أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الخياط - هواجس سرقة فاشلة















المزيد.....


هواجس سرقة فاشلة


عادل الخياط

الحوار المتمدن-العدد: 3429 - 2011 / 7 / 17 - 13:33
المحور: الادب والفن
    


أغلق الباب وقفله بالمفتاح وهو يلهث , ثم إتكأ عليه وهو يلهث , ساندا رأسه , مُغمضا عينيه , ليُوحي للناظر من خلال ذلك اللهاث المتناوب على صدره أن ثمة جِنياً خرافيا كان يطارده ! .. لبث على ذلك من ثلاث إلى خمس دقائق . هل هي غفوة خوف أم أمان ؟ .. وحين فتح عينيه داهمه فزع مفاجئ , إذ الظلام نفس الظلام , فإنتفضت يده بسرعة نحو سويج المصباح وضغطته فلم يشتعل , أخرج عود ثقاب وشعل الفانوس المُعلق قرب عتبة الباب فإنفرجت مُكونات المكان على تدرج الشعلة الشُبه خافتة . جال ببصره في أنحاء المكان بفضول وكأنها ليست غرفته التي يسكن فيها منذ زمن طويل ! جلس على الأريكة , ثم نهض وجلس على السرير . حاول أن يمسك الذي يدور في رأسه , لكن الأحداث كانت تأتي وتزيغ هاربة . حاول ترتيبها منذ إنتهائه :" نزلنا السُلم , إجتزنا منتصف الشارع , ثم ركضت بدون أية ملاحظة منهم .. بعدها .. لا فائدة , لا أقدر , رأسي يكاد ينفجر !" .. نهض , تمشى مكدورا .. نظر ملابسه . كان الوحل يرتفع معه حتى هامته . دمدم :" من حسن الحظ إنها لم تأتي بغير هذا ." ثم إتجه إلى الدولاب وغير ملابسه , ثم إنتبه إلى زجاجة شراب في ركن الدولاب , جلبها ودار كأسا , ولم يشربه , وضعه على طاولة صغيرة , وجال ببصره مرة أخرى .. حتى إستقرت عيناه على باب الغرفة .. تذكر ذلك الشخص :" حقا , كيف أمنت ذلك الشخص إلى تلك الدرجة من الثقة , هل كان فِعلي فِعل إنسان عاقل , أبقى عنده أكثر من ساعة , وأعطيه عنواني كاملا ." ثم سكت وقد بدا إن رأسه قد إحتواه شيء ما , وبالفعل , فقد تساءل بعد برهة :" حقا إنه أمر غريب , لماذا فعل ذلك , شيء لا يُصدق , يُومئ لي من النافذة , ثم ينزل ويفتح الباب ويصحبني إلى بيته ويُهدئ من خوفي وتوتري ثم يطلب مني بعد فترة عدم الإنصراف خوفا من إنتظار الشرطة ؟! " . حاول أن يجد تفسيرا مُقنعا لسلوكه معه :" ربما يريد أن يستغلني لأشياء خاصة به , فمحتمل إنه باحث إجتماعي ويريد أن يعمل بحثا من نوع ما علي ." لكنه إستبعد وإستسخف الفكرة :" لكن بحث من أي نوع , فقد صحبني إلى بيته وهو لم يعرف شيئا عني , لم يعرف عن السرقة , والدليل إنه سألني عن التفاصيل لاحقا , وعندما أخبرته إن الشرطة لاحقوني لمجرد إنني حاولت مصالحة صديقي في الشارع فأخذ يصرخ, لعنَهم ولعن أفعالهم . " ويستطرد في إستبعاد الفكرة :" كذلك أي باحث هذا الذي لا تحتوي مكتبته إلا على كتاب مُزركش واحد وبضعة ملفات ومجموعة صُور مُؤطرة لأشخاص ملتحين ." وصمت مستغرقا .. ثم عاود المخاض من بُعد آخر : " نعم , هو محتمل يريد أن يستغلني , ولكن من حيز آخر , فمن المحتمل انه تاجر مخدرات أو شيء من هذا القبيل , ويعكس ذلك بيته الضخم الذي يسكن فيه ."
ثم تداخلت الهواجس في رأسه فقادته إلى شريكه في السرقة " مُراد " , فأخذ يتساءل :" ومُراد هل مسكوه ؟ لا شك إنهم مسكوه , ومسكوه مصابا , فقد كانوا على مقربة منه وهم يصيحون عليه :" توقف .. توقف وإلا أطلقنا النار ." . ثم تداعت الوقائع أكثر :" لكن كيف أصابوه وقد سمعتهم يقولون أثناء إختفائي في حديقة منزل ذلك الشخص :لا فائدة , لقد إختفى , لا أعرف إن كانوا يقصدونه أم يقصدوني أنا ؟!" .. وبجزع تواصل هرش رأسه :" لو يأتي , لو أعرف مكانه , هل أذهب إلى هناك لأتفقد عن بُعد , قد يكون ... ." .. وعندما تعِب رأسه من كثرة الفسخ على ما حدث ضربه بالجدار ونهض وهو يُؤمل نفسه بقدوم " مُراد " ليرى ماذا سيفعل معه غدا .. جلب زجاجة الشراب وجلس محاولا أن يقتل الإنتظار بالشرب .. فلم يقدر , تناول كِتابا وأخذ يُقلبه .. أيضا لم يستطع .. نهض , أخذ يذرع الغرفة جيئة وذهابا .. في لحظة طرأت له فكرة تغيير أماكن محتويات الغرفة , فنقل السرير إلى مكان الأريكة , ونقل قمارة رفوف الكتب إلى جهة أخرى , ثم عَلق لوحة لسلفادور دالي كان قد حصل عليها ذلك اليوم .. بعدها أخذ يتملى في الوضع الجديد .. لكن دون جدوى .. فعاد إلى ذرع الغرفة بالمشي وبتوتر أكثر , وإسترسل على ذلك حتى بلغ إتقاد الجمر في رأسه الذروة !! فإتكأ على الجدار . مضت برهة على ذلك .. فإحتواه قليل من الإسترخاء .. إختلطت الهواجس بين مُراد والشجرة والشخص الذي أنقذه من الشرطة , فقال : " لا بد من إسترخاء أكثر , سيشل الإضطراب تفكيري تماما إذا بقيت على هذه الحالة ." .. إتجه إلى الأريكة وجلس بتراخ , ثم شعل سيجارة وشرب كأسا .. فبدا أن الجمر قد أخذ يهفت في رأسه , مضى على تلك الحالة وقتا .. إلى أن طرأت فكرة الخروج والذهاب لحديقة المنزل لجلب النقود المدفونة قرب الشجرة , قلَبَ الأمر يمينا شمالا : " هذا هو أفضل وقت للذهاب , الجميع خلدوا إلى النوم الآن ." ونهض , وقبل أن يفتح الباب , طرأ شيء نقيض :" لكن يجب أن أنتظر , لا بد من وضع خطة لذلك , الذهاب الآن ربما يُوقعنا في ورطة ." . رجع وجلس , ثم عاد إلى الشخص المُنقذ :" يا ترى هل أحس إنني لص ؟ لا أعتقد , لو أدرك ذلك لسلمني إليهم ."
وتتواصل متوالية الجزع :" يا لهذه المصيبة , لو يطلع الفجر , أكاد أُصاب بالجنون , لكن كيف لا أجن , لو ضاعت النقود ستحل كارثة عليَ وعلى مُراد ." .. هل ثمة " طنطل " كان من الممكن أن ينتشله من ذلك الوضع ؟.. شعل سيجارة ونهض متجها إلى النافذة : كانت مصابيح المدينة مطفأة إلا بعض الفتوق المضيئة في الأفق المُعتم ! فتح النافذة فإستقبله هواء رطب ورذاذ مطر .. أيقن حينها إن مُراد لن يأتي بعد ذلك . توغل أكثر في عالم صديقه مُراد , فإحتواه تصور لم يكن جديدا , لكنه برز فجأة :" كيف تصورت عدم حضور " مُراد " الآن وفي المرة السابقة عندما إعتقدته مُصابا , فقد كفرَ بالوجود كله نتيجة العوز الذي كان يترنح تحت وطأته , إذن فهو إما مات من أحدى الإطلاقات التي أطلقوها عليه , أو إنهم أمسكوا به بعد إصابته ."
أغلق هذا الإعتقاد أي بصيص أمل بعودة " مُراد " , فعاد إلى الأريكة ورمى بجسده عليها وقد خيم عليه ظلام مُطبق .. لكن بعد هُنيهة ظهر إعتقاد معاكس :" لكن إذا كانوا قد مسكوا به , فمن الطبيعي سيشهد علي بعد معاينة المكان المسروق ." ويرتد إستفسار :" وكيف يعرفون المكان المسروق ؟ .: لا بُد إنهم عرفوه , فقد شاهدوكما تهبطان سُلم البناية , والمحتمل الأكثر توقعا أن " مُراد " يعترف ويشهد عليك أيضا ..: هذا صحيح .. : وإذن يجب أن تختفي في مكان غير مكانك هذا ."

إذ ذاك غلق النافذة بسرعة , ثم هام يبحث عن المفاتيح مضطربا , وفي اللحظة التي إلتقطها من على الطاولة زاغت عيناه بإتجاه الساعة الجدارية , فوجد الوقت يقترب من الرابعة , فإنتابه بعض الهدوء , ثم أخذ يُطلق بعض التبريرات :" لكن مضى وقت طويل , لو كان مُراد وشى بي لكانوا قد داهموني منذ وقت مُبكر ." وأضاف بقناعة أشد :" لا , لا , لا شك إني أبالغ كثيرا , لا بد إن مُراد أيضا إنتابه بعض القلق عليَ , مثلي تماما , ويخاف أن يأتي الليلة ." .. وبسخط :" آه .. اللعنة على الشرطة , لماذا يطاردوننا يا ترى , هل جريمة أن نأخذ جزءا من ملايين أولئك المُتخمين ." ثم عاد ورمى بجسده على السرير , فسرى في عروقه وصعد إلى رأسه موج من الخدر , غفا برهة .. فأيقظته دقات الساعة الجدارية مُعلنة الرابعة ليلا , فلعنها ونهض , جلب وسادة وإنطرح محاولا النوم .. لكن عبثا .. فبعد فترة من التقلب .. نهض وجلس جلوسا غير مستقر . أية سموم تغل أنفاسه , حتى النوم ذهب عنه !

إستقرت عيناه في تجوال جديد على زجاجة الشرب , فقرر أن ينفض النصف الباقي حتى يطلع الفجر , وجلس يشرب ويتصفح بالكتاب .. وبعد برهة غلبه النوم , فسرح جسمه على السرير وغاب في غفوة ما صحا منها إلا على وقع طرق شديد على الباب ! فتح عينيه ونهض فرأى ضوء الشمس يملأ الغرفة . كان المفعول لم يزل في طلعته وسلوكه : نصف عين وبقية الرعيل في المجهول .. بدا عليه إن رُكام الأشياء التي أرقته طيلة الليلة الماضية غدت خلف المتناول العقلي , فأرجع رأسه إلى الوسادة , إتضح من فِعله هذا إنه يود أن يغفو إلى الأبد !؟ .. غير انه بعد برهة نهض , تمعن الأشياء حوله فرأى مظروفا صغيرا قرب الباب , مشى إليه يجر خطواته بتثاقل , إلتقطه وفتحه , كانت ثمة " نُوى - حبات فاكهة " داخل المظروف وكلمات مخطوطة على ورقة
تقول :" يبدو انك يا سيد سعيد لص ساذج , لم تتعلم أصول السرقة على أسس صحيحة , فالسرقة لها قواعد وأصول ليس أي شخص يتقن فنونها إلا الذين تمرسوا عليها طويلا في مخاض الحياة , ولذلك فإن النقود التي دفنتها قرب الشجرة في حديقة منزلي أصبحت من حصتي , أنا الشخص الذي أمنتك من الشرطة ,تستطيع حسابها على أساس عادل : أمنتك من الشرطة وإستوليت على النقود , هي هكذا الحياة , الحياة فُرص كما يقولون , أتمنى لك فرصة أخرى بشرط أن لا تقع في طريقي !

المُوَقع : رئيس مجلس المحافظة "

صعقتهُ الكلمات , سقطت الورقة والنوى من يديه دون وعي .. ورجع يُجرجر رجليه مبهوتا , وعلى تلك الحالة أخذ يدور في الغرفة مثل المجنون .. ثم وفي لحظة أطلق صيحة قوية بأعلى صوته :" أين أنت يا مُراد .. ضاعت الفلوس .. فإرتد عليه صوت مُراد مُدويا في فضاء رأسه :" كيف ضاعت يا مجنون , كيف , كيف .. كيف .. وقهقهة رئيس مجلس المحافظة تتمازج مع صيحات الندم والضياع .



#عادل_الخياط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤيا فيلم ( The Dog ) و - بشار الأسد -
- رحيم الغالبي , رحيل أحد شهود تاريخ الشطرة
- العِقال البلطجي
- - سلام عبود - تحت أطنان التناقضات - ج 3 -
- سلام عبود - تحت أطنان التناقضات - ج 2 -
- - سلام عبود - تحت أطنان التناقضات - ج - 1 -
- المُتزلِف لرئيس السلطة , ورئيس السلطة المُتزلِف
- ما لم يتطرق إليه - كاظم حبيب -
- عن كاريزما القذافي الوهمية
- هل يقرأ مسؤولو نظام دمشق الحوار المتمدن ؟
- بين قلعة - جواد سليم - ودُعاة العمامة
- أوجه التشابه بن - نوري المالكي - و - عزيز صالح النومان -
- يا نوري المالكي ..... دائما لا يخجلون !
- يا عراق ما دُمت تحت أمر المرجعية , فلا حظ يُرتجى فيك !
- أهم أربعة زُعماء صلِفين في التاريخ السُلطوي
- كيف ينظر القوميون والإسلاميون العربان إلى الثورات ؟
- المُفتي البدوي أصبح سياسيا !
- تلاقفوها يا ملالي طهران , بالأمس العراق واليوم لبنان !
- القرضاوي يُحب كرة القدم في حالات مُحددة
- قنينة عَرق مُعتق على عمامة - اليعقوبي - لتعقيمها من الجراثيم


المزيد.....




- مازن الناطور نقيباً للفنانين في سوريا
- الفنانة المصرية وفاء عامر تفاجئ أبطال مسلسل خليجي بـ-البط وا ...
- الفنان داود حسين يكشف تفاصيل حالته الصحية (فيديو)
- تعيين الفنان مازن الناطور نقيبا للفنانين السوريين
- أمسيات الثلوثية.. ثقافة تثري ليالي رمضان
- لتقديمه -رواية جديدة-.. تحرك رسمي في إيران ضد مسلسل معاوية
- إيران تحظر دبلجة وبث مسلسل -معاوية-
- شارك في -الحجاج- و-خالد بن الوليد-.. رحيل الممثل الأردني إبر ...
- أبرز المسلسلات الخليجية في رمضان 2025
- فيلم -أحلام عابرة- لرشيد مشهراوي: رحلة طفل من مخيم قلنديا إل ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الخياط - هواجس سرقة فاشلة