|
الحلقة المفقودة
روني علي
الحوار المتمدن-العدد: 3936 - 2012 / 12 / 9 - 10:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع بداية انخراط الأحاسيس في منظومتنا الشعورية ، وتلمسنا للبعض من مفاتيح تحليل قوانين المتناقضات ، وتفاعلنا شيئاً فشيئاً - بالقدر الذي كنا نملكه من الوعي والإدراك المعرفي - مع ما يجري من حولنا من انبهارات التطور ، وتلاحق انكسارات الزمن مع ما كنا نعتبرها بمثابة الثوابت ، والقيم المجتمعية ، وبديهيات السياسة بركائزها الفكرية والثقافية . كنا نكتشف في أعماقنا - وإن لم نكن نجاهر به - تصحر الأفق الذي يؤهلنا لأن نحلل مفردات الواقع وأسس التغيير وقوانين الصراع والتصارع. وبالتالي كنا - وما زلنا - نركن إلى الشكوى والتذمر من الحالة المعاشة في مجمل مفاصل الحياة وفي جميع اتجاهاتها وجوانبها ..! وبما أننا كنا من مدعي السياسة ، والمشتغلين في حقلها ، لم نكن نتلمس يوماً بصيصاً من الأمل الذي من شأنه أن يخرج بنا إلى فضاءات النور ، ونتجاوز من خلاله الشرخ الذي كان - وما زال - يصيبنا في مقتل ، ويحولنا إلى كومبارس لا شأن له بكل ما يجري ويدور من حوله ، سوى الصراخ والهتاف والتصفيق في المسيرات الحزبوية ، التي يقودها الزعيم الأبدي، أو المتمرد على أدائه ، ليلتحق هو الآخر بقائمة الآبدين ، والتي حملناها عنوةً ، وبالرغم عن آفاقها وآفاقنا ، صبغة القوموية وصفات النضال ، من انشقاقات وولادات ومهاترات المواقف التي كنا نقتنع - بل يتم إقناعنا - بها على أنها تصب في خانة الفرز الطبقي والسياسي والقيمي... إلخ. ولكن ، وبعد أن انزاحت شيئاً فشيئاً رموز الفردية من على صهوة آلة القمع والإبادة ، والتحكم برقاب الأرض والإنسان ، من فرار الشاه وتحطيم أسطورة شاوشيسكو وبينوشيت ، من انهيار لغز الشمولية ومنظومة الأبارتيد وجر تماثيل أبطال الوطنية والوطنيات ، أساطير معارك الحسم والثورات التي دفنت دماء ودموع الملايين من بني البشر ، في الساحات والشوارع، لتتحول إلى لعب بيد أطفال شعوبها ، وعبرة لمن لم يعتبر بعد . لم نتمكن أيضاً من السيطرة على ذواتنا ، ونتخلص من عقدة الشكوى والتذمر . مع أننا وفي قرارة أنفسنا ، ألحقنا كل الذي جرى من طقوس السقوط وشكل التلاشي ، بتراكمات التاريخ وسلبيات الممارسة وعنجهية الفردية ، وطغيان التفرد ، ووضعناها في خانة ، النهاية الطبيعية للسطوة والتسلط . إذاً ، وسط كل هذا الكم الهائل من الفرط الذي يصيب العَقد هنا وهناك .. ابتداءً بأفغانستان وما قبلها ، مروراً بجورجيا ، ووصولاً إلى العراق ، وانتهاء بالذي قد ندركه وإن كان يتظاهر باللا مبالاة ، لم نزل أسيري الشكوى والتذمر من الحالة المعاشة .. شكوى الكبير والصغير ، الغني والفقير ، القائد والنصير ، المثقف والسياسي ، والتابعين والخاضعين والخانعين ، من الأداء والشكل والأسلوب . فأنظمة تقفز من على شكوى وتذمر شعوبها ، باتكائها على الحديد والسوط . وقوى تتجاهل صرخات برامجها التي تئن تحت وطأة غياب الأفق وتحرر الفكر وانكماش الممارسة الديمقراطية ، وليست لديها القدرة على أن تواكب التيار باستنادها على أناها القوموي ونسف الآخر وإقصائه . وتماشياً معها أو تجسيداً لوجها الآخر ، تتخبط الأطر الكردية عند رسمها للموقف وممارستها للقرار . لكن ، وللإنصاف نقول ، بأن الكل بدأ يتلمس جوانب الإشكالية كردياً ، وإن بدرجات متفاوتة - حسب امتلاكه للملكات المعرفية -، ولكل ذي شكوى برنامجه التغييري وشكل الخروج من المأزق المأزوم ، وامتلاكه لأولويات الفرز بين الصالح من الطالح ، والجيد من الرديء .. لكن دعنا نتساءل على طريقة السذج والمبتدئين في الممارسة السياسية لنقول : إذا كان الكل يعي ما هو المطلوب ، ويلفظ ما هو ممارس ، وأن الظروف الموضوعية تخدم الحالة وتبلور الخصوصية ، فلماذا تأتي النتائج بعكس التفكير والتحليل ؟ .. لماذا نفكر بشيء ونمارس الآخر ؟ .. لماذا الاسترسال في سرد السلبيات ومناطحة كل ما هو عائق ومعرقل في الزوايا الضيقة والبعيدة عن الرقيب والحسيب ، لكن الترجمة تصب في واد آخر .. ؟!. إذاً لا بد أن هناك عصاً سحرية تفعل فعلها في ترجمة الأقوال إلى أفعال ، أو أن هناك حلقة مفقودة ما بين الادعاء والممارسة ، خاصةً إذا تعلق الموضوع بخط من الخطوط الحمر .. سواء ما اتصل منها بمفردات السياسة العامة ، أو بشخص الزعيم الأوحد و»فكره« ورؤيته.. فلنبحث قبل كل شيء ، قبل طرح المشاريع والتصارع على المشاريع ، قبل الدخول في فلسفات حول الجدوى من تلك المشاريع ، عن تلك الحلقة المفقودة أولاً وثم أولاً . ؟!!!.
#روني_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على ضفاف شفتيك
-
شهوة الخُلد في مزمار الموت
-
همسة ناعمة -8
-
رشقات متقطعة في ذاكرة مثقوبة
-
على بابي همسات عشق
-
همسة ناعمة .. 7
-
حوار فوق رغيف من بارود
-
خدود منتحرة
-
إلى جدتي ...
-
إلى مشعل التمو
-
دمىً تلهو على الصفيح
-
همسة ناعمة - 6
-
همسة ناعمة .. 5
-
همسة ناعمة .. 4
-
روني علي
-
همسة ناعمة - 3
-
وخزة
-
مادة مطروحة للنقاش
-
تداعيات -حل - القضية الكردية على المشهد السياسي في تركيا
-
مشروع « الحركة الوطنية الكردية في سوريا » ..رسالة -للصم- وكت
...
المزيد.....
-
الخارجية الأمريكية توافق على بيع صواريخ -ستينغر- بقيمة 825 م
...
-
إعلام غربي: أوديسا قد تصبح أرضا روسية وأمريكا لن تمانع
-
رئيس مجلس النواب الأردني: العبث بأمن الوطن يعد جريمة وخيانة
...
-
هيئة بحرية بريطانية تبلع عن تعرض إحدى السفن لحادث اقتراب مشب
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن إحباط محاولة لتهريب أسلحة من مصر إلى إ
...
-
المتحدث باسم الخارجية القطرية يؤكد أهمية العلاقات مع روسيا و
...
-
ترامب: لا يعجبنا تأثير الصين على إدارة قناة بنما
-
وزير الداخلية السوري يستقبل رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي
-
الرئيس السوري يزور الدوحة ويجري مباحثات مع الشيخ تميم بن حمد
...
-
إسرائيل تقلص قوات الاحتياط بالجبهات و100 ألف يوقعون عرائض لو
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|