|
!! .. حرب المعيز
ياسر العدل
الحوار المتمدن-العدد: 1327 - 2005 / 9 / 24 - 09:38
المحور:
كتابات ساخرة
من المؤكد أن العنز والظباء والغزلان آثرت العيش فى الجبال والصحراء، وتركت براح قريتنا خالصا للماعز والمعزة والمعيز، تعيش مع أطفالنا فى البيوت والحقول، تلقى قليلا من رعايتنا، ونذكر سيرتها عند الحروب. كانت خالتى نزهة امرأة تعيش متعاونة مع الجميع، تشتل الأرز فى حقل هؤلاء مقابل أن يساعدوها فى جنى القطن من ربع فدان تملكه، تخبز العجين لهؤلاء مقابل أن يساعدوها فى غسل الأوانى والهدوم، تطلق الزغاريد والعويل عند كل فرح ومصيبة تحل بقريب أو غريب، وفى مساء كل يوم تدخل زريبة الحيوان أخر دارها لتتأكد من مبيت ثلاث معيز عجوز ورابعة بيضاء شابة ترعاها لحساب بعض الأغنياء. فى البكور من صباح يوم بعيد، مأمأت المعزة البيضاء عند الباب الخلفى للزريبة معلنة أنها تخرج سعيا وراء الرزق فى براح قريتنا، يحيط رقبتها حجاب متين ضد الحسد ونهش السبع والسقوط فى آبار السواقى، وبرغم أن قريتنا مليئة بأطفال ومعيز تدربت جميعها على أن تعود كل مساء لبيوتها وزرائبها، وبرغم أن ذلك اليوم كان صيفيا دون شتل أو حصاد، تراص فيه أهل قريتنا على أعتاب البيوت والمصاطب يتشاغلون بالحديث والنميمة ومراقبة الجميع، إلا أن المعزة البيضاء لم تعد فى مساء ذلك اليوم لزريبة خالتى نزهة. فى صباح اليوم التالى أعلنت خالتى نزهة عن مكافأة كبيرة، قرشين صاغ فضة لمن يأت بمعزتها البيضاء، واستأجرت اثنين من شباب النداهة ودعمتهم بثالث محترف، دفعت لكل منهم أجرا خمسة أرغفة من عيش القمح الطرى وثلاث بيضات دجاج وزادت المحترف بقطعة جبن قديم، وانتشر أطفال خلف النداهة يجوبون أرجاء القرية يسألون أولاد الحلال عن أراضى المعزة التائهة، وبرغم فداحة الأجر وانتشار الخبر وحلول المساء إلا أن المعزة البيضاء لم تظهر لها أية ارض. فى ضحى اليوم الثالث، كانت الأخوات والصديقات قد ملأن وسط دار خالتى نزهة، يندبن المصيبة ويستعرضن الحلول، ولمعت فكرة فى بعض الرؤوس، ضرورة إيجاد ولد طاهر لم يبلغ الحلم وقريب لصاحبة المعزة، يفى بمتطلبات الشيخ مفتاح فى عقد جلسة استكشاف ترصد موقع المعزة الفقيدة، ولما كانت خالتى نزهة لا تنجب الذكور، اتفق الجميع على تنفيذ الخطوة الأكثر فاعلية. كنت فى الحادية عشر من عمرى لم ابرح بعد صفات الطفولة، ألاعب صغر المعيز واحب العسل الأسود وحجر الكراملة، وحين وعدتنى خالتى نزهة بتلبية كل ما احب وزادت فوقه ثلاث بيضات دجاج، امتثلت لأمى صاغرا فى أمور الاستحمام وارتداء جلباب ابيض وطاقية بيضاء، والسير بصحبة خالتى منتعلا قبقابا من الخشب. سلمتنى خالتى للشيخ مفتاح ولدا كامل المواصفات، وجلست فى صحن داره ومعها ولد من أترابى ليس من أقاربنا، وتركتنى أدخل على الشيخ لأراه مرتديا طاقية خضراء جالسا فى قاعة طينية هادئة تدخلها شمس العصارى من كوة عالية، أمسك الشيخ بكفى الأيمن وتمتم بكلمات ثم مسح رأسى بيده اليمنى وتمتم بأخرى، وطلب منى إغلاق عينى، وفى رتابة مع صوت خافت استمر يردد أدعية وتراتيل، وحين أصابنى هدوء مناسب طلب منى متابعة خطوات معزة خالتى فى المساحة المنبسطة أمام عينى، وبعد محاولات منى فى التركيز أخبرت الشيخ بأننى لا أرى غير مساحة بيضاء خالية تطير فيها ما يشبه ذبابة أو ذبابتين، وحين أخفقت جهود الشيخ واستعطاف خالتى فى أن أرى مزيدا من الأشياء، دفع الشيخ بجسدى مؤكدا أننى ولد نجس وروحى متمردة لا تصلح فى جلسات الرؤية، فدفعت خالتى له بذلك الولد الآخر، وأثمرت المحاولات مع الولد الأخر فأدلى بمواصفات عنزة بيضاء تدخل منزلا بعينه. مرت دقائق على نتائج جلسة الرؤية، انتشرت بعدها معارك بين خالتى نزهة وبين كثير من أهل القرية، سقط فيها قوم كثير متهمون بسرقة النحاس وخيانة العهود وتسميم الحيوان، دون أن يتهم أحد من أهل قريتنا بذبح المعيز0 مرت سنوات صارحنى بعدها أحد أقربائنا من اللصوص بأن لحم المعزة البيضاء لخالتى نزهة كان لحما طيب المذاق، من يومها رأيت أن إبداء الرأى فى جلسات مكاشفة عن المصائب والحروب، أمر تحيط به كثير من الطقوس تبرر عدم الشفافية والصمت الجليل0
#ياسر_العدل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
!! .. شحّاتين الّطرب
-
مطرب .. بالصدفة!!
-
!!.. ورم تلفزبونى خفبف
-
الموت .. فى عبوات مزركشه
-
حظك00 يا برج الحمار
المزيد.....
-
سينمائيو ذي قار يردون على هدم دور السينما بإقامة مهرجان للأ
...
-
بحضور رسمي إماراتي.. افتتاح معرض -أم الأمة- في متحف -تريتياك
...
-
مسلسل مصري شهير يشارك في مهرجان أمريكي عالمي
-
-الشرارة-.. فيلم يوثق اللحظات الأولى للثورة السورية في درعا
...
-
يحقق في اليوم الأول 5 مليون ريال سعودي .. فيلم إسعاف يتقدم ف
...
-
ينطلق 8 مايو المقبل.. 522 دار نشر من 43 دولة تشارك بمعرض الد
...
-
العبث واللامعقول في حرب السودان.. المسرح يمرض لكنه لا يموت
-
مصر.. توقف قلب فنان مشهور 4 دقائق وتدهور حالته الصحية
-
ملابس تحمل بطاقات مكتوبة باللغة العبرية تثير جدلا واسعا في ل
...
-
كتاب جديد يستكشف عالم الفنانة سيمون فتال
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|