أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود جلبوط - قصص قصيرة جدا من مجموعة - ندى الذاكرة-















المزيد.....


قصص قصيرة جدا من مجموعة - ندى الذاكرة-


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 2111 - 2007 / 11 / 26 - 09:07
المحور: الادب والفن
    


1_ونبتت لها ذاكرة جديدة

في عمق الليل دخلت عليه متلصصة كلصة ....خلعت عنه ثيابه , وسقطت عليه عارية لتغطي عريه في هذا العالم الأسود الأعمى .
في عمق الليل عانقته فضمخته برائحة الليلك , وشرعت تجرده من ذاته , تخلع منه قلبه , أنامله , ذاكرته , وتورثته بدلا منها ذاكراتها الجديدة , واحدة لقلبه , وأخرى ليده , وتالية لفمه , لجلده , فصار لكل خلية من جسمه ذاكرتها.
في عمق الليل , هبطت بالقرب من منامه وقبلت جبينه , فسرت فيه رعشة سرية حرقت جميع ذاكراته القديمة وكل ما كان قد رآه قبلها , ومن يومها بات لا يرى إلاها , وصارت له زنبقة , زعترا وياسمينا , وأصبحت أسيرة لذراعه , وأصبح أسيرا لسريرها وراحت توسع له مطرحا في حلمها تشتله في حوضها .
في عمق الليل تظل ساهرة عليه بالقرب من فراشه تخشى أن تسقط منه في حلمه , تنفخ من خلال شفتيها الناعمة نسمات عليلة تبرد جبهته لتزيل حبات العرق المنعقدة ولتثبت وجوده على باب منامها , وعندما ينفرج فمه عن ابتسامة حالم تغمرها سعادة هشة لا تكاد تؤمن أنها ستدوم طويلا .
في أحد عمق الليل , خافت من نومه العميق وصمت أنفاسه , فقربت إصبعها من أنفه تتفقد تنفسه , ولما اطمأنت أنه مازال حيا , لمسته برفق شديد وكأنها تزرعه فيها ذاكرة جديدة , ضمته حتى دخلها , فأحست أنه صار حدودها , قدرها الذي يخطو على صدى دقات قلبها , وأنه رق بين يديها حتى صار ورقة يمكن أن تكتب عليها ذكرياتها القادمة , ومن ليلتها راحت تعيش في فضاءات نثاره تهرب من خوف كان قد عشش نواحي حياتها , وباتت لها ذاكرة جديدة .
____________________________________________________

2_السعادة


قال لها بينما كانا يجلسان على مقعد في حديقة إحدى الضواحي المدينة الراقية التي يسكنها أغنياؤها وبعض مسؤؤليها :“أن السعداء بلهاء بلا ذاكرة „فردت عليه مستنكرة بسؤاله : _وماذا تسمي هذه الابتسامات المحمولة على شفاه المارة المغادرين لسياراتهم ؟, وهؤلاء الجالسون إلى شرفاتهم؟ , وما تسمي هذه النشوة المحمولة على شفاه الشباب والفتيات على صفحات المنشيتات المعلقة على واجهات هذه المحال؟ , و الوجوه التي تملأ صفحات الجرائد ومحطات الفضائيات ؟
_أنت قلتيها , إنها محمولة , ثم أنها سعادة القتلة الذين لا يزعجهم صمت الموتى بالقرب منهم أو الضحايا الذين لم يأخذوا فرصتهم في الصراخ أو البكاء .
_والحب يا عسلي العينين , أليس هو سعادة ولو من نوع آخر؟
لاحظت ارتعاشة مفاجئة قد ألمت به على الرغم من أن الوقت صيفا , وضع يده على قلبه وكأنه يتقي ألما مفاجأ , وتذكر ذلك القلب الميت الذي اقتصر على دوره كمضخة دم , وتذكر شفتيه الجافتين , وعاوده السؤال الكبير الذي يحوم في خلده منذ فترة طويلة , هل الحب حقا سعادة , ومن نوع آخر ؟ وفاضت الذاكرة .
الحب بالنسبة له أفقده العقل والكرامة والشهية عن الحياة , كان الحب في حياته أفق ألم ونكبة وقهر وإهانة , كم أشبعه تجريحا , لم يلحظ يوما أنه سعادة كما تدعي هذه المرأة التي لا يعرف ترتيبها على قائمة النساء اللواتي مررن عليه أو مر عليهن مدار سنواته الخمسين , الحب وهم يفيض فقط من مخيلة المقهورين للخلاص من عذاباتهم وضعفهم ليجلب لهم سعادة مغشوشة , فتصير الصليب الذي يحمله الفقراء والمساكين للخلاص من جوعهم وبردهم وعريهم وسنينهم المتعبة... .
سكتت وسكت....وساد الصمت الحديقة .

_________________________________________________


3_حلم

أفاق من نومه متململا تزكم أنفه رائحة الياسمين , ونسي في أي ناحية من الحلم غادرها .
ترى في أي ركن من الذاكرة تنام الآن بعد أن حاول نسيانها , ترى هل مازالت تسكن في إحدى زوايا الحلم ؟
يحاول النوم كي يعاود الوصول إليها , يتقلب في الفراش دون جدوى , فتذكر حبهاالباقي بعد أن حاول جاهدا نسيانها .
بعد أن هاجرت رائحة الياسمين أنفه, و تسربت من بين ضلوعه زغب القطا , ومن بين أصابعه رفاقه , بكى المدينة التي وهبها عمره .
ولما غادرت مدينة الياسمين ذراعه , سادها نهار مظلم , بعد أن عاشت معه منارة .

_______________________________________________________________


4 _المدينة التي أحبها


لما أتى حدود المدينة تحمله أمه في بطنها , استظلت ظل شجرة من زيزفونها متهالكة تعاني ألم المخاض وحيدة , لم تجرؤ على الصراخ خشية أن يسمعها أحد من سكان المدينة الجديدة فيكتشف خطيئتها بل اكتفت بأن كزت على أسنانها وهنة متعبة من وشق الطريق .
قد استدلت أمه أن وليدها قد غادر جسدها المتهالك المستسلم للموت عندما تهاوى على أذنيها صرخته الأولى , فأطلقت عليه من فورها أسم لاجئ وفارقت الحياة .

أستلمته الحياة وسلمته بدورها لأزقة المدينة , وراح يرعى ياسمينها وصبارها , فأحبها , وراح يجمع رزقه من بيع الياسمين والصبار .
أحب المدينة فوهبها شبابه , ولما تخلى عنه زغب القطا كرهها , وقرر أن يغادرها .

عندما غادرها إلى المنفى أدرك أنه معشّق برائحتها الياسمينية في كل زقاق من تلافيف الذاكرة , في كل لقمة طعام وشربة ماء , هزيع الليل ووشوشة السحر , زقزقة عصافير كل طلعة صباح , رائحة الليمون وثمار البرتقال المعروضة على بصطات الباعة في كل أسواق المنفى , في حبات الزيتون المكبوس في الأوعية , في أحاديث المنفيين , في أصوات المغنين , في دموعه وابتسامه , في كل دقة من قلبه , في أعين الغوالي المستقبلين والمودعين , في قوافل موتى السرطان وتصلب الشرايين والسكتات الدماغية والقلبية اللذين قضوا بعيدا عنها عيونهم جاحظة إليها شوقا , في تذكر الطفولة و اللذين نفقوا في أقبية فروع أمنها .

كان يدرك أنها ستأتيه كالمن والسلوى , ستسكن نهاره , ستنام في مخدعه , ستصبغ بلونها كل وقته وأشيائه , ستنبت أشجار كبرياء من درن العذابات عبر سراديب وطاويطها الليلية .
كان يدرك أنها ستولد على مدار فتات قلبه , أن تطلع عليه من تشييع المعذبين من أجلها الذين ليست لهم هوية ولا يحملون أسماءا .

دامت الأمل الكبير عندما يبتئس , وجزيرته الخضراء لما يدركه يأس , شمس منتصف النهار عندما يزوره الاحباط والضجر , ورعشة الربيع لما تتيبس مشاعره .
تأتيه قرنفلة حمراء , عقد ياسمين من الذي تعود أن يتمدد عرائش الحواري العتيقة المرصوفة بالحجر الأسود تفوح منه رائحة دم المسيح مصلوبا على صليب من وشى به , على أجنحة حمامة ترعى صحن الجامع الكبير .
تأتيه على صورة أمه التي قضت في ظل زيزوفنها مشردة .

إذا أسعفته الأيام والتقاها أخرة سيقرأ في عينيها كل الأسماء التي التقاها وقضت في المنافي بعيدا عن حواريها .



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (موضوع مؤجل)....قراءة في كتاب منشور باللغة الألمانية يتناول ...
- في المشهد الأوربي
- الكلمة القذرة
- ماذا يحصل للفلسطينيين في لبنان؟
- رأي حول محاكمة رجالات النظام العراقي السابق
- ترجمة مقال من اللغة الألمانية للعربية لداعية السلام المناضل ...
- أسئلة ولدي الصغير الصعبة
- في المشهد الفلسطيني
- سقوط الورقة الأخيرة
- إعلان
- مرة أخرى في المشهد السوري
- ذكرى النكبة , ثم النكسة , على قصف أو حصار المخيم المباح
- مايجري خلف المشهد السوري الأخير
- نكبة الشعب الفلسطيني المتجددة
- من الذي يضعف الشعور القومي والوطني واقعيا في سوريا؟
- هل نتعلم من عدونا
- أسئلة ابنتي الصغرى الصعبة
- وردتان
- في يوم الأرض
- رحل صوتي ..وقلبي معه إلى أن يعود


المزيد.....




- “Ang Mutya ng Section E“ مسلسل جوهرة القسم اي الحلقة 10 مترج ...
- مهرجان -فاس للموسيقى العالمية العريقة- يستضيف إيطاليا ويكرم ...
- -الحجاج- لفيكتور فاسنيتسوف تعرض في مزاد علني في موسكو مقابل ...
- -المداح-.. طلاسم سحرية تفتح باب الجدل في مصر
- من القصر الملكي إلى -نتفليكس-.. ميغان ماركل تكشف عن فصل جديد ...
- الشيخ الحصري.. مسيرة حياة كرست لخدمة القرآن الكريم
- إطلاق الكبسولة (مقطع مسلسل من رواية قناب ...
- -زغرطي يا شيرين!-.. حسام حبيب يعترف لرامز جلال: -أنا اللي دم ...
- مكسيم خليل يروي كيف اتهمه نظام الأسد بتهريب السلاح
- الإخبارية السورية تكشف تفاصيل خطيرة حول التطورات الدموية في ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود جلبوط - قصص قصيرة جدا من مجموعة - ندى الذاكرة-