|
مرحلة علمانية ديمقراطية تمهيدية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 2583 - 2009 / 3 / 12 - 10:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بطبيعة الحال كانت التغييرات السياسية أفضل من الجمود ومن عدم اتخاذ خطوات نحو الديمقراطية، لكن كانت هذه الخطوات في ظل الأشكال التقليدية الدينية فأدت إلى تزايد الانقسام الطائفي وحدوث الاضطرابات المستمرة وتفاقم حضور العمالة الأجنبية وعدم حصول تغييرات كبيرة لصالح الأغلبية الشعبية العاملة البحرينية. ولكن ومهما كانت المحدودية فإن البناء السياسي الراهن أفضل من الانزلاق نحو خطوات مجهولة، وتعميق الوضع السياسي المذهبي - الطائفي نفسه، وإيجاد مواجهات أكبر. ومع وجود النظام الدكتاتوري الإيراني التوسعي، وهيمنة نفوذه على أجزاء من العراق وعدم نهوض القوى الوطنية المتلاحم في القطر الشقيق، فإن الوضع يبقى محفوفاً بالمخاطر في السير نحو المزيد من التجريبية السياسية المجهولة الخطى والنتائج. وخلال السنوات التجريبية في التغييرات السياسية لم تـُظهر القوى المذهبية أي بوادر لإصلاح أوضاعها ونقد تاريخها وتبعيتها للمنظورات السياسية الخارجية، وهي تريد من التغييرات الدستورية المزيد من النمو والمواجهة داخل المعسكرات الطائفية نفسها، مما ينقل بلدنا إلى أزمة أعمق. لم يقم رجال الدين بالانفصال عن هذه المعسكرات، بل اعتبروا أنفسهم أجزاء منها، وأيدوا فريقاً دون آخر وألبوا فريقاً ضد آخر، ولم يتجهوا للحياد والتخصص في تقوية الوحدة بين المسلمين فعمقوا الخلافات وقسموا الناس. ولم تقم أغلبية الأجهزة الحكومية بدورها المطلوب بالاستجابة لطلبات البرلمان وإحداث التغييرات العميقة في حياة الأغلبية التي تواجه شتى أشكال الفقر والبطالة والمزاحمة الرهيبة الأجنبية وأزمة الاسكان والغلاء والعلاج. كما لم تكون قوى المعارضة الدينية والموالاة التي وصلت إلى البرلمان أية أرضية وطنية توحيدية، وكأنها معبرة عن الانقسام الطائفي فقط، وليست أداة التوحيد السياسية المنتظرة وأداة التصدي للمشكلات العميقة في المجتمع، ويقوي ذلك عدم خبرتها السياسية، ورفضها التعاون مع الخبرات الوطنية الكثيفة في البلد، وقد استغلت الأجهزة الحكومية كل ذلك لصالح الاحتفاظ بكل الأوراق في يدها. ولهذا فإن إحداث أي قفزة في مثل هذا الوضع السياسي المتذبذب، يكون بمثابة قفزة في الهواء، وفتح الأبواب للمزيد من القلاقل. لا بد أن يكون الإصلاح السياسي شاملاً، يضم القوى السياسية وأجهزة الحكم، عبر الانتقال لدولة علمانية ديمقراطية، ويكون ذلك بشكل متدرج، بتحول المؤسسات السياسية إلى تكوينات معبرة عن قوى اجتماعية وليس عن سنة وشيعة، أو عن مسلمين وغير مسلمين، وتغدو الدولة لكل المواطنين ومسئولة عن كل المقيمين بكل مذاهبهم وأديانهم. وان تصلح المنظمات السياسية أوضاعها الشمولية الحالية وأفكارها الدينية العتيقة، وتنتقل للحداثة والعلمانية وتكف عن التعبير عن منطقة وقسم ديني من الوطن والناس. وهذا كله يحتاج إلى زمن موضوعي، أي أنه لا بأس من دورة أو دورتين انتخابيتين لتقوم الدولة والمنظمات بتعديل أوضاعها، والتوجه لإحداث التغييرات الموجهة لمصلحة الغالبية من الشعب، وإذا حدث ذلك فعلاً فإنه ينعكس على طبيعة تكويناتها. وتغدو التعديلات الدستورية وتغيير طابع الحكم ثمرة لتحولات عميقة في الأجهزة والجماعات السياسية والنقابية والاجتماعية المختلفة لا أن تكون انفلاتاً لا تعرف عواقبه. أما أن تحصل تغييرات دستورية مع بقاء الاصطفافات والمعسكرات المتنابذة مذهبياً، خاصة في بلد بمثل هذه الرقعة وبمثل هذا التسارع في التغيير الاقتصادي من دون التغيير في حياة السكان، فإن ذلك كله يؤدي إلى صراع كبير بين السلطتين التنفيذية والبرلمانية، وإلى حل البرلمان، أو إلى الصدامات بين السلطتين التنفيذية والبرلمانية، وتقسيم السكان بشكل خطر، بحيث يتغلغل ذلك في المجتمع، وتنشل أجهزته وقواه السياسية، ويتوجه للمواجهات العنيفة الواسعة. لا بد من مرحلة انتقالية تقبل فيها الدولة والجماعات السياسية الرئيسية بالتحول إلى النظام الديمقراطي العلماني، ويبرهن على ذلك من خلال الدورتين الانتخابيتين القادمتين، ولتتفكك العقد بخطوات منسقة بين هذه الأطراف. لقد استوعب المجتمع كمية من التغييرات السياسية لم يهضمها بعد، ولم يحولها إلى غذاء مفيد، بل أدى إلى عسر هضم، وإلى تركيب ما هو حديث على ما هو تقليدي، فلا الجديد يستوعب ولا القديم بنافض ملابسه التي تعود لزمن آخر.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة اليسار
-
رأس المال الشرقي
-
سراب الديمقراطيات العربية
-
المحافظون الإيرانيون والطريق المسدود
-
العلمانية ورأس المال
-
المرأة ودكتاتور الأسرة
-
العلمانية التركية والسنة والحداثة
-
آفاق الاشتراكية
-
إنجازات وقصور كارل ماركس
-
استغلاليون لموجة
-
الجيشُ الروسي يعودُ للواجهة
-
مصير البشير ومصير السودان
-
مصطلح (اللارأسمالية)
-
مأزق السياسات المذهبية
-
العمال بين اتجاهات حادة متضاربة
-
مشروع تاريخي !
-
الوطنيون أقدر على خدمة الشعب
-
العمال والانتخابات
-
عامل الخمسينيات قائداً
-
دساتير هشة
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى
-
الفاتيكان يكشف عن أحدث التطورات الصحية للبابا فرنسيس
-
عائلة الباشا المقدسية حافظت على كنيس يهودي فكانت المكافأة طر
...
-
فيديو كلمة الشرع من المسجد حول الأحداث في سوريا
-
خديعة جديدة.. ما وراء سماح إسرائيل بالصلاة في المسجد الأقصى
...
-
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .. تكشف عن موعد عيد الفطر 20
...
-
أحصل على ثواب مضاعف “موقع تسجيل الاعتكاف في المسجد الحرام 20
...
-
قرار إسرائيلي بإبعاد مقدسية مرابطة في المسجد الأقصى منذ أكثر
...
-
60 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى وسط تش
...
-
مقتل مئات المدنيين من الطائفة العلوية في الساحل السوري
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|