أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حماده زيدان - دون حذاء أفضل















المزيد.....


دون حذاء أفضل


حماده زيدان

الحوار المتمدن-العدد: 3823 - 2012 / 8 / 18 - 11:32
المحور: الادب والفن
    


كل يوم استيقظ صباحاً السادسة أو السابعة لا يهم ... البس ملابسي على عجل , أفطر لو كان هناك طعام , أهرول على درجات السلم ليعلن رنين صوت حذائي عن وجودي , أخرج من باب البناية القديم أنظر إلى الشارع , لا أعلم ما سبب رغبتي في البكاء الآن , أتمالك نفسي "كيف لرجل أن يبكي"
هكذا حدثتني نفسي , تركت أقدامي تسير نحو الشارع , أعتقد أنها أصبحت تعلم جيداً كيف تسير , أصل إلى السيارة الأجرة , أركبها برتابة وملل , أضع يدي في جيبي لأخرج الـ "50 قرشاًًًًً" أعطيها للجالس أمامي , يعطيها بدوره للجالس أمامه , حتى تصل في النهاية للسائق فيضعها أمامه بعدم اهتمام , أصل للمترو , ينزلني السلم الكهربائي الذي يجعلني أتذكر أساطير الموتى الأحياء عندما أنظر لمن حولي وأشعر وقتها بأنني أصبحت منهم , أفيق من هلاوسي على صوت القطار الذي يزأر كما لو كان أسداً قادماً لالتهامنا , أدخل جوف القطار مستسلماً لتدافع الناس التي لا تنتهي .
"لا تشاجر حتى الذهاب للمقابر"
هذا هو قانوني في الحياة , أصل إلى العمل , أنكب على الأوراق أكتب , وأكتب , وأكتب , حتى ينتهي اليوم , وتدور عجلة اليوم مرة أخرى في دورتها وينتهي اليوم.
هكذا أنا منذ شهور , الملل ... شعور أصابني فجأة , وجدتني أعيد نفسي كل يوم وبنفس الطريقة , شعرت بشعور غريب يدفعني للتغيير .
"ولكن ماذا أغير"
- وهل أنا قادر على التغيير؟!
هكذا وجدت نفسي تتحداني , ووجدتني في صراع ما بين رغبتي في التغيير , ونفسي التي ترفضه .
"ها ها ها"
ضحكت
"كيف تتحداني تلك النفس وهي من صنعي"
, وجدت الناس تنظر إلي متحيرة , تذكرت الآن أنني في محطة المترو , ولكن
- هل هذا يهم ؟!
قلتها بصوتٍ عالً ولكن تلك المرة متعمداً , جاء القطار , توقف أمامي , تدافعت الناس للركوب , وقفت في مكاني لم أتحرك ,
- تحرك , سيفوتك ميعاد العمل , الثامنة الآن , هيا تحرك .
قالتها لي نفسي , وانتظرت أن أتحرك , ولكني لن أتحرك
- طظ في الشغل .
قلتها بصوتٍ مرتفع أيضاً , تحرك القطار أخذاً معه جموع البشر , لتمتلئ المحطة بدورها بجموع أخرى , وأنا ... مازالت واقفاً , ومازال صراعي يشتعل , مازالت هي تلح , و أنا أرفض , ولكني عندما نظرت إلى الساعة ووجدتها قاربت التاسعة , فضعفت .
"الغياب يساوي خصماً والخصم يساوى فلوساً والفلوس تعني الحياة "
هذا هو قانوني الثاني , زاحمت مع من زاحموا , واقتحمت القطار , رائحة العرق مختلطة بروائح "البارفانات" ما بين الغالية والرخيصة وقفت وانتظرت دوري في الحركة المصاحبة لحركات الناس , شردت بذهني لحظات , أفقت على صوت أعلمه جيداً جاء صارخاً :
- ها قد انتصرت عليك يا عبيط .
نظرت حولي فلم أجد أحداً , الناس من حولي ينظرون إلي بعضهم مستغربين , مستهجنين , وقف القطار ونزلت , كنت أهرول حتى أصل إلى العمل قبل أن يرفع الدفتر .
- تجري الآن !! أين جرأتك ؟ , أين تحديك معي لقد انتصرت عليك لأنك جبان .
وقفت في منتصف الطريق , وقلت مستهزئا :
- لن أذهب إلى العمل اليوم , ولن تنتصري بعد اليوم , أيتها النفس القبيحة .
وقفت متحيراً لدقائق , وبعدها أخذت قراري بعدم الذهاب , الهاتف لا يكف عن الرنين , نظرت في الهاتف , وجدته رقم العمل
- أها لقد أتتني فرصتي للتغيير على طبقٍ من ذهب .
أغلقت الهاتف , ومشيت متبختراً حتى وصلت لاتجاهي في محطة المترو , ركبت القطار , القطار رائق , وصلت للمحطة ونزلت , لا أعلم هل أنا مبسوط مما فعلت أم نادم , لم تعد تفرق كثيراً .
"هذا الإنسان مرفوع مؤقتاً من الخدمة"
كانت رسالتي التي بعثتها لكل الموجودين على شريحة هاتفي قبل أن أغلقه , وصلت إلى غرفتي التي لم أعد أطيقها , هذا السرير لم يتحرك منذ شهور , وتلك المرآة القديمة المشروخة تقف على الحائط وتنظر إلي متحدية , ضربتها بقبضة يدي فانكسرت وتبعثر فتاتها على الأرض , سريري يتحداني , يأخذ حيزاً كبيراً من الغرفة وأنا أكرهه وأكره هيئته العجوز , الدماء تدفق من يدي , لا يهم , هجمت على السرير , وبسرعة فككته , الغرفة أصبح التهريج سيدها , تعبت من كل ما فعلت , وقررت النوم , نمت , وانتهى يومي الأول دون عمل , دون روتين , دون إفادة , ولكن هل يهم ؟! ,
"لا لا , لا يهم"
هكذا قلتها لنفسي , أيام متعددة مرت بعدها , وكان نظام حياتي "لا نظام" ما أفعله في يوم لا أفعله في اليوم الذي يليه , حتى كان ذلك اليوم الذي استيقظت فيه من نومي كانت السادسة , كرهت صوت الحذاء فنزلت من غيره , سألت صاحبة محل الفاكهة عن بعض الفواكه لكي أسد جوعي , لم تجيبني ولكنني رأيت في عينها نظرة خوف , سألتها مرة ثانية لم تجيبني , مددت يدي وأخذت بعض البرتقال , جلست القرفصاء وبدأت في التهام فصوص البرتقال , "الغريبة أن الناس تمر أمامي دون أي اهتمام بي!!" تركت البرتقال على الأرض , قمت مفزوعاً , وصرخت قائلاً :
- لماذا لا تتكلمون معي ؟ , هل ترونني ؟ , أنا أكلمكم , فلماذا لا تتكلمون ؟! .
قلت ما قلت , وانتظرت أن أجد إجابة فلم يحدث , كنت أصرخ بأعلى صوتي , ولكن أين صوتي , أصبحت لا أستمع إليه , أصبح صوتي لا شيء , أصبحت لا أسمع إلا ما بداخلي , صرخت , وصرخت , وصرخت , ولكني لم أسمع شيء , جريت إلى المنزل وصعدت السلم تتخبطني الحوائط , جلست أيام لم أعدها , جوعي اشتد , لبست ملابسي القديمة , نظرت إلى قدمي وجدتها قذرة , تذكرت أني لم ألبس الحذاء لأيام , فلبسته , ونزلت إلى الشارع , جذبني الحنين لمحطة المترو , حاولت أن أوقف سيارة , ولكن مازال تجاهل الناس لي قائماً , فقررت أن أمشي له , مشيت كثيراً , وتعبت كثيراً , حتى وصلت إلى المحطة , بحثت عن الهاتف في جيبي حتى وجدته , فتحت الهاتف , هناك أرقام كثيرة أود أن أطلبها .
- ألو ... ألو ... ألو .
أسمع من يكلمني ولكنه لا يسمعني , أخذت هاتفي , وجريت نحو المحطة , دخلتها , لا أعلم أي الاتجاهات أذهب , ولكن هل تفرق الآن الاتجاهات , عبرت الماكينة الالكترونية , "لم يعترضني أحد" , وقفت منتظراً القطار , أكلم هذا لا يرد , أشعر بأن هناك شيئاً ما يكتفني , ولكن لا يهم , لا يهم , انتظرت القطار , ولكن لماذا أنتظره !! , أنا لن أذهب لمكان معين , تخلصت مما يكتفني , ورأيته قادم , كل الناس أنكرت وجودي , ولم يعد أمامي غيرك , اقتحمت زحام الناس , وانطلقت أقدامي مسرعة نحو هدفها , قفزت من على الرصيف إلى القضبان , لحظات بعدها وانتهى كل شيء .

***

- لقد قتل نفسه المجنون , كان حادثاً مروع , ظل الشاب يصرخ "هل تسمعوني , هل تسمعوني" كنا نرد عليه ولكنه كان في الدنيا غير الدنيا , ظل يصرخ هكذا وعندما اقترب القطار ضرب ما يحيطونه , كان كالوحش لم يستطيع أحد أن يوقفه , ضربهم , وقفز على القضبان حتى أصبح أمامنا أشلاء .
- هل لديك أقوال أخرى .
- لا والله على ما أقول شهيد .
"جزء من تحقيقات النيابة"
تمت



#حماده_زيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفية صنيعة إخوانية!!
- حفل تحرش.. (قصة)
- محمد وعيسى.. بالعكس.. قصة.
- (مينا دانيال) الذي لم أراه إلا مرة وحيدة!!
- ذيل حصان.. قصة.
- خشخاش السماء.. قصة.
- وحي من الشيطان.. قصة.
- أصنام يعبدونها وسموها (تابوهات) (3) عندما تحول (الدين) إلى ص ...
- فاي.. قصة
- صمت العرش. قصة
- (أصنام) يعبدونها وسموها (تابوهات) (2) في عبادة ال (sex) أكتب ...
- (أصنام) يعبدونها وسموها (تابوهات) (2) في عبادة ال (six) أكتب ...
- للحقيقة ظل.. قصة قصيرة.
- عروسة تحترق.. قصة قصيرة
- المرأة بين (العُهر) والسياسة
- اللعبة (مرسي) ما بين جماعته والعسكر!!
- مشاهد من جمهورية (مصربيا) المسيحية.
- (المعرص) مهمته فقط أن يمسك (الفوطة)!! تعقيباً على وصول (مرسي ...
- أصنام يعبدونها وسموها (تابوهات)!! (1) (الحاكم) ذلك الآله الأ ...
- ما وجدنا عليه آبائنا


المزيد.....




- شاهد كيف سخر برنامج كوميدي أمريكي من المشادة بين ترامب وزيلي ...
- ترامب يوقع أمرا تنفيذيا باعتماد الإنجليزية اللغة الرسمية للو ...
- صدور العدد الثاني من -مجلة توقد-الفكرية الثقافية
- الأولى بتاريخ أمريكا.. ترامب يوقع قرارا تنفيذيا محددا اللغة ...
- مصر.. تطورات جديدة في قضية المخدرات لمطرب المهرجانات مجدي شط ...
- الموت يفجع الفنان المصري الشهير باسم سمرة
- الشاعر ميثم راضي يُتوَّج بالجائزة الأولى في مسابقة المعلّقة ...
- زاخاروفا: زيلينسكي هو الفنان الوحيد الذي كنت سألغيه من قائمة ...
- قائد الثورة الإسلامية آية الله خامنئي ينشر تغريدة على صفحته ...
- تحت القصف في غزة.. فريق محلي ينقذ تاريخا مدفونا تحت الأنقاض ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حماده زيدان - دون حذاء أفضل