|
البونابرت عمرو سليمان!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3692 - 2012 / 4 / 8 - 15:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
البونابرت عمرو سليمان!
جواد البشيتي
الثورة المصرية (الرائدة المُلْهِمَة) في خطر؛ والعودة إلى الوراء إنَّما هي اتِّجاه الحركة الآن؛ فنظام الحكم القديم نفسه (من حيث الجوهر والأساس) والذي يَبْحَث له عن "رأس" جديدة، أعلن، أخيراً، وبغتةً، أنَّ عمرو سليمان هو مرشَّحه لمنصب رئيس الجمهورية؛ وها هو "إسرافيل"، أيْ "المجلس العسكري الأعلى (الحاكم)"، يَنْفُخ في الصُّور نفخة البعث والنشور، فإذا بالموتى، أيْ أنصار ومؤيِّدي نظام حكم مبارك، يخرجون من الأجداث سراعاً، وإلى "عَرْش مصر" ينسلون؛ فساعة الانقضاض على "25 يناير" أزفت؛ وعلى كل غيور على الثورة، مخلص لها، ولمبادئها، وللأهداف التي من أجلها قامت، أنْ يَدُقَّ ناقوس الخطر، وأنْ يَرْفَع منسوب اليقظة الثورية في بصره وبصيرته!
إنَّه عمرو سليمان، قرشهم الأبيض الذي خبَّأوه ليومهم الأسود، عيَّنَّه مبارك، في رُبْع الساعة الأخير من حُكْمِه، نائباً له، ثمَّ فوَّض إليه سلطاته وصلاحياته، لعلَّ سفينة نظام الحكم تنجو من الغرق في بحر الثورة، ثمَّ كلَّفته المؤسَّسة العسكرية بمهمة "إعلان تخلِّي مبارك عن منصب رئيس الجمهورية، وتكليف (هذا الرئيس المعزول) للمجلس العسكري الأعلى بإدارة شؤون البلاد"، ثمَّ دعاه "المجلس العسكري الأعلى"، وبصفة كونه المتوفِّر، سِرَّاً وعلانيةً، على إعداد العُدَّة للانتقال بمصر من "عهد الثورة" إلى "عهد الثورة المضادة"، إلى التواري، والاعتصام بحبل الصَّمت، والاستراحة التي تشبه استراحة المُحارِب، ثمَّ أخرجه، وعلى حين غرة، من الظلمات إلى النور، مُلْبِساً إيَّاه لبوس "المُنْقِذ" و"المُخلِّص" لـ "الدولة"، أيْ لنظام الحكم فاقِد "الرأس"، إذا ما سُيِّرت رياح انتخابات رئاسة الجمهورية بما يَضْمَن له الفوز بكرسيِّ الرئاسة؛ وإنَّه لكرسيٌّ لو تَعْلمون عظيم!
وإنِّي لأشْهَد لـ "المجلس العسكري الأعلى"، الذي عَرَف كيف يحكم مصر "حُكْماً بونابرتياً"، بـ "حُسْن (وبرعاة ومهارة) الأداء"؛ فهو لَعِبَ اللعبة بحذقٍ وذكاءٍ، إذ أوْهَم "ميدان التحرير" أنَّه مِنْ ثوَّاره، ولهم، صادِق ومُخْلِص في نصرته لهم، منتصِرٌ لمطالب الثورة وأهدافها، ولسوف يؤدِّي، عمَّا قريب، وعلى أنْ يصبروا؛ لأنَّ الصبر مفتاح الفرج، الأمانة إلى من ائتمنوه؛ فاستبدَّ الوهم بالثوار، واستحدثوا لوهمهم هذا شعاراً من جنسه هو شعار "الجيش والشعب يَدٌ واحدة"، فإذا بـ "المؤتَمَن" يَجْعَل شعارهم على هيئة "خنجر"، وُضِعَ في يد بروتوس، فلم يبقَ لهم إلاَّ أنْ ينطقوا بما نطق به "المغدور".. "حتى أنتَ يا بروتوس!".
أمَّا القائلون بشعار "الإسلام هو الحل" فغالوا وأفرطوا في ثقتهم بـ "أبي سفيان"، فدخلوا بيته؛ فمن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن، وشرعوا يبيعون له "25 يناير" بثلاثين من الفضة، لعلَّهم يقتسمون معه فقط، أي مع "المجلس العسكري الأعلى"، "كعكة السلطة"، ولعلَّ "المشير" يهتدي أخيراً، فَيَقْبل "قِسْمَةً عادلةً"، يعطي فيها ما لله لله، مُسْتَبْقِياً له ما لقيصر.
وسرعان ما جَعَلَهم الوهم ضحية لعاقبة من عواقبه ألا وهي "الحماقة"؛ فلمَّا ارتفع فيهم منسوبها ظَنُّوا أنَّ السلطة كلها أتتهم منقادةً، إليهم تجرجر أذيالها، وكأنَّها لم تكن تصلح إلاَّ لهم، وكأنَّهم لم يكونوا يصلحوا إلاَّ لها؛ وشرعوا يتعرُّون من كل ثيابٍ "جميلة" لبسوها عن اضطِّرار، فأخافوا وأفزعوا "الآخر"، المختلف عنهم، والمخالِف لهم، فتمزَّقت "الثورة"، بسيفهم، جسداً وروحاً، سلاحاً وهدفاً، فما كان من المتربِّصين بها الدوائر إلاَّ أنْ خرجوا على الشعب وثورته شاهرين عمرو سليمان لعلَّه يأتي بمعجزة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء!
إنَّه لجَبَل الثورة يتمخَّض؛ فهل يَقْبَل "ميدان التحرير" لهذا الجَبَل العظيم المُتمخِّض أنْ يَلِدَ فأراً؟!
"الحلُّ" في متناوَل الأيدي، أيدي الحريصين على الثورة، وعلى بلوغها هدفها النهائي والذي هو على مرمى حجر من "ميدان التحرير"؛ فما على أولئك الذين اتَّحَدوا في الثورة، وبها، إلاَّ أنْ يعودوا جميعاً، وسريعاً، إلى اتِّحادهم (الثوري) ضدَّ نظام الحكم نفسه، وضدَّ عمرو سليمان، بصفة كونه الجسد الذي فيه حلَّت روح مبارك، وليستأنفوا الصراع من "الميدان" نفسه، وليزجُّوا الآن بـ "مجلس الشعب"، وبـ "الجمعية التأسيسية"، في هذا الصراع، "شعارهم" الآن "لا انتخابات رئاسية قبل دستور جديد يُقَرُّ في استفتاء شعبي"؛ وعلى مُعدِّي مشروع الدستور الجديد أنْ يُضمِّنوه من النصوص والبنود والمواد ما يَجْعَل منصب رئيس الجمهورية كمنصب ملكة بريطانيا لجهة ما يتمتَّع به صاحبه من سلطات وصلاحيات، وما يَضْمَن، في الوقت نفسه، تركيزاً للسلطة التنفيذية في حكومة منبثقة من البرلمان؛ وليأتِ، بعد ذلك، من يأتي إلى منصب رئيس الجمهورية؛ فإنَّ "فَرْعَنة" سلطات وصلاحيات صاحب هذا المنصب هو الطَّامة الكبرى؛ وعندئذٍ، يَرُدَّ "ميدان التحرير" كَيْد لاعبي ورقة "عمرو سليمان" في نحورهم!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يُمْسِك عنان ب -العِنان-؟!
-
-انهيار المادة على نفسها- في معناه -الفيزيائي الفلسفي-!
-
حتى لا تغدو -الديمقراطية- نفياً ل -الوجود القومي العربي-!
-
الثورة المأزوم عليها.. و-الفوضى الخنَّاقة-!
-
-الإخوان- الديمقراطيون!
-
-إخوان- مصر ولعبة -الشَّاطِر-!
-
يوم الأرض والقدس في مناخ -الربيع العربي-!
-
-النَّظرية- من وجهة نَظَر جدلية
-
Arab Idol
-
الحكيم لافروف!
-
في أيِّ مسارٍ تُسيَّر -قضية الهاشمي-؟!
-
ظاهرة -مَنْ يَرْميني بالثَّلْج أرْميه بالنار-!
-
-الإعلام- و-الصراع في سورية-!
-
بريد الرئيس!
-
سفَّاح الشَّام!
-
في فِقْه -المؤامَرة-!
-
-يوم المرأة العالمي- في -عالَم الرَّجُل-!
-
نشكر أوباما.. ونهنِّئ الشعب السوري!
-
-الربيع العربي- يَطْلُب مزيداً من -الرُّوح القومية-!
-
هل يَثِق نتنياهو ب -تَعَهُّد- أوباما؟
المزيد.....
-
الكويت توقف التبرعات مؤقتًا.. وجمعيات خيرية تسعى لاستئناف ال
...
-
ترامب يتظاهر بالتخلّي عن أوكرانيا
-
العم سام يتخلف عن التنين
-
وزارة التجارة الصينية تؤكد أهمية حل الخلافات مع الولايات الم
...
-
WSJ: ويتكوف قد يتوجه إلى روسيا بعد محادثات في لندن مع الأوكر
...
-
-كان-: جهات أجنبية مسؤولة عن توزيع فيديو حرق الأقصى
-
-نيويورك تايمز-: هيغسيث شارك خطة ضربات على اليمن في دردشة ثا
...
-
تحوّل كبير سيغيّر وجه العالم
-
الحوثيون يتهمون القوات الأمريكية بشن غارات جديدة على صنعاء أ
...
-
تل أبيب تلغي تأشيرات نواب فرنسيين قبيل زيارتهم إلى إسرائيل و
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|