|
إيسِف / مُحاولات قصصية 7
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 5005 - 2015 / 12 / 5 - 18:25
المحور:
الادب والفن
كانتْ الحكومات العراقية ، أبانَ العهد الملكي ، تلجأ الى مُعاقبة الضُباط الذين لاتثق بولاءهم ، ولا تأتمنهم على قطعات الجيش ، فتقوم بإبعادِهم وتعيينهم " ضُباطاً للتجنيد " في الأقضية النائية والبعيدة عن مَحل سكناهُم .. فترى على سبيل المثال ، ان " رئيساً " أي ضابطاً بثلاث نجوم ، أو نقيباً بلُغة اليوم ، أو حتى من ذوي الرُتَب الأعلى ، يُنقل الى تجنيد قضاء العُمادية ، ليصبح ضابطاً للتجنيد . وبالفعل ، فلقد تسَلم الرئيس عبد الجبار ، تجنيد العُمادية في ربيع 1939 . وهو بالأصل من أبو الخصيب العائدة الى البصرة . وكانتْ المهام التي تقوم بها دائرته ، هي سَوق المُكلفين بالخدمة العسكرية ، ضمن حدود قضاء العمادية المترامي الأطراف ، وتسريح الذين إنتهتْ مُدة خدمتهم .. ولكن كانتْ دائرة التجنيد ، في ذلك الوقت تقوم بمهةٍ أخرى ، وهي إرسال البريد الى " الشُعبة الثالثة " في وزارة الداخلية عن طريق لواء الموصل . والشعبة الثالثة ، كانتْ بمثابة ، المُديرية العامة للأمن في بغداد ، ولأنه لم تَكُن هنالك فروع لدائرة الأمن في الأقضية والنواحي ، فأن ( المُخبِرين ) ، كانوا يُسّلمون تقاريرهم ، الى مُدير التجنيد أو ضابط التجنيد ، الذي يقوم بإرسالها الى الجهات المُختَصة . الرئيس عبدالجبار ، كانَ إنساناً مُحتَرماً ، مُستقيماً نزيهاً ، لايقبل " الناقصة " من أي أحد ، وبسبب هذه الصفات ، ولإصطدامهِ مع رؤساءهِ ، فلقد عُوقِبَ ونُقِلَ من البصرة الى العُمادية ، أي من أقصى الجنوب الى أقصى الشِمال . كانَ الرئيس عبدالجبار ، يَطّلِع خِلسةً على التقارير التي يجلبها المُخبرون ، قبلَ إرسالها الى الموصل ، فإسترعى إنتباههُ ، ان تقريراً كانَ عن إجتماعٍ لخَلِية تابعة لحزبٍ سرّي ، إسمه حزب " هيوا " أي : الأمَل ، وأن المُخبِر ( محمود رمضان ) عضوٌ في ذلك التنظيم ، وأن المسؤول عنهم شخصٌ إسمهُ ( إيسف ) . كان عبدالجبار ، قد تعّرَفَ قبلَ أسابيع ، الى " إيسف " في سوق العُمادية ، وأصبحَ يزوره بين يومٍ وآخَر في دكانهِ ، لأن إيسف كان يتكلم العربية بصورةٍ جيدة ، وإرتاحَ إليهِ عبد الجبار ، لا سيما عندما إكتشفَ ، ان إيسف ، يكتب العرائض للفلاحين والقرويين ، بلا مُقابِل ، ويدلهُم على السُبل التي يستطيعون من خلالها ، نَيل حقوقهم من الإقطاعيين الآغوات . بعثَ عبدالجبار ، أحد المنتسبين لإستدعاء " إيسف " على الفور . إستغربَ الرجُل لأنها كانتْ المّرة الأولى التي يستدعيهِ فيها ، عبد الجبار وبهذه الطريقة . قالَ له الرئيس عبد الجبار : هل تعرف ماهذه الورقة التي معي ؟ لم ينتظر إجابة إيسف ، وأردف : أنها ياعزيزي ، نسخة من محضر الإجتماع الذي عقدتموهُ ليلة أمس ، في منزل نسيبك " مارف " ! . تفاجأ إيسف وإكفهرتْ سحنتهُ ، وقال : كيف ؟ . أجاب عبد الجبار : أن رفيقكم المدعو " محمود حجي رمضان " هو مُخبِر عائدٌ للأمن ، وكما يظهر ، ان هذا التقرير هو الثاني ، فكما يبدو انه بعث التقرير الأول قبل شهرَين في زَمن ضابط التجنيد الذي قبلي . بعثتُ وراءك بِسُرعة ، حتى تكون حذراً ، لأنني مُضطرٌ أن أبعث هذا التقرير الى الشُعبة الثالثة ، فأنا نفسي مُراقَب ! . نهضَ إيسف مُرتبكاً ، صافحَ عبد الجبار وشكرهُ على موقفهِ النبيل ، وخَرَجَ . ........................ في نفس الليلة ، عقد " إيسف " إجتماعاً لخليتهِ الحزبية ، بِسريةٍ تامّة ، من دون " محمود رمضان " .. وشرح للأعضاء الثلاثة الآخَرين ، ما حصل تماماً ، فقرروا فَصل محمود ، وإعتباره خائناً . كما إتفقوا على إيقاف نشاطاتهم ، لِفترة ، لتبيان ما سوف يحصل من تطورات .
إبتداءاً من اللحظة ، التي قامَ فيها ، ضابط التجنيد الرئيس عبدالجبار ، بتنبيه إيسف ، من ان هنالك مُندَسٌ داخل التنظيم المُسمى " حزب هيوا " .. فأن إيسف أصيبَ بِصدمةٍ كبيرة ، إذ لم يكُن يتوقَع بأي حالٍ من الأحوال ، أن صديقهُ محمود حجي رمضان يمكن ان يخون .. وأن يصبح جاسوساً للجهات الأمنِية ! . في اليوم التالي ، إلتقى إيسف بمحمود ، وحاولَ جاهداً أن يبدو طبيعياً ولا يُظهِر مشاعر الإستياء والغضب والخيبة ، وأخبرهُ ، بأنهُ قّرَرَ حَل التنظيم ، لأنه توصّلَ الى قناعةٍ بِلا جدوى هكذا تشكيل سياسي ، وخاصةٌ بإحتمال وجود مخاطِر جدية عليهم ! . لكن بالرغم من كُل الإحتياطات .. فلقد اُلقِيَ القبض على " إيسف " بعد أسابيع ، أي في بداية عام 1940 ، بتهمة الإنتماء الى تنظيمٍ محظور مُعادي للدولة ، وحُكمَ عليهِ بالسجن لمدة سنة .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
( دينو ) يحلُ مَشاكِل الأقليم
-
المعركة مُستَمِرة
-
إستقبالٌ - جماهيري -
-
يوميات مُوّظَف كُردستاني
-
حذاري من الفتنةِ في خورماتو
-
تحريرُ سِنجار
-
الكانتونات ... هل هي حَل لمشاكِل الأقليم ؟
-
بعض ما يجري في أقليم كردستان
-
الإنتخابات التُركية : - صَلعتهُم - و - كَرعَتنا -
-
من الله التوفيق أولاً وأخيراً
-
وزيرة الدفاع الألمانية .. ولبن أربيل
-
أقليمٌ - مُنتهي الولاية - !
-
إطلالةٌ على المشهد في الأقليم
-
إيجابيات أوضاعنا الراهِنة
-
بين أربيل والسليمانية
-
الذُباب .. ومُؤخرة الحكومة
-
لايُمكِن أن يستمر الوضع هكذا
-
الغَضَبُ والعَجز
-
أينَ هي الحقيقة ؟
-
هل تعرف الحِساب ؟
المزيد.....
-
فنان سعودي شهير يتعرض لظرف صحي طارئ يتسبب بإلغاء التزاماته ا
...
-
هذا ما قالته وزيرة الثقافة الفرنسية في ختام زيارتها إلى الصح
...
-
زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية إلى الصحراء الغربية: علامَ الغض
...
-
قطر تختتم النسخة الأولى من مسابقة -الرقيم- الدولية للخط العر
...
-
اليونان تفتتح العام المقبل متحفا للآثار البحرية قرب أثينا
-
رشيدة داتي .. وزيرة الثقافة الفرنسية أول مسؤولة تزور الصحراء
...
-
الممثل الأميركي جيري ساينفيلد: لا أهتم بفلسطين
-
ماذا قالت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي أثناء زيارتها لم
...
-
بينالي الفنون الإسلامية : كسوة الكعبة تعرض لأول مرة
-
-سأحرقكم جميعا بنار الجحيم-.. زوجة النجم التركي أوزغان دينيز
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|