ابراهيم هيبة
الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 15:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
توجد السيرة الذاتية لكل إنسان في عينيه. ومن بين المئات من النساء اللواتي تعرفت إليهن في حياتي لم أنجذب إلاَّ إلى واحدة؛ ميزتها أنها كانت تملك عيونا مختلفة، وما كان يشدني إلى عينيها هو شيء أروع من جمالهما: أنه رحابتهما. عندما تنظر إليك تلك المرأة تشعر بأن نظرتها تلك تتسع لكل البشر. لا يوجد في رؤيتها للأشياء أي رغبة أو تمييز أو حساب. عندما تنظر إليك، لا يمكنك إلاّ أن تحس بأنك تغرق في بحر من المشاعر تختلط فيه أحاسيس الحب بأحاسيس الأمومة والدفء والمواساة. في الواقع، كانت عيونها تلك توقظ في دائما الشعور النوستالجي بعالم ملائكي ضائع؛ بل إنني كنت أجد فيهما من الرقة والعزاء ما لم أجده حتى في بعض الآلهة. الناس نوعان: نوع له عيون صافية و نوع له عيون ملوثة. في عيون النوع الأول لا تلحظ أي رغبة للإستحواذ: كل صخرة هي صخرة وكل وردة هي وردة. بينما في عيون النوع الثاني كل شيء مشوه بإرادة السيطرة أو بإرادة الإستبعاد والإقصاء.
يعتقد الكثير من المتصوفة بأن للعيون وظيفة دينية غير وظيفتها البصرية. ويوردون هذه الوظيفة تحت عبارة "نعمة الدموع". في الحقيقة يمكن أن يكون الإنسان كاذبا في كل شيء إلا في تلك اللحظات التي يذرف فيها دموعه. أعتبر هذه الأخيرة المعيار الذي يفصل بين الحقيقة والكذب؛ فهذه القطرات، التي تمتزج فيها الحرارة بالملوحة والشفافية بالصفاء، لا تنبجس من عيون الإنسان إلا إذا كان بالفعل قد تمزق شيء ما بداخله.
في كل مرة تهزمني الحياة بجورها و قسوتها لا تعود تراودني إلا رغبة واحدة: أن أهيم على وجهي في صحراء مهجورة وأجهش ببكاء لا ينتهي. البكاء متنفس أونطولجي وترياق ضد سموم الحياة؛ وأكاد أجزم بأن الإنسان لا يجب أن يحاكم بحجم ما ارتكبه من خطايا، بل بقدر ما ذرفت عيناه من دموع؛ فالدموع تفسِّر التاريخ وتبرر كل تعثرات الكائن على أرض الوجود.
#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟