|
تجارة المراكز الطبية
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 2955 - 2010 / 3 / 25 - 04:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
...... في عالم الرأسمال كل شيء يجري خصخصته،ويصبح كل شيء قابل للبيع والشراء،بدء من التعليم وانتهاء بصحة الإنسان وحتى الإنسان نفسه، ويبدو أن الاحتلال بدلاً من أن يقلص مساحة سيطرته على شعبنا الفلسطيني،فهو يشدد ويحكم من هذه السيطرة،فعدا أن الاحتلال يدمر قطاعنا الصحي من خلال وضع الكثير من القيود والموانع على إقامة مؤسسات ومستشفيات ومراكز طبية فلسطينية،فهو يحول الكثير من أطباء شعبنا الى مقاولين لمؤسساته ومراكزه الطبية،كما أن الجهد المبذول فلسطينياً وعربياً للنهوض بهذا القطاع دون المستوى المطلوب، كل ذلك مهد لأن تصبح هناك تجارة رائجة هي تجارة المراكز الطبية لصناديق المرضى بمختلف أشكالها ومسمياتها ( كلاليت ،ميوحيدت ولئومي وغيرها)، والتسابق والتنافس بين هذه المراكز ليس قائم على تقديم الخدمة الأفضل للمريض،بل الربح أولاً، ومن خلال استقطاب اكبر عدد ممكن من الناس لهذا المركز الطبي أو ذاك،عبر شبكة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية،أو عبر تقديم إغراءات ومحفزات عينية ومادية ومعنوية،وهناك مسوقين لهذه المراكز الصحية،بقدر ما يحضر زبائن،يتلقى مردود مادي مقابل ذلك،وحتى في الإطار التسويقي يجري استخدام طرق وأساليب غير شريفة،حتى وصل الأمر في العديد من الأحيان،أن تم سرقة أو ترحيل أعضاء من هذا المركز الطبي أو ذاك الى مراكز طبية أخرى دون علمهم ومعرفتهم،وكان السبب الأول والمباشر لذلك هو الجشع والطمع المادي،حيث أن إدارات تلك المراكز تدفع لمشغلي تلك المراكز على "الرأس"،وبذلك كل مركز طبي معني باستقدام أكبر عدد من المرضى حتى يحقق أكبر دخل أو عائد مادي،وهذه التجارة استقطبت عدد من أصحاب رؤوس الأموال،وبدؤوا في استثمار أموالهم في مثل هذه المراكز،تماماً كما هو الحال في خصخصة التعليم الثانوي الحكومي في القدس،حيث أقيمت مدارس المقاولات الخاصة،والتي تتقاضى مبلغ مقطوع عن كل طالب من البلدية،وهذا الجانب فيه الكثير ما نقوله،حيث جرى في أكثر من مرة تسجيل أسماء لطلبة على أنهم جزء من ملاك مدارس المقاولات تلك،في حين هم مسجلين على ملاك مدارس أخرى،وخصخصة التعليم تلك، شكلت ضربة مؤلمة للتعليم الحكومي في القدس،والذي أوضاعه كارثية بالأساس،وكيف بالحال بعد عملية الخصخصة وغياب الرقابة والمساءلة والمتابعة، والمسألة لم تعد قصراً على التجارة وتحقيق المنفعة من خلال المركز نفسه،بل تمتد إلى إقامة صيدليات مرتبطه بهذه المراكز،يوجه المريض الى صرف الوصفة الطبية من خلالها،ناهيك عن أن تلك المراكز وبقرار إسرائيلي لا توظف سوى الأطباء من حملة التراخيص الإسرائيلية،أما الأطباء من حملة تراخيص البورد الأردني أو الفلسطيني،فيحظر عليهم العمل في تلك المراكز،وفي اطار تلك المنافسة أيضاً،وضمن سياسة المحافظة على الزبائن واستمرار تحقيق الربح،في العديد من الأحيان يتم منح التقارير الطبية للغياب عن الوظيفة او العمل على الهاتف وبدون معاينة المريض. والمأساة والغرابة هنا عندما يتحدث البعض عن قرب تحقيق استقلال اقتصادي،يضاف للاستقلال السياسي،ونحن نعرف أن الاحتلال يتحكم بكل مدخلات ومخرجات المجتمع الفلسطيني،فنحن لم نستطع وضع نصب تذكاري للشهيدة دلال المغربي في رام الله والتي لا تبعد عنها المقاطعة مئات الأمتار. فأين هو الاستقلال الاقتصادي والسياسي الذي يتحدث عنه البعض؟، وكأن الحقائق والمعطيات على الأرض ليست كفيلة بجعلهم يغادرون هذا النهج وهذه العقلية وهذا التضليل؟. وبالعودة إلى تجارة المراكز الطبية (صناديق المرضى)،والتي أضحت شكلاً من أشكال الاستثمار،حيث ترى في البلدة الواحدة أربع أو خمس مراكز طبية تابعة لصناديق مختلفة،تروج لخدماتها وتحاول استقطاب أكبر عدد من الناس لهذه المراكز،وفي العديد من الأحيان تكون عملية الاستقطاب على حساب جودة الخدمة المقدمة،فسيل الإغراءات المقدم للزبون من أجل التسجيل في هذا المركز،يبدأ بالتراجع شيئاً فشيئاً بعد تسجيل الزبون في المركز وضمان ثباته،أما إذا كان زبون دسم وقادر على الاستقطاب وجلب زبائن،فتقدم له الحوافز المادية والعينية،وتصبح في العديد من الأحيان طلباته مستجابة،حتى لا يتم خسارته هو والزبائن الآخرين الذين جلبهم للمركز الطبي،والمسألة أيضاً ليست قصراً على سرقة وإغراء الزبائن،بل يتم تقديم الإغراءات للأطباء الذين لهم اسم لامع في مهنة الطب وفي تخصص معين،من أجل مغادرة هذا المركز والعمل في مركز طبي آخر،وطبعاً بدل أجر مادي أعلى وربما التشارك في نسبة من الأرباح اذا كان للطبيب سمعته وشهرته. والمسألة لم تعد قصراً على استغلال السوق المقدسي من قبل المؤسسات والمراكز الطبية الإسرائيلية،بل تجد أنه في ظل الأزمات المالية التي عاشتها وتعيشها المستشفيات والمراكز الطبية في القدس،يجري التعاقد معها من قبل تلك المراكز على الهامش وبأسعار أقل،بما يجري التعاقد معه مع المستشفيات الإسرائيلية،وسياسة الخصخصة تلك نتج عنها إغلاق الكثير من العيادات الخاصة،وأيضاً الهدر للأموال الفلسطينية،حيث أنك تجد في بعض القرى مركزين أو أكثر تابعة للمراكز الطبية الإسرائيلية في نفس الشارع والحي. وهذه السياسة تنتج غياب الرقابة المهنية،ويصبح الهم الأساسي هو الربح،حيث تلجأ تلك المراكز الطبية الى توظيف مقاولين بأقل الأسعار،يقومون بالترويج لخدماتها،وفي كل المراكز الطبية بمختلف مسمياتها،ترى هناك تركيز على الطب العلاجي،وغياب للطب الوقائي من تثقيف وتوعية،فهذا النوع من الطب لا يحقق أرباح وغير مشمول في تجارة (الرأس) وغيرها. ومن هنا نرى أنه يتوجب على نقابة الأطباء الفلسطينية،تفعيل دورها في مدينة القدس،ووضع خطط وآليات تحد من تأثير وسيطرة المراكز الطبية الإسرائيلية على الوضع الصحي في مدينة القدس،وأيضاً هذا ليس واجب نقابة الأطباء وحدها،بل وزارة الصحة الفلسطينية،والتي تتحمل مسؤولية مباشرة في هذا الجانب،فكما سيطرة وزارة المعارف الإسرائيلية على أغلب قطاع التعليم في القدس،حيث نشرت وعممت ثقافة التجهيل بين أبناء شعبنا،فهي تعمل على تدمير القطاع الصحي بالكامل،بحيث يتم ربط الإنسان الفلسطيني المقدسي صحياً بالكامل،مع المؤسسات والمراكز والمستشفيات الطبية الإسرائيلية. وفي النهاية يبقى الإنسان الفلسطيني المقدسي المغلوب على أمره هو الضحية،حيث أن دعم صموده وبقاءه ووجوده،هي شعارات بلا رصيد،فلا وجوده ولا صحته ولا تعليميه من أولويات السلطة الفلسطينية في هذه المجالات.
القدس – فلسطين 24/3/2010 0524533879 Quds.45@gmail.com
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في عيد الأم/ ماذا بشأن الأم الفلسطينية ...؟؟
-
القدس / صدر مكشوف لخناجر التهويد..
-
دلال المغربي حتى في استشهادها تخيفهم ..
-
في يوم المرأة العالمي / الأسيرات الفلسطينيات رحلة عذاب ومعان
...
-
الجبهة الشمالية مرشحة للإشتعال عسكرياً ...
-
قدسنا ليست بخير يا عرب ...ويا مسلمين ..
-
ضم الحرم الأبراهيمي...ضم مسجد بلال ...ضم قبر يوسف ...ضم الأق
...
-
من ذاكرة الأسر / الأسير المناضل محمود عطون
-
المفاوضات ستستأنف بغطاء عربي ....والمصالحة ستباع عربياً ودول
...
-
نحو مؤتمر وطني مناهض للتطبيع ..
-
القدس معارك في كل الاتجاهات/ هدم منازل ...حفريات ....مصادرات
...
-
لماذا التقرير والنشر الآن ..؟؟
-
من ذاكرة الأسر/ الأسير المجاهد ابراهيم بارود يدخل عامه الاعت
...
-
من ذاكرة الأسر/ الأسير المناضل ناصر عبد ربه يدخل عامه الاعتق
...
-
المفاوضات مارثون غير منتهي ..
-
من ذاكرة الأسر/ الأسير المجاهد فؤاد الرازم يدخل عامه الإعتقا
...
-
من ذاكرة الأسر/ الأسير المناضل حسام شاهين يدخل عامه الإعتقال
...
-
من ينقذنا من جهلنا وتخلفنا ...؟؟
-
صفحات مشرقة من ذاكرة الأسر/ الأسير المناضل كريم يونس ..
-
جولات ميتشل والفشل المحتوم ..
المزيد.....
-
مصر.. القبض على رجل أعمال شهير محكوم عليه بالسجن 170 سنة
-
-ABC-: ارتفاع عدد قتلى العاصفة القوية التي ضربت الولايات الم
...
-
مصر.. تطورات في قضية القبض على رجل أعمال شهير
-
الحوثيون: الهجمات الأمريكية ستجر الوضع إلى تصعيد أكبر ولن تث
...
-
وزير الدفاع السوري: سنبقى أوفياء في الحفاظ على التضحيات وخدم
...
-
المنفي: ليبيا بحاجة إلى استفتاء شفاف لضمان مستقبلها السياسي
...
-
-سحبوا تذكرة النجاة-.. قديروف يعرض مقطع فيديو لأسرى أوكرانيي
...
-
-واشنطن بوست- تكشف أهدافا أمريكية محتملة للحوثيين في بلدين ع
...
-
البيت الأبيض: الحوثيون استهدفوا السفن الأمريكية أكثر من 300
...
-
نتنياهو يوجّه بمواصلة المفاوضات وفقا لرد الوسطاء على المقترح
...
المزيد.....
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|