حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 2308 - 2008 / 6 / 10 - 08:49
المحور:
الادب والفن
بعد أيام أترك خلفي...48 سنة في العالم الواقعي,وأدخل الخطوة الأخيرة قبل الخمسين.
مزيج محزن من الأطوار المختلطة.
شخصية الطفل في سذاجته وسرعة تصديقه,في حرده وتقلّبه السريع من حال عاطفي_عقلي إلى النقيض,بدون تأخّر زمني أو عطالة ملحوظة,يقاسمه الملامح والاسم والحماس مراهق وشاب فتيّ,لا يرضيه أقلّ من دور البطولة,في حياة تخلو ومن جميع جوانبها,من فرصة أو إمكانيّة لانجاز صغير,يرفع سويّة التقدير الذاتي المنخفض. كهل يصارع بكلّ قواه,للحفاظ على حسّ الواقع.... ولو في الحدود الدنيا.
هي صورتي الحقيقية_في المرآة وفي أبعاد الواقع.
أهرب من النقد,أستر جروح شخصيتي المتهتّكة,بالمبالغات...بالتورية,باللجوء إلى أكثر صيغ الهاربين شيوعا في الزمن وفي الثقافات...."نموذج الضحيّة"بما تختزنه وتختصره من الطفاليات وهذيانات العظمة...آن لي أن أتركها تموت وتنتهي.
أفرغ الكأس لتملأها بشراب جديد.
أفرغ عقلك ومشاعرك من الماضي,لتخطو في الحاضر_ الواقعي,هنا والآن.
*
_ماذا عن نموذج الرجل الواقعي_الناضج عاطفيا وعقليا؟
إما أو_أطفال رضّع أو شيوخ على حافّة القبر.
أنت التقيت بما يموت
وأنا التقيت بما يولد.
.
.
في كثير من حلقات الثرثرة,أتوقف قسرا_ أعجز من المتابعة,خصوصا في قضايا الفكر والمعرفة.مخزوني المعرفي_الثقافي_الفكري...متواضع وفي الطور الانطباعي.
مرّة أمحو ما كتبته, أو أتركه معلّقا....مع الانتظار الغامض. أحيانا أجازف_أفتح أحد الكتب المراجع,التي أحبها أو لمؤلفيها مصداقية مختبرة من قبل.
.
.
كنت أتباهى_ولفترة غير قصيرة_ أنني من يقول: كنت مخطئا....أخطأت,في فكرة أو سلوك أو موقف_بدون ولكن.
وكان مصدر فخري,أنها تجربة مكتسبة بالممارسة. ثم زايدت بالفشخرة...أول عربي مشهور أو معروف(في موقع اعتباري)...يكتب وينشر أنه أخطأ_بدون شروح وتبرير, سأذهب إليه ...وأبوسه من بيضتيه_طبعا من حسن حظي لو تكون امرأة.
جورج طرابيشي فعلها,هو كاتب منفتح...مرن وصلب. حتى اليوم أجده أمامي.
أقرأ كتبه بإعجاب شديد,مع شعور الغيرة....أسميّه أستاذي, يعرف الكثير من أصدقائي ذلك,وليس أولهم لؤي حسين صاحب دار بترا والناشر الرئيسي لمطبوعات رابطة العقلانيين العرب,وليس آخرهم برهوم قعدوني الشاعر والمترجم وصديق الثرثرة.
وهذه المرّة أيضا,ينقذني كتاب جورج طرابيشي:
المرض بالغرب_التحليل النفسي لعصاب جماعي عربي.
فقرة من الكتاب بعنوان:النكوص كإعادة تنشيط لآلية الترميز الجنسي:
إذا كان الموقف من التراث يقدم حقلا نفسيا ملائما لتطبيق"المخطط العائلي" بحيث يتبدى هذا التراث تارة"وكأنه أب كبير حام وطورا وكأنه أب خصّاء,تارة وكأنه أم رحميّة وطورا وكأنه أخ دخيل",فإن الموقف من الحضارة الغربية بالمقابل يتيح المناخ النفسي الملائم لإعادة تشغيل آلية الترميز الجنسي,كالترميز العائلي,آلية لا شعورية يحكمها موقف نفسي لا معرفي,وتشفّ عن الطفل في الراشد عندما يكون هذا الراشد أسير الخبرات النفسية الراضّة التي قولبت شخصيته الطفلية الطرية وتقولبت هي نفسها في صورة مخططات نموذجية للإدراك والسلوك تعاود اشتغالها في كل موقف مشابه يستجدّ لاحقا,مما يشلّ الراشد عن اتخاذ موقف معرفي أو إجرائي إزاء العالم الخارجي وموضوعاته,مكتفيا بأن يعيش من جديد نفس مشاعر الحب أو الكراهية أو الخوف التي ارتبطت في لا شعوره بالموقف الراضّ المبكّر.
ومن هنا يقول فرانكو فورناري,وهو رائد كبير لمدرسة التحليل النفسي الثقافي: إن توقّف آلية الترميز الجنسي اللا شعوري عن الاشتغال"ضروري لتطور العمليات المنطقية والأنشطة المعرفية المجرّدة" وإلا امتنع إدراك سنّ الرشد, وإن الراشد يحتاج إلى فكّ" الترميز الوجداني لجسده ولجسد الآخرين,وكذلك لكل موضوع يدخل ضمن نطاق تجربته,كي يكون في مقدوره أن يتحكم بهذه التجربة عملانيا وإجرائيا",وإلا بقي أسير"العلاقة الجسدية"التي يقيمها الأنا الطفليّ مع العالم الخارجي" بصفته عالما من موضوعات الحبّ أو الكره,لها مدلولات جنسية كلية,من قبيل الثدي,البراز, القضيب, الأب,الأم,الطفل,المجامعة الجنسية,...الخ".
ويكمل صديقنا جورج,ونستطيع القول,بمعنى من المعاني,إن الرمزية الجنسية هي بمثابة "النظام المعرفي"_الابستيمي_ للرؤية العصابية للعالم. فالراشد العصابي يرى في كل شيئ قضيبا أو مهبلا,هذا إن لم يرى فيه أيضا ثديا وشرجا, مثله تماما مثل الطفل الذي لا يتعقّل العالم إلا من فتحات جسده الرئيسية الثلاث: الفمّ والصارّة الشرجية والفوهة البولية.
ويستشهد بتصنيف فرويد الثلاثي للايروسية(كنت أفضّل الايروتيكيّة) الطفلية: الايروسية الشفوية,الايروسية الشرجية,والايروسية القضيبية أو الفالوسية.
*
هذا اليوم أيضا لا أغادر البيت قبل حلول الليل.
عندي كتب جديدة_مجموعة من الكتب المتنوعة_ أرغب بقراءتها وفي العيش مع كلماتها وتحت سطورها,القراءة حبي الأول....حملتني إلى عوالم غريبة وجميلة, أعيش مع الكاتبة والكاتب أولا, أشعر بدفء وحميميّة مع هذا الصنف الخاصّ من البشر, ينشرون أحلامهم على الورق وفي الهواء....عسى ولعلّ يحبّها أو تحبّه...أحدهم_إحداهن. هذا الصنف الهشّ واللين وسريع العطب,عائلتي الممتدّة.
مفارقة غريبة أعيشها وأتعايش معها منذ عشرات السنين:
أكتب_ولا أستطيع العكس- بلغة المشاعر والوجدان.
وأحب قراءة الكتب,المعرفية والمنطقية,...وبالطبع في حالات قليلة...أهيم مع الكتابة الصادرة من الأعماق...بيسوا وتشيخوف وأمين معلوف...
صديقي اليوم جورج طرابيشي.
*
كيف تقرأ هذه العبارات:
لا يوجد واقع,بل تأويلات....نيتشة.
سيبقى الواقعي مفقودا إلى الأبد....فرويد.
المعرفة هي الملاذ الأخير للكائن الحميمي....إيف بونفوا.
وأكثر من الجميع يبتعد بيسوا.....أنا لا شيئ لا أحد.
.
.
منذ أمد بعيد,وقبل سنّ العاشرة,ينادي الأستاذ باسمي...استغرب ولا أردّ بالطبع.
تأتيني صفعة,مع سيل عدواني من الرفس والشتائم أطرش,أعمى...
_كلّ ما في الأمر,أنني غير متأكّد,ربما لست أنا المقصود,ربما يوجد حسين عجيب آخر ,وكثر....من أين لي أن اعرف!
عصاب عليا كان هو الأقسى والأكثر رعبا.
كيف تكون الاستجابة الملائمة؟
انشطرت إلى شخصيات متعدّدة,لم يكن أمامي خيار.
الامتثالي الذليل والذي يحبّه الجميع,تصدّر الواجهة....نعم,حاضر.
العدوانيّ_الذي يرغب بتدمير نفسه والعالم بأسره,كنت أربيّه على مهل,في منطقة بعيدة من نفسي...وكنت أجهل وجودها,قبل الثرثرة.
.
.
أنا اليوم,في الوعي والإرادة,عاجز تماما ومستسلم لما صرت إليه.
عشرات في واحد.
متناقض أجل,نعم.
معقّد؟ أظنّ لا,...أقبل ما أجهله, ولا أسعى لتغيير أحد.
أقبل الوجود على طريقة بوذا.
لا استنكر ثورة ماركس ونيتشه وفرويد,وكثيرا ما أنجرف مع أحدهم بلا تروّي.
بيسوا.....التخليّ والعيش في الخيال والأحلام,كم أحبّه.
.
.
أستاذ المدرسة
لم يقلك أهلا بالتلميذ الجديد
تلميذ خجول,انطوائي,طيب
يتساءل أحيانا:هل أنا_ أنا
تلميذ خجول,أناني, طيب
يتساءل أحيانا: هل أنا لست أنا
تلميذ ككل التلاميذ
يفتح باب المدرسة بيد
ويفتح باب المقبرة بيد
.
.
بعد أربعين سنة,لاشيء يتغيّر. لا شيئ يحدث.
ليسمّها عمّي جورج:رضّة أو تثبيت,.....ليسمّها ما يشاء
.
.
هي الحقيقة المؤلمة.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟