|
تأنيس الدراما والحياة - فاتن حمامة -
بابلو سعيدة
الحوار المتمدن-العدد: 2829 - 2009 / 11 / 14 - 02:01
المحور:
الادب والفن
أدوار فاتن حمامه المميزة والفاعلة ، في الدرامــا السينمائية والتيلفزيونية (( أرض الأحلام – صراع في الوادي ـ دعاء الكروان ـ وجه القمر )) صارت مختزنة في ذاكرة الشعب والتاريخ ، وخالدة في الوجدان العربي بعامّه ، والمصري منه بخاصّه . تربعت على عرش الدرامــا السـينمائية لأكثر من ربع قرن من الزمن . والأدوار التي أوكلت إلى الذين شاركوها في البطولة ، حولتهم إلى نجوميين حقيقيين . وتنازلت عن عرشها الإمبراطوري السينمائي باختيارها، وهي في قمة نضوجها وفتوتها في ساحة اللهب والاشتعال الدراميين. واستطاعت أن تحافظ على بريقها ولمعانها ، جسداً وفكراً وقيماً ، رغم مرور الزمن السريع الذي يشبه السيل العارم ، الذي يجرف ما يصادفه دون إظهار أية رحمة أو شفقة . وقامت بالتوليف بين الفن والحياة، بحيث حافظت على الإبداعين في لحظة تاريخية واحدة . ووقفت بكل إمكانياتها الأسـلبية/الدرامية/ المادية لدعم المغمورين والمعوزين ، ومشاركتهم في واقعهم وأحلامهم وتطلعاتهم . ورفضت العنف الدرامي ، والحياتي . ولم تحتج على مظاهر العنف الأهلي منه والرسمي ، الفردي والجماعي ، المنظّم منه والعفوي ، بالمظاهرات والإضرابات والإعتصامات ، وإرسال البرقيات ، بل كانت ترفضه في الدراما وحياتها الخاصة معاً . ولا تميل مطلقاً إلى إجراء المقابلات والحوارات مع الصحافة والفضائيات التليفزيونية والإذاعات المسموعة . لأنها واثقة من ذاتها ومن نجوميتها المستمرة ، والمختزنة في ذاكرة الشعب والتاريخ . ويعزى ســـر نجاحها الدرامي / الحياتي إلى محبتها للناس ، ومحبة الآخر لها . وبقيت فاتن نجمة سينمائية ، ونجمة إنسانية ، ونجمة أسرية/اجتماعية/تربوية/نفسية . وهي سيدة ناجحة في علاقاتها في الأوساط الأسرية ، الفنية ، الاجتماعية . أحبت الإنسان ، أي إنسان بغض النظر عن لونه ومعتقده وجنسه . وهي من أنصار الدفاع عن حقوق المواطنة ، والمساءلة ، وقيام مؤسـسات المجتمع المدني ، والمنظمات غير الحكومية /ngo/ . وتعاطفت مع شيرين الإيرانية الناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان ، والطفل والمرأة والحاصلة على جائزة /Noble / للسلام 2003 ، وهذا يؤكد أن المعايشة السلمية بين الثقافات باتت ممكنة ، وان الصدام بات مستبعداً . وتطالب فاتن بإجراء المقاربة بين الدخولات والثقافات للمعايشة الأهلية بين الأجناس والاثنيات والشعوب ، لاستبعاد الصدام بين الحضارات . ولا ترى أية قيمة للحرية والديموقراطية في المجتمعات العربية دون تطبيق العدالة ، وتحقيق المقاربة بين الدخولات والثقافات ، وإلا تصبح الحياة مدمرة ومهزلة تاريخية . ولا ترى أيضاً أية جدوى من توجيه الاحتجاجات على المظاهر الخلاعية والعبثية والانفلاشية والتهريجية ، بل يجب على الدراما والحياة الاحتجاج على الثقافتين ، ثقافة الاستهلاك ، وثقافة العنف . وتطلب أدبياتهــا من نخب التجديد والتحديث على المستويين الدرامي والحياتي ، ومن كافة المؤسسات الدولية ، الأهلية منها والرسمية ، المساهمة الفعالة بإيقاعات عالية المسـتوى لإســـكات العيارات النارية ، وقذائف المدافع ، وانفجار القنابل ومسلسل التفجيرات ، وأصوات التعصب والكراهية والحقد والثأر، وتجاوز المتخيلة التاريخية الســلبية ، والتحرر من مسلسل العنف في الدراما والحياة معاً ، والتخلّص من أمراض الفراغ والبدانة وهموم الحياة /stress/ ، واعتماد الرياضية العقلية / البدنية ، وموسيقا المزارع التي تنبض بمشاعر الدفء وبالحب وبأصدق المشاعر النبيلة ، وصولاً إلى عالم متوازن في مادياته وإنسانياته ، لكي ينقل الحضارة الحديثة من البعد الواحد إلى الثنائية المادوية/ الإنسانوية . وتدعو إلى تربية حديثة للأطفال ، مضادة للتربية السائدة ، لأن ألعاب الأطفال الحربية ، وسيناريوهات الرسوم المتحركة القتالية ، والمعارك الحربية الكمبيوترية المفترضة ، تؤدي مجتمعة إلى انتفاخ الشخصية العنفية في مخيلة الأطفال وسلوكهم الأسري / الاجتماعي . لأن تعميم الرعب والعنف المنظمين ، والتدمير والقتل الدرامي التليفزيوني / الكمبيوتري ، يحوّل الأطفال إلى فوضويين ، ومتحجرين ، ومتبلدين في مشاعرهم ، وأحاسيسهم ، وعدوانيين في ذاكرتهم وحياتهم اليومية . لذا ، تقدم فاتن مشروعاً تربوياً حديثاً / راقياً لإيقاف زحف موج العنف أكان رسماً ولحناً أم خطاباً وأغنية ولعباً وتمثيلاً وواقعاً . وهذا يتطلب من الآباء، أباء الأسر والمدارس والمجتمع أكانوا دينيين أم سياسيين أم ماديين أن يبادروا طواعية لتربية أبنائهم تربية إنسانوية لا حربجية وعدوانية ، ضمن خطة تربوية مرسومة ، لوقف استيراد الألعاب الحربية للأطفال ، وسحبها من السوق التجاري الذي لا يرحم الآباء والأجداد . وترفض فاتـن بقــوة أن يتحـوّل بعض نجوم الملعب الكروي ، والمسرح ، والســينما ، والتليفزيون والغناء ، والجمباز ، والمصارعة الحرة ، والملاكمة، وملكات الجمال إلى أبواق دعاية لشراء الكماليات والضروريات . المحطات التليفزيونية ، الرسمية والأهلية ، جعلت من المسلسلات الرياضية والفنية والغنائية ، ونشرات الأخبار والحوارات والمناظرات ، وسائل مساعدة لخدمة الإعلان التجاري /BREAK/ الذي يترافق مع الاستراحة في الفضائيات التليفزيونية ، والذي يهدف إلى تحويل رغبات العالم إلى حاجات استهلاكية أساسية . لذا ، ترى أدبيـــات فاتن ، أنه لا بدّ للنخب البشرية وقواها التاريخية الفاعلة ، أن تستخدم طاقاتها الأسلبية والدرامية والغنائية والمسرحية ، للتحرر من إمبرياليــة الســـلعة والمعلومة التي تكــون مجتمع الربح من أجل الربح ، لا مجتمع الأنسنة. ويعطي صوت فاتن دفئاً للأحاسيس البشرية ، والمشاعر الإنسانية النبيلة. ويجعلك تحب الأرض والبحر والإنسان . وتعشق الوطن على شكل صبية وقضية . ومن نظراتها الجذّابة ، وقامتها الباسقة ، ومشيتها الطاووسية ، وحركاتها المعبرة ، وصوتها الدافئ ، وأفكارها النيّرة ، أبدع الرســـامون أعظم اللوحات ، والشعراء أجمل القصائد ، والمخرجون أفضل الأدوار، والعازفون أرقى الألحان !
#بابلو_سعيدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صوت الأنستة - جوليا بطرس-
-
غادة بين الحب والمليونير
-
عابر سرير ( أحلام مستغانمي)
-
سندريلا القرنا العشرين
-
غادة السمان ( طائر العنقاء )
-
أحلام معطوبة ( أحلام مستغانمي)
-
رواية ذاكرة الجسد ( أحلام مستغانمي)
-
جورج ساند نجمة فرنسا القرن /19/
-
كوليت خوري ودمشق العاشقان
-
فيروزالواقع والحلم
-
الجمهوريّة النسائية
-
الإنسان يصنع تاريخه
-
ليلى العثمان - مأساة الواقع والحلم
-
سيمون دي بوفوار صوت الحرية
-
بثينة شعبان التي ولّفت بين الأدب والسياسة
-
سعاد الصباح / تباشير المطر
-
/نوال السعداوي /صوت الإحتجاج
-
المرأة بين التهميش و التفعيل
-
الحرب و السلم
-
الجذر اللغوي والقصيدة الأولى
المزيد.....
-
فيلم -ماينكرافت- يتصدر شباك التذاكر ويحقق أقوى انطلاقة سينما
...
-
بعد دفن 3000 رأس ماشية في المجر... تحلل جثث الحيوانات النافق
...
-
انتقادات تطال مقترح رفع شرط اللغة لطلاب معاهد إعداد المعلمين
...
-
-روحي راحت منّي-.. أخت الممثلة الراحلة إيناس النجار تعبّر عن
...
-
-عرافة هافانا- مجموعة قصصية ترسم خرائط الوجع والأمل
-
الفنانة ثراء ديوب تتحدث عن تجربتها في -زهرة عمري-
-
إلتون جون يعترف بفشل مسرحيته الموسيقية -Tammy Faye- في برودو
...
-
معجم الدوحة التاريخي ثروة لغوية وفكرية وريادة على مستوى العر
...
-
بين موهبة الرسامين و-نهب الكتب-.. هل يهدد الذكاء الاصطناعي ج
...
-
بعد انتهاء تصوير -7Dogs-.. تركي آل الشيخ يعلن عن أفلام سعودي
...
المزيد.....
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
المزيد.....
|