أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر دوري - صدام الهويات المصطنع














المزيد.....


صدام الهويات المصطنع


ثائر دوري

الحوار المتمدن-العدد: 1377 - 2005 / 11 / 13 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كأن قدرنا نحن في سوريا العربية أن نعيش معارك مصطنعة لا طائل من ورائها و لا معنى لها . ....
نبدأ من إشكالية الحداثة و الأصالة ، التي تم اختراعها وخيضت تحت راياتها حرب داحس و الغبراء على مدى نصف قرن ، و ما زال البعض يثير معاركها واضعاً التراث في صدام مع العالم المعاصر ، أو بالعكس واضعاً العالم المعاصر في صدام مع التراث ، مقترحين علينا التخلي عن أحد طرفي المعادلة كي ننهض ، فأنصار التراث يقترحون علينا التخلي عن كل ما أنجزه الفكر البشري منذ أن توقفت حضارتنا عن الإبداع كشرط أكيد لنهوضنا و تجاوز تخلفنا ، و أنصار التحديث المزعوم يقترحون بدورهم أن ننسلخ عن تراثنا و حضارتنا و نتبنى المنجز الحضاري للغير كشرط لنهضتنا !!
في حين أن تجارب كل الشعوب التي نهضت تبين أنها أنجزت نهضتها مستندة إلى تاريخها و تراثها و عاداتها و تقاليدها و بيئتها الطبيعية و الجغرافية مع التلاقح مع العالم المعاصر و الاستفادة من منجزه التقني و الحضاري ....
و كانت ، أيضاً ، ثلاثية القومية ، الإسلامية ، الأممية الزائفة أيضا ، و التي أضاعت جهدنا ووقتنا و أدخلتنا في صراعات لا معنى لها و لا طائل من ورائها . فبعض الإسلاميين وضع الانتماء الديني متعارضاً مع الانتماء القومي و الإنساني ، فعلى حد زعمهم لا انتماء لنا إلا إلى الأمة الإسلامية ، و لا هوية لنا إلا الهوية الإسلامية و تشدد غلاتهم فوسموا بالكفر كل من يقول بهوية غير إسلامية ، و رد القوميون بتصغير الانتماء عبر التشديد على هوية قومية جامعة مانعة لا تقبل بأي تداخل مع الجوار الإسلامي بل هي في تنافر معه ، فلا تصير هوية قومية إلا إذا تنافرت مع الهوية الإسلامية . و دخل الأمميون ساحة الصراع بهوية إنسانية جامعة مانعة لا تقبل أية تمايزات . فخيضت الصراعات و دمرت مقدرات أبناء الأمة على خلفية هذا الصراع الثلاثي . في حين أن المشكلة زائفة أصلاً . فمن البديهي أن لأي كائن بشري عدة هويات لا تعارض بينها في الوضع الطبيعي . خذ ، مثلاً ،إنساناً فرنسياً كاثوليكياً يسكن في باريس ، فهو باريسي – كاثوليكي – فرنسي – أوربي .
تخيل لو أنك طلبت من فرنسي يحمل الهويات السابقة أن يختار بين فرنسيته و كاثوليكيته . أو بين أن يكون فرنسياً أو أوربياً !! و بالتأكيد هو لن يتعامل مع الخيارات المطروحة عليه بجدية ....
أما في وطننا العربي فإن طرح هذه المسائل يكتسب طابعاً جدياً ، فعليك أن تختار هوية واحدة فقط ، و أن تلغي هوياتك الأخرى . فيراد لك إما أن تكون عربياً أو مسلماً مع أنك ببساطة شديدة يمكن أن تكون عربياً و مسلماً في الوقت نفسه . عليك أن تختار أن تكون إما حمصياً أو سورياً (طرح هذا الاختيار على حمصي ففضل أن يكون خبيراً روسياً )
و اليوم يعود بعض النخبة السورية إلى إنتاج طبعة جديدة من هذا الصراع الزائف بين الهويات فحسب زعمهم عليك أن تكون إما سورياً أو عربياً مع أني أستطيع أن أكون سوريا و عربياً في الوقت عينه و أن أنتمي أيضاً إلى حماة أو حمص أو حلب أو دمشق .
يصر هذا الجزء من النخبة السورية على التعامل مع الهويات التي ينتمي إليها الإنسان على أنها انتماءات تسير بخطوط متوازية لا التقاء بينها ، فإذا كنت سورياً لا يمكن أن تكون عربياً و بالعكس ، و إذا كنت عربياً لا يمكن أن تكون مسلماً أو مسيحياً . في حين أن التمثيل الصحيح هو الذي يقترح أن لكل إنسان عدد لا نهائي من الهويات تبدأ من الأصغر و تتوسع نحو هوية أكبر ، و ليس هناك ضرورة أبداً أن يحدث صدام بينها و هذا يقترح تمثيل الانتماء بدوائر داخل بعضها بعضاً فقد تكون دمشقياً فهذه دائرة ، و سورياً وهذه دائرة أخرى ، و عربياً و هذه دائرة ثالثة ، و مسلماً رابعة وصولاً إلى الانتماء الإنساني العام الذي يجمعك مع كل أبناء البشرية .
إن استخدام الهويات الضيقة للصدام مع الهويات الأوسع فعل مضر و غير بريء و لا فائدة ترجى منه سوى تلويث الهوية الصغيرة و تحويلها إلى غيتو محاصر يتعفن تدريجياً و تمتلأ نفوس أبنائه بالحقد و الأنانية و القيح و هو أمر سيسهم في تدمير الهوية الضيقة ذاتها في نهاية المطاف . وفي حال حدوث تعارض مصالح بين الهويات الضيقة و الواسعة ، فإن الهويات الواسعة هي المحقة ، و إذا كنا عقلانين يجب أن نفكر دائماً بمصلحة الجموع الكبيرة فحتى لو خسرت هوياتنا الضيقة بعض مكتسباتها آنياً ، فإن انتمائها إلى هوية أكبر سيعوضها خسارتها عاجلاً أو آجلاً . فالتنازل الذي تقدمه الهوية الضيقة في هذه الحالة عبارة عن استثمار مستقبلي .....



#ثائر_دوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم يتمرد
- لشو الحكي خلص الكلام
- من مطبعة نابليون إلى انتخابات رايس
- تقديس الداعين إلى نموذج الحضارة الغربي على طول الخط
- بوش قصف لويزيانا بالقنابل
- تل عفر تصحح مسار التاريخ بعد مائة عام
- البحث الأمريكي عن إسلاميين معتدلين
- احتلال عقول النخب
- الصغائر و الكبائر عند عمرو موسى
- عصر الظواهر التلفزيونية
- كم هو عدد مساعدي الزرقاوي ؟
- الإحتلال هو اكبر اعتداء على الحرية الفردية و هو مصدر كل الدك ...
- قمة الأغنياء : القضاء على الفقر أم على الفقراء ؟
- خرافة الحرية التي تعم العالم
- تقلبات ا لطبقة السياسية اللبنانية
- نساء علاء الأسواني
- من جديد عن الحجاب ،و التقدم و التأخر ، و الغزو......
- صورة .... صورة :ذاكرة الماضي من أجل الحاضر و المستقبل
- كيف تنتصر حرب العصابات ؟ مختارات من فانون -2-
- مختارات من فرانز فانون


المزيد.....




- موسكو تعرض التوسط بين طهران وواشنطن فيما يخص الملف النووي
- هل تنزلق أوروبا إلى الحرب؟
- اتصالات -سرية- مع زيلينسكي والغموض يكتنف مصير صفقة المعادن
- الشاباك يقر بفشله في منع هجوم 7 أكتوبر.. ويلقي باللوم على حك ...
- بعد تعليقها.. كييف تتوقع الانقطاع في الإمداد بنحو 65% من الأ ...
- بأمر تنفيذي من ترامب.. واشنطن تصنف الحوثيين -جماعة إرهابية- ...
- ما أبرز الفيديوهات المضللة التي انتشرت عن الدروز واشتباكات ج ...
- خلال اتصال ستارمر.. زيلينسكي يبدي رغبته في تصحيح العلاقات مع ...
- تحضيرات لقمة ثلاثية تجمع قادة الجزائر وتونس وليبيا في طرابلس ...
- إعلام أوكراني: دوي انفجارات قوية تهز مقاطعة دنيبروبيتروفسك


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر دوري - صدام الهويات المصطنع