أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الصلعي - عصر الشعوب مرة أخرى















المزيد.....


عصر الشعوب مرة أخرى


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 3963 - 2013 / 1 / 5 - 03:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كل البلاد العربية تعيش مرحلة أخرى من مراحل التغيير والتجديد ، ولكل تغيير ثمن ،كما لكل تجديد ضريبة ، وأقدس ثمن في حالات التحولات الاجتماعية الكبرى التي تعتبر تحولات مفصلية في تاريخ أمة ما ، وفي دورة التاريخ الانساني ،على اعتبار أن أي تحول لأمة ما ، لا بد وأن ينعكس على مجموعة من العلاقات الدولية ، ويغير توازنات كانت قائمة ، هو حياة الانسان . فليس هناك في الأرض أقدس من النفس الانسانية .
وقد تتعدد مراكز الكبح وتتوالد محاور العرقلة ، سنة قابيل وهابيل ، لكن الحياة تمضي بوتيرتها التي لا تعقل سرعتها وجوهرها الى هي .
ولعل الانعكاسات السلبية لكل مرحلة تغيير ، تصيب في الأساس مستوى العلاقات الدولية التي تكون قد ترسخت عبر عقود وأجيال وقرون على مصالح تعتبر ثابتة ولا يمكن نقضها أونسفها او تغيير بوصلاتها ، كما أن أي اختلال في التوازنات الدولية القائمة ،يربك المعادلات التي ترسخت ، وأصبحت سهلة وطيعة ، بفعل سريانها بنفس العمليات القديمة التي أصبحت لا تفترض نوعا من البحث المقلق عن الأسرار العميقة ،التي تفترضها عملية البحث عن أسباب التحولات الاجتماعيةوالاقتصادية والعسكرية والحضارية . بقدر ما أصبحت نوعا من الارث يرثه الخلف عن السلف . تماما كما هو حاصل في مسألة الدين في جانبه التقليدي .
ليس سهلا ان نقبض على مجمل الحوامل الاجتماعية والتاريخية المسؤولة عن مختلف التحولات الاجتماعية والسياسية ، اذ يلزمنا العودة و بتدقيق تفصيلي الى تحليل جميع العلاقات الاجتماعية والجماعية والدولية ، بل والفردية أيضا ، اذ علاقة الانسان بذاته تخضع أيضا لتطورات عميقة ، لا يلحظها الا المختصون في علم النفس السلوكي ،وانعكاساتها النفسية سواء على الفرد اوالجماعة ، أوالدولة أو العالم ، ففي النهاية يتشكل العالم الانساني من مجموعة أفراد يخضعون قسرا الى ضوابط نفسية ، قد تجمع بينهم وقد تتناقض فيما بينهم .
لكن برغم ذلك تعمد مختلف العلوم الانسانية الى محاولة رصد الظواهر الانسانية ، كل في مجال اختصاصه ، كي تقترب شيئا ما من حقيقة فعل الانسان ورد فعله .
هكذا يصبح من الأجدى ، بل من المحتم علينا الحفر في جميع طبقات الجيولوجيا الانسانية، لفهم بعض اسرار يقظة الشعوب العربية ، والتي أسماها الدكتور مطاع صفدي ، في آخر مقال له في عنوان فرعي ب " نحو عصر التنوير العربي " ، وكثيرون مثلي سيفاجأون بهذا الوصف - التنوير - ، لكن قليلا من الصبر والتأني يجعلنا نوافق الرجل على الوصف بكل مداليله التاريخية والعلمية ، فعصر التنوير الأوروبي لم ينشأ من ازدهار العلوم التجريبية الحقة ، من فيزياء وطبيعيات وكيمياء وعلوم الحرب ، بل كان أصل النشأة هو تحرير العقل الأوروبي ، بعد صراع طويل مع الايمان الكنسي ، وكان رواده أدباء وشعراء وكتاب ومفكرون وفنانون، قبل أن ينتشر الى العلوم الحقة ، وهذا لا ينفي وجود محاولات معزولة وسابقة أو محايثة ،هنا وهناك لعلماء أوروبيين كجاليليو الغني عن التعريف ، ونيكولاس كوسانوس الذي تتبع نظرية كوبرنيكوس حول مركزية الشمس ، ودراسات فيزاليوس في علم تشريح الانسان ، وغيرها .
وقضية التنوير هي مسألة احساس ،وليست مسألة ادراك ، لأن الادراك تابع والاحساس أولي ، والشعوب العربية داهمها احساس قوي بضرورة الوجود ، والوجود الانساني يعبر عن نفسه بارادة الوجود ، ليثبت الوجود وجوده ، والا فان وجودا بغير ارادة هو من أرذل انواع النفي والتشيؤ .
لم تقم الثورات العربية والهبات الشعبية التي لا تزال في أوجها بسوريا التاريخ والحضارة ، وبنوع من المراوحة في المغرب بلد التوازنات الخلفية ، أو في مصر التي استطاعت أن تشذب كثيرا من الفروع السائبة من جميع التيارات المتصارعة ، وهي تستجيب لنظرية سقوط أوراق الشجر ، التي تعطي للزمن العقلاني كل المساحة لاسقاط الذابل من الأوراق والهش من الأغصان . لم تقم هذه الثورات التي منحت فيها الشعوب أعز ما يطلب وأفدح ، الا لأن هناك احساس عميق ومتجذر بضرورة التغيير ، تغيير جميع قواعد اللعب بما في ذلك لعب العقل ، الجهاز النظري لمجموعة من الانفعالات والترتيبات النفسية التي تؤسس لمكون العقل .
اننا أمام شكل من القانون التاريخي والانساني الغامض ، وكأن التاريخ يصنع مجده عبره لاعبرنا ،ويكتب ملامحه من خلالنا ، وهو ما أسميته قبل سنة ونصف بالفجوات التاريخية، التي لا يمكن التنبؤ بها أو قيادتها ، فنشوء الحضارات الانسانية الكبرى ، ورسوخ الانعطافات التاريخية المفصلية ، غالبا ما تتحكم فيه تطورات ضخمة ، نقوم امام عجزنا بتبريرها بمجموعة من المسببات الظاهرة التي قد يستوعبها ويعيها أي باحث ناشئ في علم الاجتماع أوعلم الحضارة . ولا أدل على ذلك أن الحرب العالميةالثانية يرجع كثير من المؤرخين أسبابها الى حادث فردي هو اغتيال ولي عهد النمسا على يد طالب صربي ، دون العودة الى الأسباب الخفية ،والسؤال عن تعمد هذا الاغتيال ،كما أن السبب الأساس للثورةالعربية هو اقدام الشاب محمد البوعزيزي على احراق نفسه ، ودون العودة مرة أخرى الى النار التي كانت مستعرة تحت الرماد . والملاحظة التي يقف عندها الباحث هو تلك الأسباب التي تعتبر تافهة في ذاتها ، لكنها محيرة في نتائجها . وهذا ما يجعل الباحث الجاد ، كرجل الاستخبارات الحاذق لا يغفل أي حدث أو حادث أو معلومة مهما بدت في أصلها وكنهها تافهة ، فكما يقال في المثل العربي ، - معظم النار من مستصغر الشرر - ، ولعل هذه الشرارات التي تتقد هنا وهناك في جميع بلدان العالم العربي ،وفي جميع مناطق البلد الواحد تنبئ حقا بصحوة تنويرية ، وان لم يأخذ طابع التنوير بُعد النسخ والمطابقة كما يفعل جل مثقفينا ، الذين حشوا ذاكرتنا بلغة وصور وابداع الغربيين ، ونسوا ان يبدعوا هم شيئا لنا .
فقوى الوعي الجماهيري ، كما يسميها المفكر مطاع صفدي في تبلور وتطور ملحوظ ، فليس المطلوب من الشعوب العربية ان تتفقه في الدستور وفي مجمل فروع القانون كي تدرك مصالحها وتبلغ حقوقها ، وليس مفروضا عليها ان تتعلم اللغات الأجنبية لتقرأ فلسفة الحياة الغربية وطبيعة علاقاتها الأفقية والعمودية ، يكفي ان تمتلئ الحقينة النفسية كي تنفجر ، ويحدث نوع من البحث عن مطالب الحياة في حدها الأدنى ، كي تتطور مع مستويات الحوار المحلي والكوني بين مختلف الأطياف السياسية والدينية والثقافية ، وتمنحنا في عقد أو عقدين مجتمعات ناهضة وقد دخلت فعلا عصرالأنوار الذي نتمنى صادقين أن تكون بدايته قد انطلقت فعلا قبل سنتين .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنة الماضية _1_
- البرلماني والمواطن وحقوق الانسان
- نقاش مع وزير الخارجية الروسي
- الشعرية المبكرة -شارل بودلير-2-
- الدولة الانشائية
- أمطار الجحيم -رواية-16-
- الشعرية المبكرة -1-
- بارمينديس يتهجى أفكاره
- الفيتو الأمريكي والصمت العربي
- تعزية لا شماتة
- الشريعة أم السياسة-3-
- النفاق أو لغة الكون
- العرب والانقسام الأزلي
- شهود لا متأثرون
- الشريعة أم السياسة_2_
- في مفهوم التواضع
- اعدام شاعر
- الجزء 12 من رواية -أمطار الجحيم
- الشريعة أم السياسة...
- الشعوب وما أدراك ما الشعوب


المزيد.....




- ماذا قال بوتين في أول زيارة إلى كورسك منذ الهجوم الأوكراني؟ ...
- حرب التعريفات.. كندا تفرض رسوما جمركية على الواردات الأمريكي ...
- لحظة تصادم سفينة شحن بناقلة نفط أمريكية في بحر الشمال
- بوتين في كورسك.. على جيشنا تحريرها كاملة
- الولايات المتحدة.. قاض يمدد حظر ترحيل طالب من جامعة كولومبيا ...
- محللون: اتفاق غزة خرج عن مساره وترامب يريد وقف الحرب بشروطه ...
- لماذا علاقة ترامب وبوتين مثيرة للمخاوف بشدة؟
- إيران تعلن تسلمها رسالة من ترامب بشأن المفاوضات النووية
- سوريا.. أحمد الشرع يستقبل وفدا من الاتحاد العالمي لعلماء الم ...
- باكستان.. نشر فيديو لاختطاف قطار واحتجاز رهائن


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الصلعي - عصر الشعوب مرة أخرى