أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح العبيدي - ذكرى ثورة تموز: ليس بالنزاهة يتميّز السياسي















المزيد.....

ذكرى ثورة تموز: ليس بالنزاهة يتميّز السياسي


ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)


الحوار المتمدن-العدد: 5932 - 2018 / 7 / 13 - 09:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في كل مرة تمر فيها ذكرى ثورة تموز 1958 يستعيد الكثيرون "مآثر" قائدها الزعيم عبد الكريم قاسم. هذا العام توفر الذكرى اليوبيلية الستون فرصة أكبر لذلك ، لاسيما في ظل الفوضى السياسية التي تجتاح البلاد حاليا. غالبا ما نقرأ هنا آيات المديح والإشادة بالزعيم. ومن اللافت أنها تركز دائما على نزاهته وعفة يده التي يتبادل العراقيون عنها حكايات الإعجاب ترقى أحيانا إلى الأساطير، وكيف أنه قُتل على يد "رفاقه" من تنظيم الضباط الأحرار وفي جيبه دينار وبعض مئات من الفلسات فقط. نادرا ما يتحدث أحد عن مواهبه العسكرية وانتصاراته في المعارك باعتباره كان ضابطا برتبة رفيعة في الجيش العراقي. وأندر من ذلك أن يتم الحديث عن حكمته ودهائه السياسي وقدرته على إدارة دفة البلاد في فترة عصيبة مليئة بالصراعات التي ساهم هو شخصيا في إشعال بعض نيرانها. صحيح أن النزاهة أصبحت في عراق ما بعد 2003 عملة نادرة بين السياسيين بعد ان اجتاح وباء الفساد بلاد الرافدين، ولكن لا يجوز أن يصبح التعفف عن استغلال المال العام أو نبذ المحسوبية الصفة الأهم للسياسي في هذه الأيام. وفي كل الاحوال لا يمكن تقييم دور شخصية تاريخية مثل عبد الكريم قاسم استنادا إلى سلوكه الشخصي وصفاته الأخلاقية مع تجاهل النتائج العملية لنهجه في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي. غير أن هذه النظرة العاطفية لدى العديد من المحللين والباحثين المعاصرين لها جذور تاريخية في الخطاب والفكر السياسي العربي على الرغم من انتباه مفكرين عقلايين لسطحية هذه الطريقة.
قبل أكثر من ستة قرون لخص العلامة ابن خلدون صفات السياسي الجيد حسب وجهة نظرة عندما كتب في مقدمته الشهيرة :" اِعلم: أن مصلحة الرعية في السلطان ليست في ذاته وجسمه، من شكله أو ملاحة وجه، أو عظم جثمانه ، أو اتساع علمه، أو جودة خطه، أو ثقوب ذهنه." لا يشترط ابن خلدون في الحاكم أن يتفوق بالضرورة على أقرانه في الذكاء أو الشجاعة أو الكرم أو العلم أو البلاغة، وإنما يجب أن يتميّز بأهم صفة وهي "حُسْنُ المَلَكَةِ" والتي يقصد بها فن الحكم والقيادة والمهارة في إدارة شؤون الدولة. لهذا رأى المفكر الشهير في اللجوء إلى القهر والبطش والتعسف مقدمة لإنهيار الدول وتلاشي العمران. هذه الفكرة الخلدونية طوّرها رائد علم الاجتماع ماكس فيبر الذي أكد في عام 1919 في محاضرة له بعنوان "السياسة كحرفة" على ضرورة إعطاء الأولوية لمبدأ المسؤولية على مبدأ الدافع الأخلاقي. ويقصد فيبر بذلك بأن السياسي المحترف مسؤول بالدرجة الأولى عن النتائج الفعلية لسياسته ولا يُحكم عليه بناءً على دوافعه الأخلاقية، أو بكلمات أخرى: يُقاس السياسي بأفعاله وليس بنواياه، أي بعكس القول المأثور "إنما الأعمال بالنيات" والذي كثيرا ما يعتمد عن وعي أو بدونه في تقييم وتحليل المراحل التاريخية المختلفة لبلادنا. ولهذا جعل فيبر من الشعور بالمسؤولية الفضيلة الأهم لأي سياسي محترف وليس مواقفه الأخلاقية والعقائدية والأيديولوجية المعلنة من قبله أو المنسوبة إليه.
من البديهي أن تتوفر في السياسي الناجح صفة "النزاهة". غير أن كل مواطن عادي مطالب من الناحية القانونية والأخلاقية أن يكون نزيها، وبالتالي لا يمكن أن تصبح نظافة اليد وكأنها معجزة يجترحها هذا الزعيم أو ذلك. ولا يمكن أن تكون بأية حال من الأحوال ذريعة للتغطية على أخطائه في إدارة شؤون البلاد والنتائج السلبية لسياسته الداخلية والخارجية أو تهوره في التعامل مع خصومه وحلفائه. من جانب آخر لم تكن نزاهة عبد الكريم قاسم ظاهرة نادرة في تلك الفترة. لقد أرسى النظام الملكي بالتدريج قواعد جيدة تتناسب مع ظروف المرحلة للتصرف بالمال العام الأمر الذي ساهم في الإبقاء على الفساد المالي والإدراي ضمن حدود معقولة. صحيح أن النظام لم يكن ملكيا دستوريا وأن الملك كان يتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة في جانب الصرف أيضا، إلا أن الحرص على المال العام كان أحد المبادئ السائدة حينها إلى حد بعيد. وتكفي هنا الإشارة إلى الحكايات عن ساسون حسقيل أول وزير مالية عراقي ومواقفه أمام فيصل الأول والتي تعكس احتراما كبيرا لميزانية الدولة. لم يكن الملك الشاب فيصل الثاني أو الوصى وحتى نوري السعيد وكثيرون من أقطاب النظام الملكي أقل نزاهة من عبد الكريم قاسم وصحبه. كما أن الضباط الأحرار لم يبرروا انقلابهم على أسلافهم الذين تمت تصفيتهم بطريقة بشعة، لأن هؤلاء كانوا مرتشين أو اختلسوا المال العام وعرفوا بالمحسوبية، وإنما بالدرجة الأولى بتهمة أنهم "أذناب الاستعمار". من هنا يمكن القول إن نزاهة قاسم ورفاقه، وبما فيهم أيضا أعداؤه لاحقا الذين أقدموا على إعدامه بطريقة بشعة أثناء الانقلاب الفاشي في شباط 1963، إنما جاءت في الغالب امتدادا لتقاليد أرساها النظام الملكي قبل أن تبدأ عملية تآكلها التدريجي مع ترسخ مبدأ الانفراد بالحكم بعد ثورة تموز. وهنا بالذات - وليس في النزاهة - تكمن إحدى الخصائص الجوهرية الجديدة لنهج عبد الكريم قاسم التي تستحق فعلا الدراسة والبحث. أما حكاية عدم امتلاكه بيتا أو قصرا خاصا به وتفضيله السكن في وزارة الدفاع، فلا تعود إلى الزهد والتقشف وإنما أولا وأخيرأ إلى كابوس خوفه من انقلاب رفاقه عليه، لا سيما بعدما خبر بنفسه ما حدث في 14 تموز 1958.
لم تلعب النزاهة بالمعنى القاسمي أي دور يستحق الذكر في التقييم التاريخي لقادة دول آخرين ولطغاة ألحقوا بشعوبهم وبالعالم أضرارا فادحة. لم يقرّب مثلا الزعيم النازي أدولف هتلر بعد استلامه للسلطة عام 1933 أقاربه ولم يتكرم عليهم بالمناصب. حتى الآن يتذكر الألمان حكاية ابن عم هتلر المقيم في أمريكا والذي حاول استغلال اسم عائلته للحصول على امتيازات اقتصادية من قريبه الحاكم المطلق في برلين. غير أن هتلر صده بجفاء وعبر عن احتقاره له. لم يُعرف أيضا عن ستالين ميله للمحسوبية، وإنما كان "عادلا" في توزيع قمعه على الجميع. حتى يومنا هذا يتداول الناس قصة رفضه مبادلة نجله الأكبر الأسير لدى ألمانيا مع جنرال ألماني أسير لدى الجيش الأحمر أثناء الحرب العالمية الثانية. ولا نحتاج للحديث مفصلا عن زهد "الولي الفقيه" الخميني في إيران وعزوفه عن مغريات الحياة. لا يمكن بالطبع مقارنة قاسم بهؤلاء، لكن "نزاهة" هتلر وستالين والخميني تبقى مجرد تفصيل ثانوي عند تقييم دور هذه الشخصيات في تاريخ بلدانهم والعالم.
هكذا يجب أيضا التعامل مع أسطورة النزاهة التي لا تزال ترافق عبد الكريم قاسم وتضفي عليه هالة تغطي على جوانب أخرى أهم. لقد مضت ستون عاما على ثورة تموز 1958 وحان الوقت لكي يتصالح العراقيون مع هذا الحدث الهام في تاريخهم المعاصر وأن يتعاملوا بقدر من الحيادية مع أبطال هذه الحدث وضحاياه ودون تحيّز مسبق لهذا الطرف أو ذاك.



#ناجح_العبيدي (هاشتاغ)       Nagih_Al-obaid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صحوة الموت للبرلمان العراقي
- الانتخابات العراقية: العتبة الانتخابية وكثرة الطباخين
- مقتدى الصدر وإغراءات السلطة الكاريزمية
- مصر: هل يُصلح الاقتصاد ما يُفسده السيسي؟
- كارل ماركس: نبيّ رغم أنفِه
- ماركس والعولمة
- هل انتهت الأحزاب في العراق؟
- مدافع ترامب التجارية
- الانتحار بين السياسة والدين (الحلقة الثانية)
- الانتحار بين السياسية والدين (الحلقة الأولى)
- الانتخابات العراقية...الناخب الحائر!
- الخمينية والوهابية تترنّحان
- الجوانب المظلمة لأزمة الكهرباء في العراق
- الفساد بين الحيتان الكبيرة والقروش الصغيرة
- تصدّع البيت الأوروبي
- مسرحية الحريري: التغريد خارج النص
- الميزانية العراقية وعقدة حصة الإقليم
- عندما يحلم العراقي!
- فخ المديونية في العراق
- الدين: محرك أم معيق للتنمية الاقتصادية؟


المزيد.....




- قيادي في “حماس” يكشف لـCNN موقف الحركة من المقترح الإسرائيلي ...
- مصر والجزائر تؤكدان رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم تحت أي ذر ...
- نائب عن حزب الله: نقاش الاستراتيجية الدفاعية يجب أن يكون بعد ...
- -نيويورك تايمز-: هل ستحمي الولايات المتحدة نفسها من رئيسها؟ ...
- أول لقاء بين الشرع والسوداني بعد أشهر من العلاقات الحذرة
- لافروف وروبيو يبحثان مواصلة العمل وصولا لمعالجة موثوقة للأسب ...
- سيارتو: بروكسل منغلقة على نفسها
- مندوب ليبيا بمجلس الأمن: لا حل للأزمة ببلدنا دون سلطة مدنية ...
- الجزائر تطالب بانسحاب القوات الأجنبية من ليبيا والاحترام الك ...
- واقعة صادمة.. مجهول يتسلق سور مدرسة مصرية ويعتدي جنسيا على ت ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح العبيدي - ذكرى ثورة تموز: ليس بالنزاهة يتميّز السياسي