|
من آخرته عاد أبي
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 5340 - 2016 / 11 / 11 - 03:08
المحور:
الادب والفن
وضعنا جثته في القبر..رمينا التراب فوقها باكين، وعدنا.. زاروه..ألقوا على يمينه بدفتر سيئاته..دفتر حسناته كان على اليسار.. سنة واحدة بالتمام والكمال تبقاها هنا، ثم تعود إلى دنياك، قالوا له.. نظر إلى دفتر سيئاته..كان صغيرا جدا..دفتر حسناته كان ضخما.. قال لنفسه: سيئاتي سأمحوها في دنياي الجديدة..ماذا أفعل بحسناتي؟.. فكر..لم يطل تفكيره كثيرا..وجدتها ، قال..سأبيع حسناتي.. *** كل ميت جديد يعرض عليه بضاعته..يغريه بها.. يقول الميت: أشتري..لكن، كيف أدفع الثمن يا ترى؟.. يجيبه: زر أهلك في المنام..مرهم بوضع المبلغ في قبرك..في تربته.. يزور الميت أهله..ويسلمه مبلغ ما اشتراه من حسنات *** انتهت السنة..أخبروه بوقت عودته.. انتظرَ..ما إن حل الميت الجديد حتى كان في قبره..جثته ارتدى..دق بقوة .. قالوا: ما يزال على قيد الحياة..نبشوا القبر وأخرجوه.. وعدهم:بعد يومين أوثلاثة أيم أرجعها إليكم.. غادر المقبرة مودعا إياهم .. لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله ، تركهم يرددون *** فتحنا الباب.. احتضننا واحدا واحدا..ذكر اسم كل واحد منا وهو يحضنه: ابني فلان..ابني فلان.. يبدو أنكم لم تعرفوني، قال لنا.. لم نرك من قبل أبدا أبدا..من تكون؟ أبوكم، أجاب.. أبونا؟ تساءلنا مندهشين.. أجبنا: أبونا مات منذ سنة يا رجل.. أقسمَ: أبوكم أنا والله.. ضحكنا..أحدنا قال: مجنون أنت..من مات لا يعود.. لكنني عدت، قال.. تحدث كثيرا..ذكر الكثير مما هو من خصوصياتنا في علاقتنا به..ذكر لأمنا الكثير مما هو من خصوصيات علاقتها به.. وضع الكيس الكبير على الأرض..فتحه..أموالا غزيرة رأينا.. هي لكم، قال..هي أثمان ما بعته من حسنات في قبري.. نعم، المال أبونا فعلا.. أنت لا، قال أصغرنا.. أقسم مرة أخرى وبكى.. واصل يحكي..عن صغرنا حكى..عن كبرنا حكى..عن أكلنا وشربنا.. عما نحب ونكره ..عن كل شيء، عن كل شيء..ذكرنا بالكثير مما كنا نسيناه.. ما تحكيه يقول بأنك أبونا فعلا..جسدك يقول: لا.. ضحك..نعم، هذا ليس جسدي..لقد لبسته البارحة فقط..جسدي أكله الدود والتراب..هذا جسد غيري، لكنه صار لي.. متعجبين حائرين ذاهلين كنا :كيف يحدث هذا؟..كيف؟.. *** انهض، قالت زوجتي.. نظرتُ حولي: أين أبي؟ سألتها.. حملقت فيَ طويلا.. يبدو أنك قد جننت، قالت.. مذ تقاعدت صرت تخرِّف كثيرا كثيرا، أضافت.. تساءلت صامتا: ماذا لو كان الأمر حقيقة؟..ماذا كنا سنفعل يا ترى؟..ماذا كنا سنفعل؟.. أردفت: ربما عاد فعلا..ربما عاد..ربما.. أغمضت عيني وعدت إلى النوم من جديد..و.. عاد أبي.... أنت أبونا، صدقناك..كيف سيصدقك الناس؟ سألته.. خاصة وقد صرت أصغر منا، أضاف أوسطنا.. سأل أصغرنا: وماذا تفعل بالوثائق التي أنت ميت فيها؟ هذه مهمتكم، أجاب..يمكنكم إعادتي حيا فيها..تعرفون ماذا تفعلون، أكمل.. نرشو ؟..تريد منا أن نرشوَ؟ واجهته.. ليس أمامنا سوى ذلك، أجاب..ولا أعتقد أننا سنضر بأحد ما، واصل.. ضحك أصغرنا: أنت أصغر من أمنا،وأشار إليها، فكيف تكون زوجا لها؟.. بْعيد الشرْ..برَّه وبْعيد، بره وبعيد، صاحت غاضبة أمنا، وحركت يديها كمن يبعد عنه شيئا ما.. ماذا سيقول الناس عنا؟.. أجبت:سيقولون بأنهم زوجوها لشخص هو أصغر منهم ليستولوا على ماله..سيشكُّون ويختلقون أمورا أخرى تسيء لها ولنا.. وماذا أفعل مع نصف منحة تقاعدك التي كنت أستلمها طوال السنة؟ سألت أمنا.. سكت..طويلا سكت.. نظر إلينا عميقا..عيناه كانتا تذرفان دموعا غزيرة غزيرة.. سأغادر، قال.. إلى أين؟ سألناه بفم واحد.. لا أدري..لا أدري، أجاب.. دخلوا وسرت خلفه بحيث أراه ولا يراني.. دخل المقبرة..مسح بكفيه على قبره..إلى القبور الأخرى نظر..سلم على القبور المجاورة ..كنت أراقبه من خلف شجرة السدر العريضة.. حين أنهى سلامه خرج من المقبرة من حيث دخل..مال إلى اليسار وسار..سرت خلفه بحيث لا يراني.. إلى النهر توجه..ووقفت مشدوها حين رمى نفسه في مياهه المتدفقة..انتظرت خروجه لكنه لم يخرج ابدا.. كانت مياه النهر تتدافع بقوة..عيناي كانتا مركزتين على نقطة ارتمائه وما حولها..مرت الساعات ولم يخرج..ضباب كثيف رأيته يصعد من مكان ارتمائه ويتجه نحوي..حف بي من كل مكان ثم راح يعلو ويعلو حتى اختفى تماما.. رفعتِ الغطاء عن وجهي: يبدو أنك ما زلت تهذي..نوض، نوض..راح الحال، نوض.. نهضتُ.. كان الحال يجري..وكنت أجري خلفهُ
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الحب..عن القبائل الأمازيغ في الجزائر
-
الإسلاميون والخوف
-
رمالا تعوي ريح ُ عباد*
-
لنبني حدائق ثقافية لأطفالنا
-
العرب المسلمون يعيشون مخياليا في الماضي
-
بين تقدم الغرب وتخلفنا..الأسباب أساسا
-
تأملات فيسبوكية
-
لماذا نحن لا ننتحر..لماذا هم ينتحرون؟
-
الأقوياء المتنفذون وحدهم من يخدمهم الدين في الواقع
-
لا خروج لنا من تخلفنا إلا بانفتاحنا على الحياة وتفاعلنا مع ب
...
-
من المستفيد من دروس التربية الإسلامية في مدارسنا؟
-
لماذا لم يتحرر المسلمون من استبدادهم ؟
-
عالمنا العربي يتردى أكثر..ماذا نحن فاعلون؟
-
عطشي الأرض..وأمطار يديك النار
-
شيء من العشب..أو ..من دمي
-
واصل غناءك أيها الرمل..واصلي رقصك أيتها النار
-
النهر يعشق أيضا
-
أطلال أخرى..
-
مر من جسدي
-
تلك الرسائل ما أروعها
المزيد.....
-
عــرض مسلسل ليلى الحلقة 24 مترجمة قصة عشق
-
نبض بغداد.. إعادة تأهيل أيقونة العاصمة العراقية شارع الرشيد
...
-
فنانة شابة في علاقة حب مع نور خالد النبوي؟ .. يا ترى مين ضيف
...
-
إيران.. 74 جلدة لنجم شهير حرض على خلع الحجاب!
-
سلي أولادك بأفضل أفلام الكرتون.. اضبط أحدث تردد لقناة كرتون
...
-
انتقادات واسعة للمسلسل العراقي -ابن الباشا-.. هل هو نسخة من
...
-
فنان مصري مشهور يفقد حاسة النطق.. وتامر حسني يتدخل
-
شاهد.. مغني راب يصفع مصارعا قبل نزالهما في الفنون القتالية
-
-أشغال شقة جدا- كاد ألا يرى النور.. مفاجآت صادمة عن المسلسل!
...
-
معرض للفنان العراقي صفاء السعدون بين جدارن جامعة موسكو الحكو
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|