|
سوريا العواصف والمذابح (1)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4516 - 2014 / 7 / 18 - 10:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظهر العلويون كمذهب إمامي أكثر تطرفاً من الجميع. كان هذا يعني عزلة شديدة عن القوى السكانية الأخرى، وهم المسلمون الآخرون، والمسيحيون، والتحديثيون. لم تستطع القوى المدنية مع استقلال الدولة السورية أن تقوم بأية إصلاحات ديمقراطية، سواءً على مستوى الزراعة بتغيير علاقات الإقطاع، أم بتطوير الصناعة تطويراً جذرياً. وكانت فترة الخمسينيات قد شهدت مرحلة ديمقراطية مهمة، لكن حكم الوحدة المصرية - السورية كرّسَ الاستبداد، وبداية تكوين رأسمالية الدولة على غرار مصر، واستغل البعثُ ذلك ليثب إلى السلطة فتم تعطيل الدستور وإقامة حكم الطوارئ. وكان ما يُسمى الخيار الاشتراكي محاولة لتجذير رأسمالية الدولة، وبدأ بهذا العلويون السياسيون السيطرة تحت ضباب البعث الإيديولوجي الكثيف، ومنذ أن طرح صلاح جديد وجماعته تصفية المُلكية الخاصة لوسائل الإنتاج لتغدو الدولة المالك الوحيد، وكذا تغيير تخلف الريف وتحجيم الإقطاع في مجال الزراعة، وكان نظام الوحدة الناصري قد بدأ ذلك، ولكن حدث صراعٌ بين الاتجاه اليساري المتطرف والاتجاه المعتدل وبدا ذلك في الصراع بين قائدي الانقلاب البعثي: صلاح جديد وحافظ الأسد، وكان خيارُ الرئيس الأسد هو الرأسمالية المُسيطر عليها من قبل الجيش والطائفة العلوية فصفى الجناح اليساري في حزب البعث وشجع الأحزاب الأخرى تحت هيمنته. رأسمالية الدولة التي أنشأها جعلها تضمن سيطرته على الجماهير الفقيرة خاصة، مع تسريب طائفته للسيطرة المطلقة على الجيش والاقتصاد. كان حلم الأسد الأب وراثة العلويين للرأسمالية الحكومية، وشهد حكمه تطورات اقتصادية واجتماعية كبيرة عبر خلق الانفتاح واستغل الحروب والمساعدات العربية والاقتصاد اللبناني، لكن في عهد ابنه تصاعدت بوضوح أزمة رأسمالية الدولة، التي سوف تنعكس على الاتجاهات السياسية والمذهبية الدينية ومواقعها في المجتمع. وقد تراجعتْ نسبةُ النمو في الاقتصاد السوري حتى وصلت إلى 1,3% سنة 1996، وتراجعتْ مكانةُ سوريا في الترتيب الاقتصادي العالمي من المرتبة 80 حتى111، أما الديون الخارجية فكانت تبلغ 22 مليار دولار، وكانت البطالة تصل إلى 18% من مجموع السكان العاملين. إن مشروعَ وراثةِ الأسر العلوية للرأسمالية (الوطنية) استمر وتصاعد مع عهد الرئيس بشار الأسد، وهنا ظهرت إجراءاتُ الخصخصة، المعبرة عن ضرب القطاع العام وتملك مشروعاته، وتنامت (الليبرالية الجديدة) التي ليس فيها ليبرالية سياسية، وينحصرُ ذلك في تملكِ الفئة العلوية والقوى الرأسمالية عامة المشروعات الاقتصادية العامة الرابحة، وتنامت مواقعها في المدن الرئيسية وأحيائها الثرية. فيما أن المدن الأقل حجماً تشهد الفقر والأوضاع الصعبة ولهذا فإن شبكة الثورة تمتد في المدن الأقل حجماً وسكاناً والأرياف الواسعة ذات المذاهب المغايرة. استطاعت الإداراتُ السورية أن تسبق بعض دول المشرق في تصعيد جسم الرأسمالية الخاصة التي خرجتْ من تحت عباءة الدولة بفضل هذا الضغط المعيشي على الجمهور العامل. (لقد اصبحت حصة القطاع الخاص ورجال الأعمال (أي البرجوازية الخاصة) من الناتج المحلي الإجمالي من 64,2% عام 2005 إلى 70% عام 2008. ولا سيما أنها تسيطر على 65% من الصناعة، و75% من القطاع التجاري). والحديثُ الملتبس عن الوطنية والاشتراكية يقابله إجراءاتُ وقرارات تعصر الطبقات الشعبية بشكل مستمر، فقامت ب(تحرير) أسعار المحروقات والعديد من إلقاء تبعة الأزمات الاقتصادية على الجمهور. كان السيد رفعت الأسد ضابطاً صغيراً في بداية الستينيات ولا يتجاوز راتبه عدة مئات من الليرات، ثم صار يملك المليارات ورحّل نصفَ ذهب سوريا إلى الخارج. وباسل الأسد توفي وقام البنكُ السويسري الذي أودعَ فيه حساباً له بأخذ نصفه البالغ عشرين ملياراً، لأنه كان أعزب ويتم هذا الأجراء بحسب القانون السويسري! كان هذا يعكسُ واقعَ أسرةٍ مَلكية- جمهورية غير ذات جذور في الاقتصاد والواقع، فهي نتاجُ انقلابٍ فوقي، مثل كل الأسر الجمهورية العربية السابقة للثورات المعاصرة. ربيع دمشق الذي تفجر بين وفاة الأسد الأب وتسلم ابنه السلطة عكس حلم مثقفي فئةٍ وسطى حرة دون وجودها كقوة في الحياة السياسية الاجتماعية، وكان هذا وهماً لم يَقرأ كيفية صعود هذا الابن نفسه، الذي كان اختراقاً لدستور غير ديمقراطي.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أي رقابة هذه؟!
-
الجيتوات والمذبحة
-
أهو اقتصاد حر أم موجه؟
-
تحويل الثقافة إلى خرافة
-
فوضى كارثية
-
العلمانية كخطٍ سياسي حاسم
-
مشروعُ الدولة الوطنية العلمانية
-
جذورُ الكتابة الفارغة
-
الناقد ذو الرأسِ الفارغ!
-
حاوي ومناضل عالمي!
-
معارك كبرى لقوى التخلف
-
عسكر شمولي
-
مثقفو الأكاذيب والتزوير
-
الإخوان وتجميد حياة المسلمين
-
مقاطعتهم نعمةٌ وبركة
-
كلمات فاشلة
-
ورقةٌ عماليةٌ واحدة يتيمة فقط!
-
التحديثيون الدينيون والنقد التاريخي (4-4)
-
التحديثيون الدينيون والنقد التاريخي (3)
-
التحديثيون الدينيون والنقد التاريخي (2)
المزيد.....
-
مصادر لـCNN: ترامب -مُحبط- بشأن إنهاء حرب أوكرانيا.. و يعترف
...
-
لماذا يثير مقترح ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا مخاوف حلفاء أمريك
...
-
طهران تعرض استئناف محادثات النووي مع الترويكا الأوروبية.. ول
...
-
زيلينسكي يتهم روسيا باستخدام صاروخ -كوري شمالي- في ضربة كييف
...
-
-تكلفة باهظة- بسبب تحطم مسيرات أميركية في اليمن
-
تدمير المركز الوحيد في العالم لأبحاث المايستوما بالسودان
-
تفاصيل مسودة اتفاق وقف دائم لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس
-
حذف تعازي وفاة البابا يضع إسرائيل في موقف دبلوماسي محرج.. تل
...
-
عمار الحكيم يدعو الى ضبط التصريحات التي تؤثر في العلاقة بين
...
-
-بلومبرغ-: جامعة هارفارد تسعى لبيع أصولها
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|