|
المرأة العربية .. من قيد المجتمع لقيد الكتابة
رضوى الأسود
الحوار المتمدن-العدد: 5013 - 2015 / 12 / 14 - 12:13
المحور:
الادب والفن
على الرغم من تحسسى الشديد لمصطلح "أدب نسوى" لما يضمره من تمييز مبنى على أساس "جنس" الكاتب، وهو إصطلاح لا يخلو من خبث ويفتقد للموضوعية بما أن صفة الأنوثة تشكل قيداً على المرأة فى مجتمعاتنا العربية، فبالمثل هذا المصطلح ما هو سوى قيد جديد مُضاف، إلا أننى مع رواية "أحببتك أكثر مما ينبغى" للروائية السعودية أثير عبد الله النشمى، أحسست بأن هذا المصطلح يحاصرنى عند منعطف كل حرف. هذا النوع من الكتابة التى تنتصر للمرأة المظلومة أمام الرجل الظالم هى نتاج القهر والقيود المجتمعية التى تجعل المرأة أحادية النظرة، وبالتالى يتم تحديد أفق الإبداع، فيصبح ضيقاً مغلقاً كما مجتمعه. الرواية برمتها تدور فى فلك قصة حب مريض لبطلة ترى أنها أحبت "أكثر مما ينبغى" رجلاً منحها "أقل مما تستحق". امرأة هى تجسيد كامل للإنسحاق والذل أمام رجل أنانى، مُتملك، يتركها طوال الوقت معلقة بين السماء والأرض، وحتى حينما هجرها بكل خسة، يعود ليحوطها من كل جانب لتظل ملكاً من أملاكه ممنوع الإقتراب منه، وعلى الرغم من كل ذلك، فهى لازالت تحبه، حتى أنها تنهى الرواية بعبارة: "لن تنتهى"! نحن طوال الوقت أمام علاقة غير طبيعية تؤكدها الراوية/البطلة ذاتها: "مريض بساديتك ومريضة انا بمازوشيتى"، "أرى فيك أحياناً سادية عجيبة وأرى فى نفسى خنوعاً مؤلماً"، "علاقة غير سوية .. تحطمنى .. تحرق حطامى وتدوس على رفاتى". وعن شكل علاقتها به تقول: "عرفت أننى على إستعداد أن أكون الثانية .. الثالثة .. الرابعة"، "لم أحلم يوماً بأن تليق بى .. كنت راضية بما سأبدو عليه ما دمت طرفاً فيها .. كان المهم عندى أن أكون طرفاً فيها". أعتقد أنه بعد عبارات كهذه، لن نغفر لها رداً من نوع أن الحب إجابة وليس سؤالاً ، وبالمثل سيصبح صعباً قبول المقولة التى تؤكد أن بداخل كل امرأة أم، وبداخل كل رجل طفل. مشكلة البطلة مع حبيبها لا تكمن فقط فى كونه رجلاً سادياً كان أو مغروراً "تظن أن البشر يدورون فى فلكك، وبأنك الشخص الأهم"، لكن تمتد لكونه شرقياً، حاملاً على كتفيه إرثاً من التخلف والرجعية يكبلاه اينما حل، وبرغم إقامته فى كندا لعشر سنوات، وهنا تصبح الإشكالية مركبة: "أنت أيضاً تعانى من الفصام الإجتماعى الذى يعانى منه أغلب أفراد مجتمعنا، لست إلا صورة مكررة من شريحة لطالما تبرأت منها". هذه الشرقية التى تجعله ينتفض من فكرة أن تكون أخته فى حالة حب مع أحدهم، التى تجعله، وهو العربيد الذى يضاجع النساء ويعاقر الخمر، يكتب مقالاً عن الأخلاقيات التى يجب أن يتحلى بها العربى المغترب، وفيها ينهى عن مثل هذه الأفعال، والتى تجعله يخجل - وهو الكاتب والشاعر- من أن يعرض على حبيبته نصوصه التى يكتبها، بل أنها تكتشف أنه يعزف موسيقى لجيرانه فى السكن، ولم تكن تعلم شيئاً عن موهبته هذه! إنها عقد الشرقى الذى يكتم ولا يفصح، فقط رغباته الجنسية يفصح عنها ويبررها حينما يخونها مع أخرى: "أفرغ ما فى قلبى لامرأة طاهرة، فى جسد امرأة عاهرة"! فى مشاعر البطلة تناقض عجيب، لا نعلم هل مرجعه عدم نضج الكاتبة/البطلة أم تعمد تقديم البطلة كشخصية مهزوزة، فهى مثلاُ تقول: "علاقة كهذه لا ترضى امرأة مثلى" وهى غارقه فى حبه حتى النخاع، "أى قدر ظالم هذا الذى يأبى أن يمنحنى قلباً أستحقه" وهى تعلم أنه شخص سادى يمنحها أقل مما تستحق، تصف نفسها بأنها "ترضى بالقليل" وفى السطر الذى يليه تصف نفسها بأنها "مغرورة". تكرار المفردات والعبارات بشكل زائد عن الحاجة ويبعث على الملل: "مهووسة أنا بك .. أحبك إلى درجة الهوس .. الهوس الذى لا أطيقة"، "فى أعماقى قهر يقتُل .. سيقتلنى القهر يا عزيز .. تدرك بأننى سأموت قهراً". أيضاً "عزيز" أكثر كلمات الرواية تكراراً، وكأنها تأكيد على السادية بإستعذاب ذكر اسمه ليخفق قلبها دوماً من ذكراه .. مهما كانت موجعة. فقط الثلث الأخير من الرواية يعج بالإقتباسات بشكل إستعراضى، فكانت تضع الواحد وراء الآخر كما لو كانت خائفة من أن تنتهى أحداث الرواية قبل أن تضعهم كلهم فيها. الكاتبة متأثرة بشكل كامل بأحلام مستغانمى، لكن ربما لخصوصية مجتمعها أو لصغر سنها، جاءت الرواية نسخة مقلدة وليست أصلية، باهتة حتى فى تقليدها لأكثر عبارات أحلام تأثيراً فى ذاكرة قرائها. وسواء إتفقنا أو إختلفنا على موهبة أحلام مستغانمى، لكنها تعد بحق الروائية التى جعلت من اللغة البطل الأساسى، حتى أننى استطيع أن أقول بمنتهى الثقة أنها أثرت على جيل أو ربما أجيال كاملة أتت من بعدها، واستخدمت نفس أسلوبها: الشاعرية، التلاعب بالألفاظ حد السفسطة أحياناً كثيرة، إستخدام التناقض لإبراز المعنى، إنها اللغة وسحرها الذى يحاصر صاحبه فيدور فى فلكه ولا يستطع التخلص منه. لكن تظل أثير بطلة فى تحديها لمجتمعها المتشدد الذى لم يمنح المرأة الحق فى قيادة السيارة حتى الآن! هى تُعد وبحق ثائرة جريئة على تقاليد وأعراف قاهرة.
#رضوى_الأسود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين براعة السرد و الحدث المستهلك
-
مهاباد .. وطن من ضباب
-
حينما تصبح الكتابة فعل تعر داخلى
-
أفغانستان .. هل ستشرق شمسك يوماً ؟!
-
عدّاء الطائرة الورقية .. مرثية وطن كان يوماً
-
تراجيم العشق
-
شوق الدرويش .. الهوس الدينى مقابل الهوس بالمحبوب
-
منافى الرب .. حينما يحتفى الموت بالحياة
-
إن كانت ثورات -الربيع العربى- صنيعة صهيوأمريكية .. فماذا نحن
...
-
عن الإخوان والإعلام وحماس ومصير الثورة
-
دستور غير دستوري
المزيد.....
-
آل الشيخ يقرر إشراك الفنان الراحل سليمان عيد في إحدى مسرحيات
...
-
نظرة على فيلم Conclave الذي يسلط الضوء على عملية انتخاب بابا
...
-
فنان روسي يكشف لـCNN لوحة ترامب الغامضة التي أهداها بوتين له
...
-
بعد التشهير الكبير من منع الفيلم ونزولة من جديد .. أخر إيراد
...
-
على هامش زيارة السلطان.. RT عربية و-روسيا سيفودنيا- توقعان
...
-
كيف كسر فيلم -سينرز- القواعد وحقق نجاحا باهرا؟ 5 عوامل صنعت
...
-
سيمونيان تكشف تفاصيل مذكرة التفاهم بين RT ووزارة الإعلام الع
...
-
محمد نبيل بنعبد الله يعزي في وفاة الفنان المغربي الأصيل الرا
...
-
على هامش زيارة السلطان.. RT Arabic توقع مذكرة تفاهم مع وزارة
...
-
كيف تنبّأ فيلم أمريكي بعصر الهوس بالمظهر قبل 25 عامًا؟
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|