|
العجز العربي
محمد قرقوري
الحوار المتمدن-العدد: 4323 - 2014 / 1 / 1 - 01:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهدت الأمة العربية عبر تاريخها عدة أطوار حافلة بالتوتر و الاحتقان نظرا لموقعها الاستراتيجي في الخارطة الجيوسياسية العالمية و لئن تعددت الظروف و العوامل فإن الوضع لا يختلف كثيرا في أن العرب هم دوما الحلقة الأضعف في كل النزاعات و هذا الضعف قد تجلى بوضوح في الفترة المعاصرة التي اتسمت بالعنف و الوحشية لا سيما بعد أن تحولت المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج إلى حلبة نزال إقليمي و صراع نفوذ قوى دولية تفرض أجندتها على إرادة الشعوب ان المتأمل في التاريخ المعاصر و العلاقات الدولية منذ منتصف القرن العشرين سيرهق من زخم الحروب و الأزمات التي كان العرب طرفا فيها لكن القاسم المشترك بينها هو أن الطرف العربي دائما ما يجر أذيال الخيبة فمن حروب فلسطين إلى أزمة الخليج إلى احتلال العراق إلى أحداث الربيع العربي و القائمة تطول و لعل الجامع بين هذه النكسات هو ضعف الأداء الديبلوماسي العربي حيث أن لسائل أن يسأل ماذا يحدث في أروقة السياسة و مواطن صنع القرار العربي حتى تتكرر الهزيمة بصفة مريبة و تحمل في طياتها اليقين المطلق بأن العرب لا يتعظون من التاريخ مطلقا لفهم طبيعة هذا الوهن باعتباره السبب الرئيسي لجملة الهزائم التي مني بها العرب يجب التعرض لبنية النظام الرسمي العربي فهو خلافا لما نجده في الدول المتحضرة التي تحترم شعوبها يتميز هذا النظام بتركيبة هرمية تتربع على قمتها سلطة مطلقة تأبى التغيير و تهوى استئصال الآخر سواء كان فردا أو فكرة أو رأيا أو مجموعة و تقوم القمة بفرض آرائها و توجهاتها على أنها أوامر لا تفترض النقد و الجدال و عادة ما نجد في رأس القمة زعيما يحيط نفسه بهالة من القداسة و الغموض و لعلنا خلنا أن ثقافة الزعماء قد لفظها الربيع العربي بكل ما جاء به من ثورات بيد أن أحادية الرأي لا تزال تحتل موضعا أثيرا في الممارسة السياسية العربية أين يتسلح النظام بخردة أمريكية و سوفياتية و يراهن على شعارات رنانة جوفاء يأسر بها أتباعه و مناصريه كلنا نعلم أن العرب يهرعون لما يسمى بجامعة الدول العربية عند نشوب أي صراع يهدد أمنهم القومي و يعقدون قمما بصفة دورية يتباحث فيها قادة الدول حول المستجدات لذلك فإن ثقافة الرأي الواحد التي ورثها الزعماء مع الحكم أبا عن جد تصطدم بحواجز الاختلاف فيما بينهم و تباين الرؤى و المصالح و التوجهات فكم من مرة انتهت القمة بخلافات و مناوشات حادة بين هذا الزعيم و ذاك مما يحول دون التوافق حول المصالح المشتركة إلى أن قال أحد الظرفاء معلقا على هذه المهازل إتفق العرب على ألا يتفقوا و قد وعى المجتمع الدولي أن هذا الهيكل قد أفرغ من محتواه فهو لن يبادر و إن بادر فلن يقرر و إن قرر فلن ينفذ و إن نفذ فماذا تنتظرون غير بيانات الرفض و التنديد و الاستنكار و الشجب و صارت القوى الإقليمية تملي أوامرها مباشرة دونما حياء يقينا منها بضعف الأداء الديبلوماسي العربي الناجم عن اهتراء المنظومة السياسية فهل يستقيم الظل و العود أعوج ؟ و على رأي بيت الشعر أسد علي و في الحروب نعامة فإن النظام الرسمي العربي عكس ضراوته في عرينه فإنه يبدو حملا وديعا أمام القوى العظمى حيث بات مشهد الزعماء و هم يحجون تارة نحو البيت الأبيض و طورا صوب الكرملين و غيره مألوفا عند الرأي العام العربي و لا سيما في صفوف نخبة المفكرين و أصحاب الضمير الذين التهبت قرائحهم و جفت أقلامهم في سبيل اصلاح النظام العربي لتدارك الهزيمة و الخيبة و ما غفل عنه هؤلاء هو أن ولاة الأمور يأبون الإصلاح و يأنفون تغيير منظومتهم البائسة لتسيير الشؤون العربية التي أقاموها في إطار صفقة مع القوى الإمبريالية العالمية تضمن لهم السلطة و النفوذ و المال و لتذهب الأوطان للجحيم و الأمثلة أكثر من أن تحصى في الحديث عن العجز العربي حيث أن احتلال العراق قد مثل قمة انهيار القدرات الإقليمية العربية و عرى ورقة التوت التي كانت تستر عورات أنظمة هنا و هناك سارعت إلى تجديد فروض الولاء و الطاعة للعم سام و أعلنت التوبة النصوح عن المروق عن البيت الأمريكي عوض إعادة ترتيب البيت العربي و توحيد المواقف و تدخل الناتو في ليبيا يصب في بوتقة نفس العجز و كذلك الملف السوري الشائك الذي برهن أيضا على فشل ذريع للأجهزة الديبلوماسية العربية العاجزة عن حل مشاكلها بمعزل عن المجتمع الدولي فالأزمة السورية التي أريد لها أن تكون ثورة لم تكتفي بتدمير بلد عربي جديد فحسب بل أطلقت رصاصة الرحمة على نظام عربي رسمي و ديبلوماسية عربية فاشلة عاجزة عن العمل المشترك و مخيرة في المقابل العمالة و الولاء لأجندة خارجية صادرة من هذا المعسكر أو ذاك و الواقع يفترض المزيد من الهزائم و النكبات ما لم تعالج الأسباب الرئيسية المؤدية لذلك و هنا يبدو جليا أنه لا مناص من ثورة فكرية و ثقافية تركز مفهوم الاختلاف و ثقافة احترام الرأي المغاير في العقل العربي و إن لم تتحقق هذه الطفرة فإنه لا فائدة ترجى من تغيير الأنظمة و لعل دول الربيع العربي خير شاهد على ذلك
#محمد_قرقوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في المنظومة الأخلاقية العربية
-
خطأ إستراتيجي في الثقافة العربية
-
نظريّة المؤامرة
-
القمة العربية لنصرة شعبنا في سوريا
-
أي معنى لسباق التسلح العربي ؟
المزيد.....
-
حزمة استثمارات قطرية في مصر بقيمة 7.5 مليار دولار
-
زيلينسكي يدعو ترامب لزيارة أوكرانيا: ستشهد بنفسك التهديد الذ
...
-
بي بي سي ترصد آثار الحرب على البنية التحتية في السودان
-
الصليب الأحمر: إسرائيل تحتجز مسعفاً فلسطينياً مفقوداً في هجو
...
-
إصابة مجندة إسرائيلية في عملية دهس بالخليل وفرار المنفذ
-
في لحظة دولية فارقة... لوكمسبورغ تحتضن أول اجتماع أوروبي رفي
...
-
في قلب بيروت.. التياترو الكبير شاهد على ويلات الحرب الأهلية
...
-
وفاة الكاتب ماريو فارغاس يوسا الحائز على جائزة نوبل للآداب ع
...
-
شاهد ما حدث في غابات اسكتلندا بسبب حرائق هائلة
-
بنغلاديش تعيد حظر السفر إلى إسرائيل
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|