|
فلسطين، ما بين ثورتين وأدنى وأبعد.
رائد الدبس
الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 23:15
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ دخول جيوش الإنقاذ العربية إلى فلسطين قبيل النكبة وحتى يومنا هذا، حدثت تغيرات هائلة على أوضاع الأنظمة العربية، وحدثت تطورات تاريخية كبيرة على مسارات ودروب العلاقات العربية-الفلسطينية. فقد سقطت وتغيرت الكثير من الأنظمة وتحولت بعض الملكيّات إلى جمهوريات،عبر سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية، كما استقلت وولدت دول جديدة، شهدت بدورها كثيراً من الانقلابات والتغيرات. خلال وأثناء كل تلك المتغيرات الكبرى التي شهدتها الأنظمة العربية، حدثت العديد من التكتلات والأحلاف والانقسامات العربية باسم القضية الفلسطينية أو تحرير فلسطين. وكان الشعار الذي ترفعه الأنظمة العربية على الدوام، أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، وقد تنافست على رفع ذلك الشعار، الأنظمة التي كانت مصنفة بالرجعية، مع تلك المصنفة على أنها أنظمة ثورية. ومنهم من أبدع في العقدين الأخيرين من الزمن شعاراً آخر يقول بأن القضية الفلسطينية هي قضيته الشخصية.( نظام الرئيس التونسي المخلوع بن علي، الذي ألغى أو همّش تدريسها في مناهج تونس الدراسية والجامعية). وعلى امتداد عقود طويلة، بقيت كل هذه الشعارات بالنسبة للأنظمة العربية، تعمل كوصفة ممتازة تُستَخدَم للتوظيف الداخلي، في ظل تجميد وتعطيل قضايا الحرية والديمقراطية والتنمية الحقيقية، وفي ظل إدراك الأنظمة أن قضية فلسطين تحظى بمكانة مركزية في عقول وقلوب كافة الشعوب العربية. ثم أضيفت إليها في العقد الأخير من الزمن وصفة جديدة، هي مكافحة التطرف وتنامي خطر التيارات الأصولية والإسلام السياسي.
في كلتا الحالتين، فشلت هذه الأنظمة في تحقيق أي من تلك الشعارات. كما فشلت في إقناع شعوبها بمصداقيتها وجديتها. ولم تفلح إلا بتكريس صورتها في أنظار الشعوب العربية والعالم، كأنظمة مستبدة تساهم في صنع التطرف وتفريخ الأصوليات والفساد، ولا تكترث بقضايا شعوبها ولا بقضية فلسطين طبعاً. خلال ذلك، ومنذ نكبة فلسطين وحتى يومنا هذا، استمرت إسرائيل بترديد مقولة رئيسية من شقّين، أولاً: هي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة والصغيرة، المحاطة بصحراء واسعة من أنظمة ديكتاتورية مستبدة متخلفة، وشعوب غاضبة بفعل استبداد الأنظمة. وثانياً: أن الشعوب العربية تؤيد تنامي هيمنة التيارات الأصولية المتطرفة والإسلام السياسي. في الشق الأول من تلك المقولة، المتعلق بوصف طبيعة الأنظمة العربية والشعوب الغاضبة من الاستبداد، صَدَقَت إسرائيل وكذّبتْها الأنظمة. وفي الشق الثاني المتعلق بتنامي هيمنة التيارات الأصولية على شعوبنا العربية، كذَبَتْ إسرائيل وشاءت الأنظمة أن تصدق كذبتها وأن ترددها من ورائها، لأن الأخيرة وجدت في ذلك تبريراً لبقائها واستمرار استبدادها. ولقد جاءت ثورة شباب تونس ومصر، لتُسقِط كذبة إسرائيل والأنظمة على حد سواء. فهما ثورتان شبابيتان شعبيّتان وسلميّتان، أثبتتا أنهما ضد استبداد وفساد والأنظمة، لأجل تحقيق الحرية والديمقراطية، وليس للتيارات الأصولية أو الإسلام السياسي أي دور أو تأثير يُذكَر في صنعهما أو توجيههما.
هنالك من لاحظ غياب الشعارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، عن معظم فعاليات الثورة التونسية والمصرية، وذلك على عكس المشهد المألوف للثورات والانقلابات والتظاهرات العربية الرسمية والشعبية، على امتداد العقود الستة الماضية. هذا الأمر في حد ذاته يمكن اعتباره مؤشراً صحياً كبيراً، ودلالة وعي سياسي طال انتظاره. فالحقيقة هي أن فلسطين لم تربح شيئاً أبداً من ذلك الاستخدام المكثف لاسمها ولقضيتها العادلة، في ظل التغييب شبه الكامل لقضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان العربي، التي كان يتمّ انتهاكها على أيدي أنظمة مستبدة، سواء حكمت شعوبها باسم الدين أو الأيديولوجيا القومية والاشتراكية، أو باسم مقولات الاستقرار والأمن والأمان الزائف. أما عن إيمان الشعوب العربية بفلسطين وقضيتها، فهو إيمان راسخ ولا خوف عليه.
في المراحل الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية، كان هنالك من رفع شعاراً يقول: طريق تحرير فلسطين يمرّ عبر إسقاط الأنظمة العربية. لكن الأحداث، سرعان ما أثبتت خطأ هذا الشعار وسذاجته السياسية، وقد تمّ التراجع عنه سريعاً في حينه. فالأنظمة التي قامت على فكرة الهوية القطرية الضيقة واستمرت في ضخّ تلك الفكرة وتضخيمها، لا يمكنها أن تسقط هكذا بدعوة تأتي من خارج أقطارها، حتى لو جاءت تلك الدعوة من فلسطين التي تحظى بإجماع لدى شعوبها. ومن الفضائل الكثيرة لثورة تونس ومصر من بعدها، أنهما أعادتا بلورة وصياغة المفهوم الصحيح لجدلية العلاقة بين استقلال فلسطين وتحررها من الاحتلال، وحرية واستقلال الشعوب العربية عن أنظمة الاستبداد والفساد والقمع. وأعادتا التأكيد على حقيقة أن تحرير تلك العلاقة من عبء شعارات التوظيف السياسي، هو بداية الطريق الصعب والطويل. وواهم من يظن أن نجاح ثورة مصر أو تونس، سوف يصبّ في خدمة طرف فلسطيني دون آخر. إنهما تصبان في خدمة فلسطين ومستقبلها الديمقراطي المدني الحر . تلك هي شمس فلسطين الحقيقية التي تشرق الآن، من فجر ثورتي تونس الخضراء ومصر المحروسة، وأدنى وأبعد...
#رائد_الدبس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمعة مصر العظيمة.
-
سقوط هيبة وفكرة النظام.
-
بصرف النظر، لا لطبائع الاستبداد !!
-
تونس تكسر النمط
-
تونس وأثر الفراشة.
-
جوليان أسانج : الرسالة والصفقة.
-
أوّلُ الغيث : هدف برازيلي في مرمى الشرعية الدولية
-
ويكي ليكس : لعبة الأمم والعولمة الماكرة .
-
في الذكرى السادسة لرحيله: كي تبقى العرفاتية فكرة حيّة .
-
خصوصيات ثقافية حمّالة أوجه.
-
فيروز أسمى من قرار المنع
-
سلوك القطيع وسيكولوجيا الحشد
-
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وفزّاعة التوطين!!
-
سياسة العمق الاستراتيجي لتركيا وحصار غزة
-
ما بعد رياح السماء ودلالاتها.
-
محاكم التفتيش الجديدة والثقافة الاعتباطية.1-
-
حوار الأديان -3 :دور الجامعات ومراكز البحث العلمي في بلادنا
...
-
حوار الأديان: هل يستطيع الفارس أن يجري أسرع من جواده؟(2)
-
حوارُ الأديانِ : هلْ يستطيعُ الفارسُ أن يجريَ أسرعَ منْ جواد
...
-
مقال
المزيد.....
-
حزمة استثمارات قطرية في مصر بقيمة 7.5 مليار دولار
-
زيلينسكي يدعو ترامب لزيارة أوكرانيا: ستشهد بنفسك التهديد الذ
...
-
بي بي سي ترصد آثار الحرب على البنية التحتية في السودان
-
الصليب الأحمر: إسرائيل تحتجز مسعفاً فلسطينياً مفقوداً في هجو
...
-
إصابة مجندة إسرائيلية في عملية دهس بالخليل وفرار المنفذ
-
في لحظة دولية فارقة... لوكمسبورغ تحتضن أول اجتماع أوروبي رفي
...
-
في قلب بيروت.. التياترو الكبير شاهد على ويلات الحرب الأهلية
...
-
وفاة الكاتب ماريو فارغاس يوسا الحائز على جائزة نوبل للآداب ع
...
-
شاهد ما حدث في غابات اسكتلندا بسبب حرائق هائلة
-
بنغلاديش تعيد حظر السفر إلى إسرائيل
المزيد.....
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|