|
مانديلا الشخصية الأسطورية
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4298 - 2013 / 12 / 7 - 22:10
المحور:
الادب والفن
بعيداً عن تفاصيل الخطِّ البيانيِّ لسيرة نيلسون مانديلا"1908-2013"التي كتب عنها حوالي خمسمائة كتاب، وكانت مدعاة نيله حوالي ثلاثمئة جائزة عالمية، من بينها جائزة نوبل في العام1993، وهي جديرة بأن تستمر الكتابة عنها، لاسيما أن كل ما كتب إنما يعتمد على ملامح محددة من سيرة هذا القائد الجنوب إفريقي الاستثنائي في تاريخ البشرية، وهناك جوانب كثيرة من حياته من الممكن أن يكتب عنها، ومن بينها أن كل ثانية واحدة، بحسب تواقيت ساعتنا المتفق عليها، من عشرة آلاف يوم أمضاه في سجون نظام الفصل العنصري الرهيب، وهويواجه آلة الآبارتيدالرهيبة، يمكن أن تكون مدار كتابات لاتنتهي، لأنها تجسد أعظم معاني المواجهة، والصمود، في سبيل حرية شعبه الذي كان يتجرع أشدَّ مرارات العذاب، والظلم، والإذلال، والجوع، تحت نير أحد أسوأ أنظمة الاستبداد الوحشي منطلقاً بذلك من حالة إيمانية رؤيوية جبارة، وهي أنه في ثنائية القمع والحرية، لابد من أن تنتصر هذه الأخيرة، وذلك وفق قانون دورة حركة الزمن، والتراث العظيم لكفاح الإنسان، منذ فجر البشرية، ووصولاً إلى اللحظة المعاشة. استطاع مانديلا، منذ بداية تبلور وعيه، أن يكون وفياً إلى قناعاته، من خلال ربط الكلمة بالفعل، ومحوأية هوة تظهربينهما، وهي مسألة مهمة بالنسبة إلى الكائن البشري، بل تبدو أكثر أهمية بالنسبة إلى من يتنطع لحمل رسالة شعبه، وقضيته، ويغدو الأمر لاغنى عنه، عندما يكون المرء قائداً، لأن أي تباين بين النظرية والتطبيق، لدى الفرد، أو المؤسسة، إنما يعني انعدام مصداقيتها، وهنا-تحديداً-يكمن سرّ عظمة من يترجم طوال شريط حياته، رؤاه، و قناعاته، التي يخدم خلالها من حوله، من خلال إنكار الذات، ونبذ الأنانية، والسمو على السقوط في فخاخ الغواية، والإغراءات التي تقدمها دوائر الاضطهاد لمن يواجهها، من خلال تأمين سبل الخلاص الفردي له، بغية إسقاطه، و هو ما يمكن تتبعه في سيرة أي قائد تعالى على بريق المنافع الذاتية، بل و يمكن تلمسه بجلاء في سيرة هذا القائد الأممي الذي دوى صيت فعله، قبل قوله، في أربع جهات الأرض، وبات رمزاً أسطورياً، يعرفه ثوار العالم، كما يعرفه الطغاة، الثوار كي يقتدوا بالجوانب المضيئة-وما أكثرها في سيرته- والطغاة لأن فكره وسلوكه يشكلان مبعث تهديد لعروشهم، وأمجادهم، بيد أن هذا الرجل البسيط الذي مارس أصعب الأعمال-ومن بينها الرعي-في حياته، وعانى الجوع، والعيش لسنوات طويلة في زنزانة لا تتجاوز حجم جسده، إلا قليلاً، استطاع أن يكون مواطناً كونياً، نتابع أخباره، ويومياته، ومواقفه، في مشارق الأرض ومغاربها، حيث تتداخل الأسطورة والواقع، كي يكونا هذا الشخص الذي قال و هوفي سجنه مامعناه" لاأمثل إلا نفسي، وكل صفقة مع السجين باطلة"، ليقطع بذلك الباب أمام من يروم منه التنازل، وهو السرُّ في أنه انتخب رئيساً، عندما كان على أبواب إكمال ثلاثة عقود من التغييب القسري بحقه، بيدأن مأثرته العظمى كمنت في أنه لم يرشح نفسه لدورة رئاسية جديدة، وهوممتلك لكل مفاتيح الديمومة، من خلال رصيده الثوري النضالي الذي يؤهله لرئاسة عالم كامل، لامجرد وطن صغير فحسب. لم ينس مانديلا ، رجل الكفاح والسلام، بامتياز، واقع الشعوب المضطهدة، والمظلومة، ولهذا فإنه كان يجد نفسه إلى جانب كل هؤلاء، ومع حقوقهم، وقضاياهم، ويحضرني هنا موقفه المبدئي من القضية الفلسطينية، والذي كان يتجاوز رؤى بعض ممن هم أقرب إلى هذه القضية، كما أنه رفض في العام1992جائزة أتاتورك، حيث قال لأحد الصحفيين، في سياق السؤال عن سبب الرفض"جرب أن تكون كردياً يوماً واحداً تعلم لم رفضتها"، ناهيك عن أنه تبنى الرؤية الصحيحة في ما اصطلح عليه بالربيع العربي، رغم سوء أوضاعه الصحية في السنوات الأخيرة. مانديلا، لم يحتج إلى فنان كوني خارق كي يؤسطر شخصيته، ولم يحتج إلى روائي، أوشاعر، أوموسيقي، أو مؤرخ، كي يجعل من حياته ملحمة أو سمفونية، يوصل بالخيال إلى مرتبة ماهو مرئي ملموس، بل فعل كل ذلك، برباطة جأش، ويقين، كي يجعلنا أينما كنا نحس أننا نكبنا به، في بيوتنا، كأحد رموزالكفاح التي سيستلهم منها كل حالم بالحرية دروسه، ليكون بذلك أحد أهم مدارس الثورة والكفاح وحب الحرية في تاريخ العالم. إبراهيم اليوسف elyousef@gmail.com
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلاغيات سورية على أبواب -جنيف-
-
حين تكون -مصر- دون فاجوميها
-
حول زيارة البارزاني إلى- آمد-
-
ولادة مفهوم الزمن
-
موت النقد
-
إلى مكاني محاصراً بالغرباء..!
-
درس ميكافيلي
-
حريق لا يزال مشتعلاً*
-
مؤلف النص الإلكتروني في مرحلة -مابعد الموت-
-
خريطة المكتبة
-
المكتبة
-
الأبُ الديناميُّ
-
ما الأدب؟
-
مشعل التمو: بورترية أول
-
البُعد الرابع
-
لماذا التراث؟
-
عاصمة الياسمين
-
-استعادة طه حسين:
-
ثقافة الخلاص
-
استنساخ -سانشو-
المزيد.....
-
الجريمة السياسية.. كيف تناول أسعد طه ملفاتها الشائكة؟
-
-الرقصات الشعبية تنشر البهجة في الأجواء-.. الهند تحتضن مهرجا
...
-
الممثل الدائم لروسيا يصف قرارا للوكالة الدولية للطاقة الذرية
...
-
مشهد محذوف من -قلبي ومفتاحه- يثير فضول الجمهور عبر المنصات ا
...
-
رمضان في لبنان.. تقاليد متوارثة وأجواء روحانية تكافح متغيرات
...
-
كيف أصبحت صناعة الزجاج في العصر الإسلامي جسراً بين الفن والع
...
-
فنانون سوريون يعلقون على أحداث الساحل (فيديو)
-
هل تفقد أفلام جيمس بوند هويتها البريطانية؟ بروسنان يعلق على
...
-
الكاتبة والصحافية العراقية أسماء محمد مصطفى تقيم أول معرض فن
...
-
مجموعة رؤيا الإعلامية الأردنية توقع اتفاقية تعاون استراتيجي
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|