . فلا بد أن يبدأ معها والداها من الآن إجبارها عن الانفصال عنهما ، بالمنع النهائى من أن تزورهما ، وأن تظل فى بيتها وتتعلم أن تخدم نفسها وزوجها وابنها . هذا الحب لوالديها قضى عليها . بل ليس هذا حُبّا .
5 ـ هذه البنت لم تولد ( مُعاقة ) ، جعلها الحب الأعمى من والديها ( معاقة ).!
الحالة الأخرى :
1 ـ مثل معظم الأطفال المصريين ، نشأ هذا الطفل واخوته معتمدين على الأم ( ربة المنزل / ست البيت ) فى كل شىء . هو بالذات كان أكثرهم إعتمادا على أمه . تجهز لهم الفطار والغذاء والعشاء ، وتغسل ملابسهم وتكويها وتذاكر لهم ، وتنظف الحمام بعد خروج احدهم منه ، وتغسل أطباق الأكل ، وتحملها الى المطبخ ، وهم جالسون . هو نفس المعتاد فى البيت المصرى ، خصوصا فى المدن.
2 ـ صاحبنا تخرج فى الجامعة ونام فى البيت ينتظر التعيين . وكالعادة تخدمه أمه ، بينما عثر إخوته على فرص عمل فى الخليج . صار يحلم بالهجرة الى أمريكا . جاءته فرصة التأشيرة ، وهناك أسرع وتزوج أمريكية ، وأصبحت إقامته شرعية . تناقضت ثقافته المصرية مع ثقافة زوجته الأمريكية . أرغمته زوجته على المشاركة فى كل أعمال البيت بالاضافة الى عمله الشاق . زوجته أنجبت طفلة رائعة . تولت الأم الأمريكية تربيتها بثقافتها الأمريكية . من عامها الأول كانت تكلمها وتشرح لها كما لوكانت تفهم ما تسمع . ثم كانت تخيرها أى ملابس تلبسها ، وحين تبكى تتكلم معها بصرامة ، وفى كل الأحوال هى تنام فى سرير منفصل ، وتقرأ لها أمها القصص . بدأت تنطق ودخلت الحضانة بعد أن اصبحت تمشى . تعلمت من أمها كيف تتعامل مع التليفزيون الموبايل وكيف تحمل شنطتها وكيف تسوى سريرها ، إذا أخطأت تقوم أمها بإدخالها غرفتها ، ومن بداية الكلمات التى تعلمتها أن تقول ( شكرا ) ( لو سمحت ) ( آسف ) . لم تبلغ العامين بعدُ ولكن لها شخصية مستقلة ، تساعد أمها أو تقلد أمها وأباها فى قراءة الكتب وفى عمل البيت ، وتخرج معهما تحمل حقيبتها الصغيرة ، وتبتسم لمن تمرُّ عليهم مثلما تفعل أمها . أبوها ( المصرى ) فخور بها ، ولا يستطيع الابتعاد عنها ، وهى أكثر تعلقا به ، أكثر من تلقها بأمها ، لأن الأم صارمة معها . بهذه التربية تتاهل البنت لأن تكون مستقلة .
أخيرا
1 ـ الثقافة الغربية والأمريكية تتمحور حول ( الفرد ) . ويتربى الفرد فيها ليكون مستقلا ، عليه أن يختار نمط حياته وأن يتحمل مسئولية هذا الاختيار . والتاريخ الغربى فى نجاحاته قام على أكتاف ( أفراد ) . وفى مجتمع يتكون من (أفراد ) أحرار ومسئولين تتجذر الديمقراطية وحقوق الانسان ويصعب أن يخدع الناس فرد ليركب ظهورهم ويكون مستبدا .
2 ـ الثقافة العربية والمصرية تتمحور حول ( الأسرة ) ، وللأسرة كبير هو مصدر السلطة ، وينشأ الطفل معتمدا على هذا الكبير ، أبا وأما . ثم حين يكبر يعتمد على ( الأكبر ) وهو الحكومة ، هى التى تعلمه وهى التى توظفه وهى التى تتحكم فيه وتسلبه حريته وكرامته وحقوقه .
3 ـ ( التحول الديمقراطى ) الذى نرجوه لمصر وللعرب تكمن صعوبته فى كلمة ( تحوّل ) .
3 / 1 : هو ( تحول ثقافى بتأسيس ثقافة الديمقراطية ) بالتعليم والتربية فى البيت وفى المدرسة وفى الإعلام . ( تحول ) يتعلم منه الطفل الديمقراطية والتنوع فى الآراء ، وإحترام الحق فى الاختلاف مع قيم العدل بإعتبار ان الديمقراطية هى ( العدل السياسى ). الفيصل هنا هو منع حاتم وجازم وبات ونهائى لسيطرة الكهنوت ورجال الدين . بدون هذا تصبح الديمقراطية أداة لتكريس الاستبداد وتفريخ المستبدين والفاسدين / ينتخبهم شعب جاهل ، وهذا ما يحدث الآن فى بلاد المحمديين
3 / 2 : هو أيضا ( تحول عملى ) بتأسيس آليات لممارسة الديمقراطية ، تتولى إصلاحا تشريعيا بقيم ديمقراطية سليمة وإعداد القادة وتدريب الممارسة الديمقراطية والاشراف على الانتخابات ومراقبتها ، ونشر الجمعيات الأهلية التى تشجع الأفراد على ولوج العمل العام بما يُحدّ من تدخل الحكومة فى كل شىء تطبيقا للإصلاح التشريعى .
3 / 3 : بدون هذا ستظل الشعوب العربية مثل حالة البنت المُعاقة التى بدأنا بها هذا المقال.
3 / 4 : لم يخلق الله جل وعلا شعوبا مُعاقة ، ولكن الشعوب التى تجعل نفسها مُعاقة .
3 / 5 بمجرد أن يقوم شعب بتغيير نفسه من الإعاقة الى العزة والكرامة فستعززه الإرادة الالهية : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) 11) الرعد ).



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مساجد الضرار من تانى
- كتاب ( البرزخ ) : الكتاب كاملا
- البرزخ ويوم الجمع ( يوم القيامة )
- القاموس القرآنى : ( الأرحام )
- معضلة الزمن فى اليوم الآخر
- البعث وانتهاء علاقتنا بالبرزخ
- علاقتنا بالبرزخ
- ( وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) يعنى : تبليغ ال ...
- تدبر القرآن ليس مهمة النبى عليه السلام
- الأحياء فى البرزخ
- لا جديد تحت شمس المحمديين: من بجكم التركى الى معمر القذافى
- البرزخ بين الموتى ومن يُقتل فى سبيل الله جل وعلا
- هل كان النبى محمد يعلم كل ما فى القرآن الكريم ؟
- رسالة من قارىء ، أكرمه الله جل وعلا :
- الحاكم إن عذّب قومه ، فليسوا قومه .!
- يسألونك عن الوصية
- ( العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية )، الكتاب كاملا.
- خرافة الامام المعصوم
- الاحتضار
- مصر بين المرض والاحتضار


المزيد.....




- السعودية تمنع نقل صلوات التراويح المقامة في المساجد أو بثها ...
- استقبل حالا.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على الأقمار ا ...
- رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالبحرين يدعو إلى ترسيخ ...
- عودة أول وفد يهودي إلى سوريا
- إيران تدرس نقل العاصمة إلى -الجنة المفقودة- على الساحل الجنو ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- شيخ الأزهر يدعو لوضع -دستور أهل القبلة-
- الفاتيكان يلغي ارتباطات البابا فرنسيس الأسبوع المقبل
- الفاتيكان يعلن إصابة البابا فرنسيس بالتهاب رئوي ثنائي
- حرس الثورة الاسلامية يفكك خلايا للتجسس لصالح أميركا واسرائيل ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - تربية الطفل بين مصر وأمريكا