|
حوار حول العلمانية
هشام غصيب
الحوار المتمدن-العدد: 3389 - 2011 / 6 / 7 - 00:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
* 1 الى اي حد تصح مقولة (العلمانية هي الحل ) وكيف يكون ذلك ، وعلى اي صعد في الدولة؟
إني لا أتحمس كثيرا لمثل هذه المعادلات المبسطة. إذ إنها تعجز عن تملك الواقع الحي بحركيته وتعقيداته وثرائه. إن هذه المعادلة تجعل من العلمانية صنما مقدسا، وهذا ما لا نريده بتاتا. وأرى ان العلمانية هي مهمة من مهمات النهوض أو التحرر أو التحديث القومي. إنها مهمة من مهمات اللحاق بركب الحضارة. وهي بعد اساسي من أبعاد الثورة الثقافية والثورة السياسية. فالعلمانية هي بعد أساسي من أبعاد تحديث الوعي والنظام السياسي. إنها ثورة ثقافية تسعى إلى نقل الوعي الجمعي من نمط التفكير القروسطي المتمحور حول الذات الإلهية إلى الفكر الحداثوي المتمحور حول الذات الانسانية من جهة وحول الطبيعة بوصفها كيانا ماديا مستقلا تحكمه قوانين رياضية من جهة أخرى. وهي تسعى إلى نقل البنى السياسية من النمط الإقطاعي إلى النمط الحداثوي المتمحور حول مفهوم الذات الفردية الحرة والمواطن الحر. ومن ذلك ينبع تاكيدها على الحريات، وفي مقدمتها حرية التفكير والمعتقد ونقده، ونبذها ثقافة القطيع والوصاية، وتأكيدها على قيمة الذات الفردية وقناعاتها الذاتية.
* 2 لماذا لا يتحقق الرفاه في “دول علمانية” كثيرة في العالم في العصر الحديث؟
أين هي هذه الدول العلمانية المزعومة؟ وهل هي علمانية بالمعنى التاريخي المطروح أعلاه؟ إن العلمانية لا ترضى بأي نوع من الوصاية الفكرية على الأفراد والمواطنين، سواء أكانت وصاية دينية أم غير دينية. ثم إن قضية الرفاه قضية أخرى تدخل في تحديدها عوامل كثيرة. والمفهوم الجوهري في هذه الحالة هو مفهوم نمط الإنتاج وطبيعة التشكيلة الاجتماعية، وليس مفهوم العلمانية، التي لا تشكل سوى بعد واحد من أبعاد التقدم.
* 3 كيف حقق المسلمون حضارة في دولة دينية ؟ أم أن الدولة الاسلامية لم تكن دينية ؟
لا نستطيع أن نختزل الدولة في الحضارة العربية الاسلامية إلى بعدها الديني فقط. ومع أن الدين أدى دورا مهما في صراعات تلك الحضارة وفي تحديد طبيعة الدولة والممارسة السياسية، إلا أن هناك ابعادا تفوقه أهمية، مثل الطريقة التي كان يتم بها شفط الفائض وتصريفه. وقد مرت الدولة الاسلامية بمراحل تنموية مهمة، وبخاصة إبان الحقبة العباسية لأسباب تاريخية معقدة لا يتسع المجال هنا لذكرها. لكنها ما لبثت ان وصلت إلى طريق مسدودة وتكلست تماما، خصوصا في المرحلة العثمانية. ولا شك أن هيمنة نمط معين من التأويل الديني أدت دورا مهما في هذا التكلس والتأخر. ويمكن القول إن قوى الثورة المضادة تصاعدت حتى ختمت على أنفاسنا منذ العصور الوسيطة بعد أن تمكنت من تصفية العقل النظري العربي والعقلانية العربية. ان التقدم الحضاري في العصر العباسي لم يكن مرده الى سيطرة الدين، وانما الى سيطرة قوى تنموية على الدولة وسعيها الى احياء العقلانية الاغريقية وهضمها وتمثلها عربيا، أي الى النزعات العلمانية التنموية في الدولة العباسية. * 4 بماذا تختلف العلمانية التركية عن نظيراتها في دول العالم ؟
ان العلمانية التركية علمانية منقوصة. اذ هبطت على الشعب التركي من عل، فلم تتجذر من ثم في تربة الشعب التركي ولم تمس ثقافته في الصميم. كما انها جاءت ردة فعل— مجرد ردة فعل– على هزيمة الدولة العثمانية وقصورها وتخلفها. أضف الى ذلك أنها اقترنت بحكم العسكر الاستبدادي ووصايتهم. لكن العلمانية الحقة ترفض أي وصاية على الأفراد خارج ضمائرهم وقناعاتهم الذاتية. قد يكون وعي العسكر الترك غير ديني، لكن ذلك لا يعني أنه علماني. وأحسب أن أنساقا فكرية سلفية تشبه من حيث الجوهر أنساق السلفية الدينية تحكم ما يسمى العلمانية التركية. ان العلمانية التركية ليست الأنموذج المطلوب للعلمانية.
* 5 هل من الممكن ان تنجح الديمقراطية بدون العلمانية؟
بالتأكيد لا. ان الديموقراطية تظل منقوصة من دون العلمانية. فمن دون العلمانية، تكون الديموقراطية ديموقراطية الطوائف، كما في العراق ولبنان، أو ديموقراطية الملالي وولاية الفقيه، كما في ايران. ان الديموقراطية في حدها الأدنى تفترض الفرد الواعي لقيمته بوصفه فردا والواعي لحريته وحرية خيارانه. فلا يمكن من ثم أن تنسجم مع سيادة ثقافة القطيع والوصاية باسم نص أو نسب.
#هشام_غصيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقومات سحر تولستوي
-
دستويفسكي وأدب الاستغراب
-
غوغول وظاهرة الرواية الروسية
-
أفول الكون البلوري
-
شبح اللانهاية
-
الماركسية هي نقيض الصهيونية
-
دفاعاً عن الماركسية
-
لغز الكتلة
-
محنة المادية اليوم
-
فجر العقل الجدلي
-
من فلسفة الثورة إلى علم الثورة
-
نحن وعقيدة التنوير
-
المكان بوصفه مادة
-
تميز العقلانية المادية
-
مشروعنا الفلسفي
-
هندسة ريمان
-
المعزى التاريخي للحضارة العربية الإسلامية
-
من الفلسفة إلى علم الإنسان
-
فلسفة ماركس
-
سمير أمين مستغرباً
المزيد.....
-
طريقة تثبيت قناة طيور الجنة الحديث على النايل سات وعرب سات ب
...
-
بطريركية موسكو وسائر روسيا تندد بحظر إستونيا الكنيسة الأرثوذ
...
-
جيش الاحتلال الإسرائيلي يرفع مستوى التأهب قبل أيام من عطلة ع
...
-
فيديو حريق في الجامع الأموي بدمشق.. ما حقيقة الحادث؟
-
السودان.. تجدد جدل ارتباط الجيش والإخوان بفوضى -التمليش-
-
اعتذار ماكرون إلى شيخ الأزهر عن -الإساءة إلى الإسلام-.. ما ح
...
-
دائرة الإفتاء العراقية تؤكد على ضرورة الجهاد والقتال نصرةً ل
...
-
كيف نشأت الطرق الصوفية في مصر؟ وما علاقتها بالتشيع؟
-
بابا الفاتيكان يلتقي ملك بريطانيا
-
طريقة تثبيت تردد طيور الجنة الجديد على النايل سات والعرب سات
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|