أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض محمد رياض - القرد 02














المزيد.....


القرد 02


رياض محمد رياض

الحوار المتمدن-العدد: 4861 - 2015 / 7 / 9 - 04:13
المحور: الادب والفن
    


استقل عم (عبد التواب) دراجته وانطلق ليوصل البريد إلى أصحابه، ساعي بريد منذ كان في العشرين من عمره ، والآن وهو في الخمسين لم يطرأ عليه أي تغير، نفس درجة الوظيفة ، نفس الراتب بالإضافة لبعض الحوافز التي زادت ليلتهموها برفع الأسعار وطلب تجديد بطاقة الهوية و زيادة أسعار كل الأوراق و الاستمارات الحكومية .
في نظره ليس هناك تغيرات طرأت على الحي الذي يعمل فيه لثلاثين عاما ، منذ ثلاثة عقود والمنازل كما هي في أماكنها، و الطرق كماهي بذات الحالة نصف المرصوفة ، واجهات البيوت لم تزد نظافة بل العكس ،بعض الصبيان الذين كانوا يلعبون هنا وهناك كبروا وسافروا إلى الخارج و عادوا ليبنوا أبراجا سكنية و يعيشون على رواتب إيجارها ، إنه ذاهب لتوصيل البريد في أحد تلك الابراج. الطريق كما هو لم يتغير ، لم يتبدل عمود إضاءة ، دكان الحاجة (عطيات) كما هو، الستار مسدلة على المدخل وقت الصلاة ، والحاجة (عطيات ) بالداخل تتوضأ ، وتؤدي صلاتها في خشوع ،كل شيء كما كان ، أو هو يتمنى أن يظل كل شيء كما كان.
أمام العمارة بالغة الإرتفاع ، يوقف دراجته ، عند المدخل يسند الدراجة إلى الحائط ، ويعتلي الدرج، عند المدخل لا يرى حارس العقار ، نظر الى الدراجة ، لم يعتاد أن يتركها دون أن يغلق قفلها لكنه لن يتأخر، و دلف إلى الداخل . المصعد خال لكنه يهاب تلك الأشياء ، سمع أن رجلا تعطل به المصعد، ظل طوال اليوم داخله يصرخ ويستنجد بالبواب الذي لم يكن موجودا ، لذا هو لا يحب أن يمر بتجربة مماثلة، خاصةً أنه لم يسمع ماذا حدث بعد ذلك فالأمر الماثل في ذهنه أن الرجل ما زال عالقاً في المصعد.
صعد وصعد ، الصحة لم تعد مساعدة لكنه العمل ، ثم الطابق الخامس، وأمام الشقة رقم تسعة توقف ، نظر إلى المظروف ثم أخرج قلما و دفتراً ضخماً من الحقيبة على كتفه ، دق الباب بقبضات متوالية ، لا أحد يجيب والباب يتراجع للخلف قليلاً ، لم يكن محكم الإغلاق ، رائحة كريهة، كريهة جداً ، تنبعث من الداخل ، وصوت أنين آدمي يصل إلى مسامعه ، انزعج الكهل الطيب ، فدفع الباب وخطى نحو الأمام ، داخل الشقة الرائحة لا تطاق ، الأنين يصدر من هناك ، إنه الحمام ، ولى شطره وتحرك بخطوات مترددة تجاه الحمام و أخذ ينادي:
- " يا أهل البيت، يا أهل البيت، هل من أحد ؟ ،يا أهل البيت . "
الأنين يقترب ، الأنفاس اللاهثة الباكية وصوت النشيج ، دفع باب الحمام ليجد شاباً في عمر ابنه ، ابن السبعة عشر عاما ، جالساً القرفصاء في المغطس يرتدي فانلة بحملات و بنطلون جينز ، و يبكي ، يبكي بإصرار وعنف ، في حالة هسترية يصعب إسكاته ، و على جسده آثار تعذيب و ضرب و ..
- " من أنت ؟ "
كان هذا الصوت الخشن لرجل يقف خلف عم (عبد التواب) ، رجل متجهم الوجه ، وفي يده حزام عريض و يدفع عم (عبد التواب) خارجاً ، و رجل البريد يصرخ فيه :
- " أنُزعت الرحمة من قلبك ؟ أليس هذا ابنك ؟ قطعة منك ! "
الرجل يدفعه بغلظة للخارج ويلومه على الدخول ، رجل البريد يفقد أعصابه و يقذف بالمظروف في وجهه ويسب ويلعن في الرجل ، الذي يدفعه خارج الشقة ، ويلقيه نحو السلالم ، ويغلق الباب بعنف ، يتعثر عم ( عبد التواب )على الدرج ، و يقف حائراً ، يسب و يلعن ، " هذا المتغطرس ، انتقم الله منك ."
و في الداخل كان انتقام الله ينفذ . يستدير الرجل عائداً ليذيق ابنه الويل و يستكمل ما بدأه معه ، و في التلفاز يهدر صوت المذيعة الحسناء وهي تلقي النشرة الإخبارية ، و الوالد يحكم قبضته على أداة تعذيب أخرى سير غسالة ، و الفتى يصرخ ويستنجد ويبكي . عم (عبد التواب) في الخارج يركل الباب بعنف و يصيح :
- " أليس لهذا الفتى من أم ؟ أين الجيران ؟!! "
وفي الداخل حدث شيء غريب ، ظل عملاق ظهر فجأة على الحائط المقابل للرجل في الحمام ، و الوالد يصرخ في ابنه :
- " أين صرفت النقود ؟ يا بن ال.... "
ويرفع ذراعه بقوة ، ثم يتوقف وينصت ، الولد يبكي و الرجل يستدير خلفه سريعاً فلا يجد شيئاً ، و كائن أسود يمر في الصالة ، يخرج الوالد ليرى ماذا هناك ، هل عاد رجل البريد ثانية ؟ والفتى يتبعه وهو يكفكف دموعه ، لقد أغلقت الباب جيدا كيف دخل الرجل إذن ؟هذا المتطفل يجب أن .. وبينما الرجل يخرج من الممر الذي يربط بين الحمام والمطبخ والصالة إذ بشيء عملاق يقفز عليه ، الرجل يصرخ في هلع ، هذا كائن غريب ، يسقط الرجل أرضا و الكائن فوقه ، يجره الكائن بأنيابه ومخالبه إلى وسط الصالة ، السير بيده يلقيه على الأرض و يحاول أن يدافع عن وجهه ويستنجد و يمد ذراعه نحو ابنه ، الذي وقف مصدوما لا يدري ماذا يفعل ، أظافر هذا الكائن الشبيه بغوريلا متوسطة الحجم تمزق وجه الرجل ، الفتى يخرج من دهشته ويعي الموقف ، يهرع مسرعا يفتح الباب و يهرب، خارج الشقة يصطدم الفتى بعم ( عبد التواب) ، الرجل يسقط ويقوم ينادي على الفتى ليطمئنه لكن الفتى كان قد وصل إلى الطابق السفلي ، الهلع والذعر والخوف و الرعب كل هذا حوله لأداة جري ممتازة ، لقد جاءته الحرية على طبق من فضة ، لكن أباه الآن تحت رحمة وحش ما و لا يعلم مصيره إلا الله .
رجل البريد يدخل مسرعاً ليرى ماذا هناك ، يجد ظل أسود جاثم على جسد آدمي . هذا الظل الأسود منهمك في تناول غذاءه . يصرخ عم عبد التواب ويعود للخلف . عينا الوحش تصطدمان بعينيه ، ناباه يهزان قدميه ، مخلباه يرجفان يديه ، ينظر الرجل للخلف ثم يجري هاربا ، يتدحرج على الدرج الذي صعده راجلاً مرة واحدة وهبطه مستلقياً على ظهره آلاف المرات إلى الآن ، لكن على ما يبدو أنها الأخيرة ، فالرجل يشهق في عنف ، تتألق عيناه ، يشخص بصره و لا يسمع نبض قلبه ، المظاريف متساقطة حوله وهو ممدد على درجات السلم خارج الشقة و الوحش يلتهم آخر داخل الشقة و المذيعة في التلفاز تتحدث عن محدودي الدخل و أهمية الرفق بالحيوان .



#رياض_محمد_رياض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرد 01
- في أول الدرب جلسنا ثملين
- دعوا الخيال للفقير !!!
- زوربا اليوناني
- نورٌ و دماءْ و قبورٌ في السماءْ
- لقد حلمتُ بكِ للتوِ
- للموتِ وجهٌ يحملُ صورتي
- التفوه بالحقيقة
- عن التعددية الجنسية و السرد القصصي


المزيد.....




- سفيرة الفلكلور السوداني.. وفاة المطربة آسيا مدني بالقاهرة
- الفنان وسام ضياء: الدراما عليها الابتعاد عن المال السياسي وع ...
- لون وذاكرة.. معرض تشكيلي لفناني ذي قار يشارك فيه نحو 60 فنان ...
- إطلاق الدورة الـ14 من جوائز فلسطين للكتاب
- وفاة المطربة آسية مدني مرسال الفلكلور السوداني
- ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة ...
- -شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
- أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
- الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم ...
- التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض محمد رياض - القرد 02