|
الصيف في بلادنا
مسعود عكو
الحوار المتمدن-العدد: 3068 - 2010 / 7 / 19 - 20:03
المحور:
الادب والفن
إنه الصيف، الحرارة تتجاوز الأربعين، صديقي يضع إبريق الماء خارج الغرفة، وبعد عشرة دقائق، يأتي ويشرب المتة بمياهها التي قد اقتربت لدرجة الغليان، المتة مشروب شعبي في مناطق الساحل السوري وجبل الدروز وبعض مناطق حمص وحماه، إلا أنه أمسى في أيامنا هذه مشروبا شعبياً، كما النرجيلة التي تتراكض عليها النسوة قبل الرجال، ويسحبن أنفاساً عميقة ويخرجن دخاناً أبيضاً طويلاً، مع نظرات ثاقبة لجمرة النار.
الصيف الحامي، واللاهب يحرقنا مع انقطاع تيار الكهرباء، فتتحول بيوتنا الإسمنتية التعيسة إلى حمامات للساونا وبالمجان طبعاً، فيبدأ شرير العرق يتصبب منك وأنت جالس تتفرج على الذباب الطائر بهدوء، حتى الذباب بدأ يشعر بالحرارة الزائدة، فيقترب منك عندما تبدأ بتهوية نفسك بمروحة يدوية، عله ينال قسطاً من هواء منعش.
الصيف الحارق، وانقطاع الماء كل يوم، فبعد استراحة الساونا الطبيعية، لا بد من أخذ حمام تغسل عنك العرق ورائحته النتنة، والويل إذا استعملت ماء الخزان الموجود على سطح الدار، ماء يحرق الجسم، ويتحول المكان الذي أنت موجود فيه، تلقائياً إلى حمام بخاري، كأنك في فرن جاري كسرى الذي يبيع الخبز في حارتنا.
الصيف في بلادنا، وما أدراك ما الصيف عندنا، القتال على أبواب السرافيس، والهجوم على أي تاكسي يتوقف، وتبدأ بدفع مبلغ زيادة للوصول إلى بيتك، هرباً من جحيم النار الذي يلفح وجهك إذا أتت نسمة هواء شرقية، كأنك أمام تنين وينفخ في وجهك ناراً تشوي الوجوه وتحرق الأعين.
كله كوم والفاكهة كوم، يا الله على هذا الصيف الذي يخرج كل هذه الفاكهة، ولا أتلكم عن الكرز والمشمش، والدراق والخوخ، والبطيخ اللذيذ المبرد في الثلاجة، ما أقصده فواكه النساء وتوابلهن. فما أن يبدأ الصيف حتى تتسارع نساء بلادنا بنزع الأكمام وتقصير البناطيل والتنورات، فترى في كل شارع عشرات الفواكه يسرن، ولا أحد يأكلهن، فيا عجبي كما قال الكوجري عندنا "كيف الحلاوة في الدكان ولا يأكلها صاحبها"، نساء يسرن بكل جمالهن ويحرقن قلوب أمثالي وأمثالي كثر، وفوق الحريق حريق يحرق أفئدتنا.
فواكه البشر أطيب بكثير من فواكه الأرض، ذات مرة مر رجل في غابة فرأى امرأة قد علقت بشجرة، وهي ميتة ويتدلى جسدها، فقال "يا ليت كل الأشجار تحمل هكذا ثمار"، فواكه الطبيعة تباع في الأسواق، أما فواكهنا فغالية وأثمانها باهظة، وقد تعمل طوال عمرك، ولا تستطيع جمع مهر واحدة منهن. أيا صيف لا تبخل علينا بالفاكهة!
نساء يرتدين أشباه الثياب، وتتدلى ثمارهن، ويتركن خلف مسيرهن سيلاً من الطيب والروائح العطرة، من أفخر أنوا ع ملطفات الجسم "الديودورانت"، فرائحتها أذكى من كل التوابل، إنهن يجذبن كل أنواع الكائنات، حتى الشمس تخجل فتسمح لساحبة صيف سائرة لوحدها في السماء، بحجبها لتستظل الفاكهة بها حتى تصل مبتغاها.
أما نحن معشر الذكور، فلا نستطيع أن نلبس الشورتات بحجة خدش الحياء، ومعيب في الحارة، وإن كشف شاب عن صدره سارعت زوجته أو أمه إليه قائلة "استتر، عيب عليك ما بتستحي" ومعهن حق، أيعقل أن يكون صدر ذكر مشعر مثل صدر أنجلينا جولي تبرق كالشمس وتعكس ضيائها، أم ساقي رجل كجذع شجرة، مثل ساقي شارون ستون، المتلألئتان كمصباحي نيون، شتان بين الثرى والثريا.
كان الله في عوننا نحن معشر الرجال، فالشمس تحرق روؤسنا خاصة وإن كنا من الصلعاء، وتفوح منا رائحة العرق، كما رائحة الشنكليش المختلط بالثوم، فإن مر بجانبك أحدهم، حتى تسارع في البصق، وإن صدف وأن جالست أحدهم في الباص أو السرفيس، لوجب عليك أن تمسك أنفك حتى نزوله أو نزولك، وإن صدفت كانا مشواركما في نفس الوجهة، فما عليك إلا أن تذهب وتستحم بالماء والتراب، وكفاك الله شر الركوب في الباصات.
الصيف اللاهب، والنساء اللائي يرتدين أشباه الثياب، أو كما قال عادل إمام "لابسة من غير هدوم" يعرقلن حركة السير ويتسببن بحوادث خاصة بين أصحابي التكاسي، والذين لا ينكفئون في إخراج رؤوسهم من الشباك، لمتابعة المشهد حتى اللقطة الأخيرة من مسلسل سير الجميلة في الشارع، سيداتي لا تسرن في الشارع إلا بعد أن تكون الإشارة حمراء، لعلكن تحفظن الكثير من الرجال من هول الحوادث، فقليل ثيابكن يذهب بعقول الكثيرين منا، إنكن تصرعننا، وتقتلنا في اليوم ألف مرة، فكفاكم الله شر القتل، إنكن أمهات الحياة، فاحفظوا لنا حياتنا.
#مسعود_عكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كنائس وجوامع
-
محاولات يائسة لتشويه صورة حزب العمال الكردستاني
-
الأمة التي ُوهِنت نفسيتها
-
في ذكرى مجازر الأرمن.. عندما يكتب الموت رسالة الحياة
-
منظمات حقوق الإنسان في سورية.. تمييز أم إهمال في جريمة الرقة
...
-
واقتلوا الأكراد حيث وجدتموهم
-
آذار ديلان.. أعراس الربيع
-
في يومك يا حواء.. أحلام وآلام ورسالة عشق وهيام
-
آناهيتا.. رسالة المطر للعشاق
-
الكلامُ في سُكرِ السرابِ
-
ميلاد مجيد يا أنور البني
-
في شأن محاكمة رجال القانون وحماة العدالة
-
تركيا والمواجهة الكردية المفتوحة
-
هل تتجه تركيا لحل القضية الكردية؟
-
في شأن الحب والموسيقى وأحلام كثيرة
-
عندما تبث سانا أخبارها بالتركية
-
كم الأفواه.. تراجيديا يومية في سورية
-
هل يطلق سراح رياض سيف لأسباب إنسانية؟
-
عندما تودع أغنية.. إلى آرام تيكران
-
الحب في زمن الأنفلونزا
المزيد.....
-
موسكو تحتفي بالكاتب والمفكر سهيل فرح
-
براعة مذهلة.. كيف يتقن الأطفال أدوارهم في السينما؟
-
وفاة الفنانة الكبيرة سميحة أيوب تهز الوسط الفني.. وداع سيدة
...
-
-مطبخ الرواية-.. رحلة أدبية عبر عوالم الطعام بين التراث العر
...
-
رحيل يفغيني دوغا مبدع أحد 4 روائع موسيقية في القرن العشرين (
...
-
من -الكائنات الفضائية- إلى تماثيل الأنبياء... زاهي حواس يفنّ
...
-
رحيل سميحة أيوب، -سيدة المسرح العربي- تغلق الستار
-
رحيل الفنانة المصرية سميحة أيوب عن 93 عاما
-
لقبت بـ -سيدة المسرح العربي-.. وفاة الممثلة المصرية سميحة أي
...
-
سينما دادا ــ الصورةُ تُتأتئ عينُها الغامضة
المزيد.....
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
المزيد.....
|